غدنا الآن.. بقلم: حسن م. يوسف

غدنا الآن.. بقلم: حسن م. يوسف

تحليل وآراء

الأحد، ٢٢ يناير ٢٠١٧

«أطعم الفم تستحي العين»، منذ بدء عملي في الصحافة آمنت بصحة هذا المثل الشعبي، ونظراً لأنني أردت ألا تخجل عيني من رؤية عيوب من يكرمونني، فقد عاهدت نفسي ألا أقبل هدية أو دعوة قبل الكتابة ولا في أثنائها ولا بعدها، وقد بذلت جهدي لعدم كسر هذه القاعدة، بل كنت جلفاً في بعض الأحيان لدرجة أنني أعدت كرتونة لا أعلم ما فيها إلى أميركا، جلبها إلى بيتي الإعلامي القدير ميشيل خياط، أطال اللـه في عمره، بعد أن كتبت عن الشاعر الشاب شادي خوري، حفيد الأديب والمترجم الشهير المرحوم شحادة الخوري، وقد قيل لي يومها: «النبي قبل الهدية» فأجبت: «النبي فوق الشبهات، أما أنا العبد الفقير حسن ابن سكينة فليس أسهل من تسخيم وجهي وتسويد صفحتي من أي مفتر!»
أورد هذه المقدمة الطويلة لأنني لا أريد أن أبدو متناقضاً مع نفسي، فيوم أمس الأول أعربت- على صفحتي في الفيس بوك- عن شكري البالغ للدكتور بشر الصبان محافظ دمشق ولإدارة مشروع بكرا إلنا على تكريمي في حفل تخريج المتدربين الشباب المشاركين في الدورة الإعلامية التي نظمها المشروع في مسرح الدراما بدار الأسد للثقافة والفنون، وما زاد في قيمة درع التكريم الذي منح لي هو أنني استلمته من يد الصديق العزيز المبدع الكبير نجدة إسماعيل أنزور… وها أنا اليوم أتفحص المشروع الذي كرمني وأبدي رأيي به من دون أي مجاملة!
خلاصة ما قرأته وسمعته عن مشروع «بكرا إلنا» هو أنه يركز نشاطه على اكتشاف ورعاية المواهب الثقافية والرياضية والفنية ويعمل على تنمية تلك المواهب «عبر إخضاع أصحابها لدورات مكثفة بعد الدوام المدرسي يتم فيها تدريب كل موهبة على حدة عبر مدرسين اختصاصيين في المراكز التدريبية».
قبل كل شيء أود أن أتوجه بالتحية لكل من يعملون بإخلاص في بلدنا فهم سند جيشنا الذي يجترح المعجزات في الدفاع عن الدولة السورية. لكن دعونا نعترف أن الإخلاص وحده لا يكفي!
السؤال الذي فرض نفسه عليَّ أثناء الحفل وبعده، هل هذه هي المعركة الحقيقية التي يجب علينا خوضها، وهل هذه هي الأسلحة الملائمة لطبيعة المعركة، وهل نستخدم هذه الأسلحة بشكل يضمن فوزنا النهائي في المعركة؟
تقتضي النزاهة أن أعترف أن الإعلام كان ولا يزال القطاع الأكثر هشاشة في جبهتنا الوطنية، لذا فإن أي اهتمام من الجهات المعنية بتعزيز الإعلام وتطويره وتحديثه هو جهد مشكور جدير بالتحية. لكن اكتشاف المواهب الإعلامية بين الأطفال، رغم أهميته، لا يكفي لسد الثغرة، والحقيقة أن مشكلتنا في الإعلام هي مشكلة نوع لا كم. فنحن لسنا بحاجة لأعداد أخرى من الإعلاميين، إذ يكاد يكون لكل مواطن عندنا مطرب وممثل وصحفي! ما نحتاجه اليوم وغداً هو أن نرفد المجتمع بمواطنين أسوياء وهذا لا يمكن أن يتم إلا عن طريق إعادة صياغة التعليم بحيث تكون الدروس رحلة ممتعة لاكتشاف العالم وأجمل ما أنجزه الإنسان خلال رحلته على هذا الكوكب، يجب أن نستفيد من تجربة الفنلنديين الذين أصبحت مدارسهم هي الأفضل في العالم بعد أن ألغوا التلقين والحفظ وقللوا عدد الدروس وركزوا على الأنشطة والتعليم من خلال اللعب! وقد سبق لي أن طالبت في هذا الركن بتخصيص حصص أسبوعية فعلية للفنون، وخاصة للسينما تُعرض خلالها أفلام مناسبة ويناقشها الأطفال مع مبدعيها أو نقاد مختصين بغية تطوير شخصياتهم وصقل حسهم النقدي.
إنني إذ أحيي كل جهد بذل في مشروع «بكرا إلنا» أدعو لاستثمار طاقات هؤلاء الشباب وجهودهم الخيرة على جبهة التثقيف والتعليم، فبناء الإنسان هو أساس كل بناء، والخطوة الحاسمة في هذا الاتجاه هي التحرر من العقلية الخطابية التلقينية التي هي أحد أسباب ما نحن فيه، وقد صدق إنشتاين إذ قال: «الجنونُ هو أن يتوقعَ المَرْءُ نتائجَ مختلفةً وهو يقوم بالشيء نفسه المرةَ تِلوَ المرة».