طاحونة دمشق وغربال أستانا..يقلم: سهام يوسف

طاحونة دمشق وغربال أستانا..يقلم: سهام يوسف

تحليل وآراء

الأربعاء، ١١ يناير ٢٠١٧

بكل تأكيد لن يكون مؤتمر أستانا المزمع عقده بتاريخ 23/1/2017 هو هذا المؤتمر الذي تبنى عليه الآمال العريضة للتمسك بخشبة الخلاص التي يتطلع إليها السوريون ويعملون جاهدين للتعلق بها علّها تنقذهم من الغرق في بحر الإرهاب الهائج الذي بلغت أعماقه مسيرة ستة أعوام عانوا خلالها ما عانوه من شتى أنواع القهر والظلم والتآمر والإرهاب والتدمير والتهجير، وبالرغم من ذلك فقد استطاع الشرفاء منهم الإبقاء على سورية صامدة مقاومة رغم ما أصابها من جراح ويجهدون في توجيه شراع سفينتهم لتستقر عند شاطئ الأمان والسلام.
وبكل تأكيد يمثل هذا المؤتمر محطة هامة ونقطة تحول فارقة في مسار الحرب التي تشهدها سورية بالرغم من التباين في الآمال المعقودة عليه والأهداف المرجوة منهُ بين الأطراف العاملة على انعقاده وإنجاحهِ والأطراف الراغبة في إجهاضه وإفشاله، وهو بالنسبة للسوريين سيكون الغربال الذي سيفرز الغث من الثمين.. بين من يعملون للمحافظة على سورية دولة تعددية ديمقراطية علمانية موحدة.. وبين من يعملون على إلباسها جلباب السواد والتشدد.. وبين من ينشدون إضعافها وتجزئتها.
ولقد كان لإعلان وقف الأعمال القتالية أثره الكبير داخلياً وإقليمياً ودولياً والذي تزامن مع الدعوة لعقد مؤتمر أستانا بل مهّد له.. فقد أحرج هذا الإعلان تلك الدول الراعية والداعمة للجماعات والتنظيمات الإرهابية المسلحة.. بين أن تنصاع وتضغط على أدواتها للامتثال لهذا القرار .. وبين أن تُصنف في قوائم ولوائح الإرهاب..
كما وضع الجماعات والتنظيمات الإرهابية ذاتها في نفس الموقف..بين أن تستمر في أعمال الإرهاب والتخريب. . وبين أن تلتزم بوقف الأعمال القتالية والنأي بنفسها عن الاستهداف وبالتالي حجز مقعد لها في الأستانا والمؤتمرات التي قد تعقبه..وفي الوقت نفسه أصاب بعض منابر ومنصات المعارضة السياسية التي تحلم بإسقاط «النظام» بإحباط ما يحلمون به وأصبحوا أمام خيارين لا ثالث لهما..فإما أنهم يتواجدون في الأستانا.. أو أنهم سيبقون على مقاعد المتفرجين والمراقبين لما ستؤول إليه اجتماعات أستانا.. هذا من جانب..ومن جانبٍ آخر فقد أدى القرار إلى اتساع الفجوة بين تلك المنصات والمنابر وبين الجماعات والتنظيمات التي تدعي تمثيلها.
وربما سيكون من محاسن إعلان وقف الأعمال القتالية دفع منصات المعارضة السياسية الداخلية إلى توحيد جهودها وتجميع شتاتها في جسم سياسي وطني معارض ينافس في برنامجه السياسي ومشروعه الوطني برنامج ومشروع الحكومة السورية في التشدد بالتمسك بأهداف وطنية عليا تُكّرس وحدة سورية وديمقراطيتها وعلمانيتها..
ولن يكون من المستغرب أن تسعى منصات المعارضة الخارجية المرتهنة للقرار السعودي والقطري والتركي والأوروبي والأمريكي إلى عرقلة مساعي وجهود انعقاد المؤتمر وإفشاله من خلال تشجيع قيام تحالفات جديدة بين الجماعات والتنظيمات الإرهابية المرتبطة بها والتي تدعي تمثيلها السياسي والانقلاب على قرار وقف الأعمال القتالية ليكون لها بذلك مخرجاً من المأزق السياسي الذي وقعت فيه بعد التوافق الروسي التركي الإيراني ودعوة جميع الأطراف لحضور مؤتمر أستانا باستثناء تلك المصنفة على لوائح الإرهاب « تنظيمي داعش وفتح الشام» والتنظيمات المتحالفة معهما.
