الحرب السورية وصلتْ إلى نهايتها وبقيت الورقة الكردية

الحرب السورية وصلتْ إلى نهايتها وبقيت الورقة الكردية

تحليل وآراء

الخميس، ١٤ سبتمبر ٢٠١٧

بعد رفْع الحصار عن مدينة دير الزور الشمالية، تتّجه الحرب في سورية نحو نهايتها بسبب التدخل الروسي السياسي والعسكري. وقد وفّرت موسكو الغطاء الجوي للقوات البرية وكذلك قدّمت الدعم الديبلوماسي لدى الأمم المتحدة التي حاولتْ فيها دول كثيرة فرض عقوبات على دمشق والتدخل عسكرياً لضرْب العاصمة والجيش السوري، ومنعت التوسع العسكري الأميركي – التركي.

واستثمرت روسيا وجودها في سورية في بناء قوّة جوية وقواعد لها ولبحريّتها وأحضرتْ قوات خاصة نقلت موسكو من كونها عاصمة دولة قوية الى دولة عظمى تستطيع تغيير مسار الحروب وكذلك صنع السلام. وأدى التدخل الروسي في الشرق الأوسط الى إلغاء أحادية أميركا وهيمنتها على تلك البقعة من العالم التي بدأتْ فعلياً منذ إنطلاق البريسترويكا.

لماذا نستطيع القول إن الحرب انتهت؟
من أبرز المؤشرات، ان روسيا تمكّنتْ من فرض 3 مناطق معزولة من الاشتباك (واحدة في الجنوب وثانية في الوسط وثالثة في الشمال)، وها هي تستعد في اجتماع أستانة للإتفاق على منطقة رابعة في مدينة إدلب الشمالية الخاضعة تماماً لسيطرة تنظيم «القاعدة»، والتي تعتقد تركيا أنها تستطيع «السيطرة على الوضع» فيها.

وتشير المعلومات الى أن تنظيم «القاعدة» يتحضّر لتغيير جلده مرة أخرى ليتناسب مع الوضع الجديد والفصل بين «معتدلي (القاعدة) ومتشدّديه»، ذلك أن هذا التنظيم يعلم تماماً أن المعركة الأخيرة ستجري داخل مدينة إدلب إذا رفضتْ الانضمام للتسوية، وأن الجيش السوري قادر عسكرياً على استعادة المدينة وأن مسار الديبلوماسية والتفاوض يسيران على الخط المرسوم لهما ولن يستطيع أحد وقفهما.

وقد أصبح الجيش السوري أقوى من ذي قبل ومرتاح لتوقف المعارك في البادية. وهكذا، بعد هيمنة «داعش» في دير الزور، تبقى «الميادين» و«البوكمال» الصغيرتان تحت سيطرة «داعش»، وهاتان المدينتان بالمقدور عليهما.

وهكذا تتجه سورية إلى إنهاء ست سنوات طويلة من الحرب التي أسفرت عن مقتل مئات الآلاف وخلّفت أكثر منهم من الجرحى وأنتجت ملايين المهجرين، إلا أن نهاية الحرب لا تعني أن سورية ستستعيد سيادتها على كامل الأراضي السورية والسبب هو الآتي:

* تتخذ تركيا مقراً لها في شمال سورية وتحتل مدناً عدة يحكمها والٍ تركي يملك السلطة هناك.

* تحتلّ الولايات المتحدة شمال شرقي سورية وتفرض من جانبها – من دون أخذ الإذن من مجلس الأمن – منطقة حظر الطيران وتدعم الأكراد السوريين وتشجعهم على السيطرة على أراضي ومصادر للطاقة (حقل المهر الغني بالنفط وعشرات الآبار المنتشرة في المنطقة). وتستخدم أميركا ذريعة «الحرب على (داعش)» شرق نهر الفرات، حيث التنظيم، في هروب من المنطقة أمام تقدُّم الجيش السوري.

واقعاً استعاد الجيش السوري جزءاً كبيراً من منطقة دير الزور ومطارها العسكري وجبال ثردة بعدما كانت طائرات أميركا قصفت الجيش السوري العام الماضي لتعطي «داعش» الفرصة لاحتلال هذه الجبال والسيطرة النارية على مطار دير الزور، الذي مثّل المصدر الوحيد لإعانة عشرات الآلاف من المدنيين المحاصَرين داخل المدينة.

