ترامب والربيع الأميركي.. بقلم: رفعت البدوي

ترامب والربيع الأميركي.. بقلم: رفعت البدوي

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٣ يناير ٢٠١٧

بدا مشهد حفل تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب علامة فارقة واستعراضياً مقارنة مع جميع حفلات التنصيب التي سبقت لرؤساء أميركا الذين دخلوا البيت الأبيض.
في مراسم التنصيب. ظهر الالتزام بما رسم لإتمام عملية قسم اليمين إلا أن الخطاب الذي تلاه الرئيس دونالد ترامب عقب قسم اليمين كان لافتاً لجهة توجيه لوم حاد كاد يكون بمنزلة الصفعة لكل رؤساء أميركا الذين وقفوا على المنصة نفسها وتولوا المنصب ذاته سواء انتموا للحزب الجمهوري أم للحزب الديمقراطي حيث قال: إن كل شيء سيتغير من هذه اللحظة وأن القرار سيكون قرار الشعب ولمصلحة الشعب الأميركي وليس لمصلحة العولمة المتوحشة أو لمصلحة المؤسسة الأميركية التي أخذت من الشعب وأوهمته بأنها تؤمّن مصالح أميركا على حين كانت الدعاية الإعلامية الكاذبة والتقارير المزيفة تمارس أبشع أنواع التلاعب على الشعب الأميركي إضافة لشعوب العالم.
في الخطاب نفسه قال ترامب إنه سيمحو الإسلام الراديكالي الذي سبب الإرهاب من الوجود والملاحظ أن ترامب لم يأت على ذكر الإرهاب الإسرائيلي ضد الفلسطينيين وبناء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية وأيضاً لم يذكر ترامب إرهاب تركيا وما ترتكبه ضد سورية وهذا الأمر بحد ذاته يدعونا للتوقف ملياً عند تفسير معنى الإرهاب حسب مفهوم ترامب، أما الأمر الذي استوقف المراقبين وكان لافتاً فهو إحضار رجلي دين مسيحي وآخر يهودي من دون وجود أي رجل دين مسلم في حفل التنصيب وهذا إن دل على شيء فهو يدل على مدى الاستخفاف وعدم مبالاة من ترامب لمشاعر المسلمين الأميركيين وفي العالم معتدلين كانوا أم راديكاليين.
في آخر مؤتمر صحفي عقده الرئيس دونالد ترامب قبل حفلة تنصيبه رفض الإجابة عن سؤال موجه من مندوب قناة السي إن إن الأميركية متهماً إياها بالكذب واختلاق الأخبار المضللة قائلاً سأحاسبكم.
وفي المؤتمر الصحفي نفسه وجه ترامب سيلاً من الاتهامات لأجهزة الاستخبارات الأميركية متهما تلك الأجهزة بالكذب على الشعب الأميركي ومما قاله يجب تغيير تلك السياسة في أجهزة الدولة الأميركية.
اللافت في الأمر الواجب التوقف عنده ملياً هو الحراك الشعبي الأميركي الكبير بحجمه المترافق مع أعمال الشغب المناهضة احتجاجاً على تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأميركية الذي تزامن مع حفل التنصيب واعتقد الكثير من المراقبين أن حملة الاحتجاجات ستنتهي عقب الانتهاء من إجراءات دخول ترامب للبيت الأبيض والمباشرة في حكم أميركا لكن المفاجأة الصاعقة كانت في اليوم التالي لتنصيب ترامب حيث اجتاحت مختلف الولايات في أميركا حشود شعبية ومظاهرات ضخمة امتدت من أستراليا وصولا إلى أوروبا للتعبير عن رفض سياسات ترامب ولحكمه أميركا.
ولو عدنا بالزمن سنوات خلت نسترجع بالذاكرة ما حصل في الوطن العربي وما سمي آنذاك زوراً الربيع العربي وسرعان ما يتبادر إلى أذهاننا القول ما أشبه الأمس باليوم بالنظر إلى ما يجري الآن في مختلف الولايات المتحدة وأوروبا بالمقارنة مع مشهد ميدان التحرير في القاهرة في بدايات ما سمي الربيع العربي أو بداية اندلاع أعمال الشغب في سورية، سرعان ما نستنتج أن إمكان انتقال مرحلة ما سمي الربيع العربي إلى أميركا ليصبح ربيعا أميركياً بات أمراً واقعاً.
إن ما نتج عما سمي الربيع العربي من تغيير بعض الرؤساء وتنحي البعض الآخر ليس صعباً أن ينطبق على أميركا وأوروبا لأننا أمام مشغل واحد نفذ ما أراده في بعض بلادنا العربية وها هو المشغل نفسه ينفذ مخططه في أرضه المنبع أي في أميركا.
المؤسسة الأميركية المشغل الرئيسي تحاول عبر تلك الاحتجاجات والمظاهرات الضخمة أن ترسل للرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب رسالة مفادها إما أن تكون كما نريد وإما أنك ستواجه الربيع الأميركي.
في تاريخ أميركا الحديث هناك رئيسان اثنان حاولا تغيير نمط السياسة في المنظومة الأميركية هما جون كنيدي وريتشارد نيكسون فكان مصير الأول الاغتيال الذي بقي لغزاً حتى يومنا هذا أما مصير الثاني فكان الاستقالة الطوعية بعد أن كشفت المنظومة عما يسمى فضيحة وترغيت المشهورة.
تلك الرسائل الاحتجاجية التي شهدتها مختلف الولايات في أميركا واستراليا وأوروبا هي رسالة واضحة تقول لترامب إنه عليك الاختيار بين ما حل بأسلافك كنيدي أو نيكسون وبين أن تطيع سياسات المنظومة الأميركية من دون تغيرات جوهرية.
مما لا شك فيه أن الأيام القليلة القادمة ستكشف لنا عن نوع الخيار الذي سينتهجه ترامب.