وفي هذا السياق فإنه يمكن القول إنه في حال كانت نوايا الجماعات والتنظيمات الإرهابية المسلحة التي أعلنت عن موافقتها على وقف الأعمال القتالية والمشاركة في مؤتمر أستانا سليمة فإنه من المفترض أن تقوم بتسليم أسلحتها الثقيلة إلي الجيش العربي السوري أو في أضعف الإيمان تسليمها إلى الإطراف الراعية لهذا القرار أو الانضواء تحت قيادة الجيش السوري في محاربة الجماعات والتنظيمات المصنفة إرهابية.. وأن تتم هذه العملية بالتزامن مع انعقاد مؤتمر أستانا لأن حضور هذه التنظيمات لمؤتمر يهدف إلى وضع خريطة طريق للحل السياسي لا ينسجم مع الإبقاء على سلاحها وتمسكها به أو بإبقاء سيطرتها على مناطق جغرافية أو مدن وبلدات لأنها ومهما حاولت التمويه على نفسها تبقى جماعات خارجة على القانون وارتكبت جرائم إرهابية ونفذت أعمالاً تخريبية بحق الشعب السوري وممتلكاته العامة والخاصة. .
وتجدر الإشارة إلى أن التوافق ( الروسي التركي الإيراني) كشف مزيداً من التباينات في المواقف الإقليمية والدولية وعند بعض الأطراف الداخلية حول الأهداف القريبة والبعيدة التي يسعون لتحقيق مصالحهم من خلالها عندما توضع خريطة التسوية السياسية على سكة الحل، وفي هذا السياق فإنه لا يغيب عن الذهن بأن تركيا تعمل على تسويق رأيها في المماثلة بين تواجد القوى الحليفة للجيش العربي السوري (حزب الله وإيران) مع قوى الإرهاب المتواجدة على الأرض السورية والقوى الغربية والأمريكية المتواجدة تحت عناوين مختلفة داخل سورية وتحاول كذلك إضفاء صفة الشرعية على دخول قواتها الأراضي السورية بحجة محاربة قوى الإرهاب التي تهدد أمنها القومي، بحسب ما تدعيه وتسوقه.. وذلك في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة السورية بأن تواجد الحلفاء من الروس والإيرانيين وحزب الله كان بطلب منها أما بقية القوى التي دخلت الأراضي السورية هي قوى محتلة.
لقد كان للموقف الواضح والصريح للحكومة السورية وقبولها الدعوة لوقف الأعمال القتالية والمشاركة في مؤتمر أستانا الأثر البالغ في تغيير نظرة المجتمع الدولي حول ما يجري في سورية وأماط اللثام عن النوايا الإقليمية المدعومة إسرائيلياً لإطالة أمد الحرب وإنهاك الجيش والشعب السوري واستنزافه بهدف تقسيم سورية وتحويلها إلى دولة فاشلة.
ومما يسجل للقيادة السورية وللجيش السوري الذي يحارب الإرهاب على كامل مساحة الأراضي السورية أنه استطاع تحقيق انتصارات سيسجلها التاريخ وستبقى جهوده وبسالته في تخليص أحياء حلب الشرقية ومناطق غيرها كثيرة من براثن الإرهاب محط افتخار وتقدير الشعب السوري.
وستبقى دمشق الطاحونة التي تطحن الإرهاب وبذوره حتى تعود أرضها نظيفة صالحة للغراس الوطنية المثمرة.. وما بين طاحونة دمشق وغربال أستانا سيولد فجر جديد عنوانه..
سورية دولة تعددية ديمقراطية علمانية موحدة.