* تخضع مناطق (3+1) لمنع الاشتباك وتخضع للتفاوض السياسي، وتهيمن دول على الجماعات المسلحة داخل هذه المناطق لأنها مسؤولة عن الدعم المادي والسياسي الخارجي، وبالتالي فإن لهذه الدول الكلمة أيضاً أثناء المفاوضات المستقبلية. وبالتالي يتوجب على دمشق أن تستعد للتفاوض مع الدول التي تحتل أراضٍ ومدناً في سورية. ويتحضر العالم لمحاولة فاشلة لإسقاط الأسد مستخدماً ورقة الانتخابات الرئاسية المبكّرة المقبلة.

إذاً بقيت الورقة الكردية التي تستخدمها تركيا وإسرائيل وأميركا. وهذه الدول – بغض النظر عما يصرحونه من تغيير موقفهم من دمشق – تريد إسقاط الأسد وإزالته من الحكم.

نأخذ مثلاً الاستفتاء الكردي في العراق (المرتبط بسورية) والذي يطالب به الرئيس المنتهية ولايته مسعود بارزاني والمتوقّع في 25 الجاري والمطالِب بالانفصال عن العراق وإنشاء دولة مستقلة. وقد صوّت البرلمان العراقي ضد القرار وأعطى رئيس الوزراء السلطة للتصرّف بما يشاء لمنع الانفصال. وهذا الانفصال – إذا حصل وضم بارزاني مدينة كركوك الغنية بالنفط – سيعترض عليه كل من العراق وسورية وإيران بشدة بسبب ملايين الأكراد الذين يعيشون في هذه الدول، فيما تدعمه إسرائيل وتركيا والولايات المتحدة.

نعم تركيا تدعم انفصال أكراد العراق (وليس أكراد سورية) لأنها هي التي تسيطر على معبر النفط من كردستان الى العالم ما سيزيد من سيطرة أنقرة على جزء من نفط العراق، لا سيما إذا انضمت كركوك الى إربيل. وإذا حصل هذا، فإن حكومة بغداد لن تتردد بشن الحرب على كردستان من أجل كركوك. وفي حال كانت تركيا لا ترغب بانفصال الأكراد، فإن بارزاني لن يجرؤ أبداً على إعلان استقلاله لأن تركيا هي المعبر الوحيد له، وتركيا تحتفظ بقوات في أجزاء متعددة من شمال العراق وبالتالي تستطيع – إذا هوجمت هذه القوات يوماً ما – التدخل عسكرياً وسلخ كردستان (والنفط الذي تحويه) عن العراق تحت أي عذرٍ كان.

تميّز تركيا بين أكراد سورية والعراق بسبب ارتباط السوريين بالـ ypg والـ pkk عناصر وحدات الشعب الكردية وحزب العمال الكردستاني، أعداء أنقرة. وأكراد سورية موجودون ليس فقط في الحسكة بل في عفرين وحلب ما سيجبرهم على التفاوض مع دمشق عاجلاً أم آجلاً.

أما إسرائيل التي تتسلم نفط كردستان العراق وتقف بشدة خلف مشروع تقسيم العراق (وسورية) فهي تحاول لعب ورقتها الأخيرة – على الرغم من تواجدها في صف الخاسرين الذين فشلوا بإسقاط النظام – للأسباب التالية:

* فشل تل أبيب بإزاحة الأسد رغم دعمها الفصائل المسلّحة في جنوب سورية عسكرياً ولوجستياً وإستخباراتياً.

* تمنياتها برؤية الجيش السوري منتهياً بعد حرب طويلة مع حلفائه إيران و«حزب الله» لم تتحقق، بل ان الأسد حوّل جيشه المعتاد على البقاء في الثكن الى جيش جديد مخضرم خبِر القتال بكل أنواعه وعاش تجارب لن يستطيع أي جيش في الشرق الأوسط مقارعتها مهما ناور وتدرب. ومن المتوقع أن ينضم عشرات الآلاف إلى الجيش بانتهاء الحرب.

* وصلت إيران إلى سورية العام 1982 لبناء «حزب الله» اللبناني بموافقة الرئيس الراحل حافظ الأسد. أما اليوم فقد سمحت الحرب السورية بوجود إيراني مهم. وقد استثمرت طهران في سورية المليارات دعماً للمؤسسات الرسمية والجيش وقدّمت النفط والرجال والسلاح. وأصبح الترابط بين سورية وإيران مسألة وجود.

* رفع «حزب الله» من خبرته العسكرية ونوعية تسليحه وخاض معارك متنوعة استعاد فيها جبالاً وودياناً ومدناً. وها هي إسرائيل تقف موقف المُدافِع عن نفسها اليوم بدل المُهاجِم دائماً كما كانت قبل الحرب السورية.