أردوغان، وأثمان السلطنة والتسلُّط.. بقلم: أمين أبو راشد

أردوغان، وأثمان السلطنة والتسلُّط.. بقلم: أمين أبو راشد

تحليل وآراء

السبت، ٢١ يناير ٢٠١٧

 بعد نحو 48 ساعة على أول مشاركة روسية / تركية في قصف جوّي لتنظيم داعش بمدينة الباب السورية، لفت نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش إلى أن رحيل الرئيس السوري بشار الأسد غير واقعي في الوقت الراهن، موضحاً أنه “لم يعد بإمكاننا مواصلة الإصرار على التسوية  بلا الأسد”.

هذا التزامن بين بدء التنسيق العسكري مع روسيا، والتصريح المفاجىء لـ “قورتولموش”، ما هو سوى تمهيد لإنغماس تركيا بالحل السياسي في سوريا خلال الإجتماعات المرتقبة في العاصمة الكازاخستانية  في الثالث والعشرين من يناير/ كانون الثاني الجاري، ما يُعتبر الإقرار الصريح للرئيس رجب طيب أردوغان، بعدم جدوى الإعتماد على التحالف الدولي ولا على “الناتو” بالقضاء على الإرهاب الذي بات يعبث بالداخل التركي،لأن أردوغان سواء وزَّع اتهاماته بعد كل عملية إرهابية داخل بلاده، على داعش أو حزب العمال الكردستاني، فإنه يذهب الى “مؤتمر أستانا” وهو ما بين نارين: تواجد داعش على حدوده الجنوبية، أو تواجد الأكراد، وجماعات “المعارضة السورية” التي يُحارب بها داعش عاجزة عن الحسم، وحتى لو انتصرت على داعش فإن الأكراد لن يتخلوا عن الباب كجزء من “الإقليم الحُلم”.

وإذا كانت ارتدادات الإرهاب من سوريا على تركيا، قد دخلت عقر دار “السلطان”، فهي التي حذَّر منها الرئيس الأسد منذ خمس سنوات، ليس فقط لتركيا بل للإقليم والعالم، وبشكلٍ خاص، الدول التي دعمت وموَّلت ومرَّرت الإرهابيين الى الداخل السوري، وقد تكون لعنة حلب ومصانع حلب المنهوبة والمُبَاعة بأسواق الخُردة التركية، في أفظع عمليات النهب المنظَّم، هي التي وصلت الى أردوغان بعد تحرير ثاني المدن السورية والأولى في مجال الإقتصاد، الذي أشرف أردوغان عبر إبنه والمقرَّبين منه على تدميره.

كان على أردوغان أن يقرأ الوقائع منذ أكثر من عام، وتحديداً في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2015، عندما تمّ تفكيك بطاريات الصواريخ التي أقامها حلف الناتو على الحدود مع سوريا للدفاع عن تركيا، وجاء التفاهم الروسي “الفوقي” مع الأميركيين على حلّ سياسي في سوريا، وبالتالي سحب البساط من تحت أقدام النظام التركي الذي لن تحميه لا صواريخ الناتو، ولا الإتفاقيات الدفاعية التي عقدها أردوغان مع إسرائيل عام 2010، لأن مواجهة القوى غير النظامية، هي القدر المحتوم والمشترك بين أعتى قوَّتين عنصريتين في الشرق إسرائيل وتركيا، ولا يستطيع أردوغان أن يبقى راقصاً على الحبال، وإذا كانت علاقاته مع إسرائيل لم توتِّر العلاقة مع “عرب الإنهزام” فإن للتفاهم مع روسيا وإيران حسابات مختلفة سواء في سوريا أو سواها من الملفات.

ومع وصول دونالد ترامب الى البيت الأبيض، يجِد أردوغان نفسه بحاجة الى “أستانا” يحتمي بها أكثر من حاجة سوريا، لأن الرئيس الأسد يُشارك بها منتصراً مع حلفائه، فيما يذهب أردوغان حاملاً على كتفيه أحلامه المُنكسِرة، ولعل العلاقة المستقبلية مع أميركا ترامب التي دفعته الى أحضان الرئيس بوتين، هي طليعة مؤشرات مستقبل أردوغان وحاجته الى حامية دولية بحجم روسيا، وتفاهم مع قوة إقليمية صادقة وجادة في الحرب على الإرهاب بحجم إيران.

يبقى على أردوغان أن يخوض منفرداً حرب “التطهير الداخلي”، والتي سيدفع فيها أثمان حربه على جماعة الداعية الإسلامي فتح الله غولن، الذي يُدير من أميركا حرباً ارتدادية على النظام التركي، بقساوة سوف يعتمدها غولن من منطلق “مَن ليس لديه شيء يخسره”، ولعل أخطر أسلحة غولن هم الإسلاميون الأتراك، ومَن يخترق صفوفهم ويحتمي بهم من الأصوليين الجاهزين للإنتقام، سواء بأمرٍ من غولن، أو من أبي بكر البغدادي الذي أعلن تكفير النظام التركي وتحليل كل ما يؤدي الى إنهائه، وبمعزلٍ عن ما ستُقضي إليه مباحثات الأستانا، وبمعزل عن الإيجابية التي سوف يُبديها أردوغان “مكرهاً لا بطلاً، فإن تركيا قادمة على فوضى غير مسبوقة، وسيصرخ أردوغان مُطالباً بـ “أستانا تركية”، في محاولة للملمة أشلاء نظامٍ تنتظره الأثمان الباهظة نتيجة ذهنية السلطنة والتسلُّط..

المصدر: موقع المنار