ما بعد عملية عفرين.. بقلم: أنس وهيب الكردي

ما بعد عملية عفرين.. بقلم: أنس وهيب الكردي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٤ يناير ٢٠١٨

على الرغم من أن العملية العسكرية التركية في عفرين لا تزال في بداياتها إلا أن إرهاصات ومؤشرات ما بعدها أخذت بالتكشف تباعاً.
من حيث البداية، كشفت العملية التركية في شمال غرب محافظة حلب عن وجود بند سري في الاتفاق الذي توصلت إليه أنقرة مع موسكو وطهران، حول إقامة نظام خفض التصعيد في محافظة إدلب، يتصل بتنظيم منطقة عفرين، وأن ما يسري على إدلب سيسري على عفرين، وهكذا، سيتم التعامل مع المسلحين الأجانب في كل من عفرين وإدلب، الأتراك في «حزب العمال الكردستاني – بي. كا. كا» في الأولى، وجهاديي تنظيم «القاعدة» وغيره من التنظيمات الأجنبية، في الثانية، بالطريقة نفسها، وذلك بالتزامن مع التوصل إلى تقاسم نفوذ في المنطقتين بين تركيا وإيران وروسيا.
أظهرت الموافقة الروسية على العملية التركية في منطقة عفرين، أن الاتفاق الذي توصل إليه الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب أواسط شهر تشرين الثاني في فيتنام، شارف على نهاياته، وأن الروس والأميركيين مدعون إلى دخول مفاوضات جديدة لمواكبة المرحلة المقبلة في سورية، وعلى عموم المنطقة كما يبدو، باتفاق دولي، وتعتقد روسيا أن الحصيلة العامة لما جرى وسيجري في عفرين من شأنه تعزيز نفوذها على قضايا التسوية السورية عبر إطلاق مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي الروسية، بعد تقليص التأثير الأميركي في سورية عبر إضعاف «حزب الاتحاد الديمقراطي – بايادا» الكردي.
عملية عفرين وضعت، أيضاً، حداً، لإستراتيجية «بايادا» المعروفة بـ«شرقي غربي سورية»، التي اشتقها لنفسه بعد معركة عين عرب أواخر عام 2014، والقاضية بأن يناور بذراعه العسكرية «وحدات حماية الشعب» بين الروس في غربي سورية، والأميركيين وحلفائهم في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، شرقييها.
لم يعد بإمكان «بايادا»، تنفيذ هذه المناورة المعقدة بين التحالف الدولي في شرقي سورية، وروسيا في غربيها، من أجل حماية مكاسبها تجاه الحكومة السورية وتركيا، بعد ما وصفه بـ«الخيانة الروسية» في عفرين، وبات مجبراً على الارتماء في أحضان الولايات المتحدة.
واشنطن، التي اجترحت إستراتيجية إقليمية سورية معادية بالكامل لإيران، وجدت نفسها في موقف عجيب؛ إذ تلقى حلفاؤها في «وحدات حماية الشعب» الكردية ضربة قوية من الأتراك حلفاء الأميركيين في حلف شمال الأطلسي «الناتو»، ما أثر بشكل أو بآخر في النفوذ الأميركي في المنطقة، وأظهر واشنطن بمظهر غير القادر على التأثير في حلفائها، لكن الضربة في المقابل، أنهت أوهام «بايادا» حول إمكانية تسخير موسكو لدعم أجندته في غربي سورية، وبات أكثر خضوعاً للتوجهات الأميركية في المنطقة.
فشلت واشنطن في اجتراح حل لمعضلة تل رفعت، التي تتوسط منطقة الشهبا في ريف حلب الشمالي الغربي، على الرغم من الوساطة التي بذلتها أواسط العام الماضي. كما لم تثمر الجهود التي بذلتها إيطاليا مدعومةً بالأميركيين، مطالع شهر كانون الأول من العام 2017 الماضي، من أجل إرساء اتفاق بين مجلس الرقة المدني، المدعوم من مجلس سورية الديمقراطي، والمجلس المحلي في الرقة الذي يتخذ من مدينة غازي عينتاب مقراً له، وفي الحالة الأولى، فشلت واشنطن، لرفض القيادات المحسوبة على حزب العمال الكردستاني في غربي سورية التجاوب مع المقترحات الأميركية، على حين انهارت الجهود الإيطالية أواخر العام الماضي، لأن ميزان القوى كان مائلاً لمصلحة «حماية الشعب» وحلفائها في «مجلس سورية الديمقراطي» ما جعلها ترفض تقديم تنازلات حقيقية لمصلحة المجلس المحلي في الرقة المنافس والمدعوم من الأتراك، والآن، لم يعد أمام واشنطن من أجل تثبيت نفوذها في شرقي سورية سوى التلاعب بالعلاقات بين دول مثلث أستانا: روسيا وإيران وتركيا.
هذه الإرهاصات تدفع المرء للاعتقاد بأن مرحلة ما بعد عملية عفرين ستشهد إطلاق مفاوضات روسية أميركية على أرضية مختلفة، قد تترافق مع توترات ميدانية وخصوصاً حول منطقة البوكمال في ريف دير الزور الشرقي، كما ستشهد مفاوضات أميركية تركية، بعد إزالة حجر عفرين من سكتها، تتناول مستقبل العلاقة بين أنقرة والمناطق التي يديرها تحالف «قوات سورية الديمقراطية -قسد» بقيادة «حماية الشعب»، جوهرها مصير منبج وتل أبيض والرقة، ومنطلقها ترسيخ اتفاقية أضنة بين الحكومتين التركية والسورية لعام 1998 وتوسيع مداها، وفقاً لما ستتمخض عنه عملية عفرين، لكن ستكون «وحدات الحماية» ألين مراساً هذه المرة مقارنة بالسابق، وأقل تأثراً بتوجيهات «بي. كا. كا» وقادته المتمركزين في جبال قنديل في إقليم شمالي العراق.
لقد ثبتت عملية عفرين عسكرياً وسياسياً، تركيا كرقاص توازن في الشؤون الإقليمية والسورية بين المحور الروسي الإيراني، من جهة، والمحور الأميركي من جهة ثانية.