سورية والكرامة الوطنية.. بقلم: رفعت البدوي

سورية والكرامة الوطنية.. بقلم: رفعت البدوي

تحليل وآراء

الاثنين، ٥ ديسمبر ٢٠١٦

بالنظر للأحداث الدائرة في أنحاء شتى من العالم يحتاج المرء إلى عودة لصفحات التاريخ من أجل فهم تحولات العالم المتسارعة والولوج في أسباب انقسام العالم بين دول تنعم بالاستقرار السياسي والاقتصادي وبين دول لم تنعم بالهدوء والاستقرار، مثل بلادنا العربية منذ المطالبة بالتخلص من الحكم العثماني وابتلائنا بعهد الانتداب البريطاني والفرنسي لتغتصب أمام ناظرنا فلسطين واحتلالها من الصهاينة وبذرّ قرنها لزرع الفتن والخراب والتفرقة في منطقتنا العربية، كنتيجة لتخاذل بعض العرب.
إن سياسة الغرب عموماً تجاه بلادنا العربية اشتهرت بمحاولات دؤوبة للسيطرة على القرار السياسي العربي عبر مؤسسات مالية ضخمة تارة أو بفرض عقوبات عليها عبر مؤسسات دولية كمجلس الأمن أو عبر البنك الدولي بهدف تطويع القرار العربي بغض النظر عمن يحكم بلادنا، فمن أطاع الأوامر وانصاع للضغوطات فقد فاز فوزاً عظيماً إلا أن هذا الفوز بحد ذاته يبقى ذليلا، لأن الانصياع لرغبات الغرب لتأمين مصالح الحاكم فقط من دون أي اعتبار لمصالح الشعوب وصون الأوطان من الأطماع الخارجية يعتبر خيانة عظمى.
وبالعودة لصفحات التاريخ بدءاً من كوبا القائد فيديل كاسترو ومصر الزعيم جمال عبد الناصر وسورية الرئيس الخالد حافظ الأسد وصولاً إلى روسيا فلاديمير بوتين والرئيس الصامد بشار الأسد، سرعان ما نكتشف أن تاريخ العالم المتحرر شهد ولم يزل رجالات قدست الكرامة الوطنية وحافظت على سيادة بلادها واعتبرتها قدس الأقداس، ولم تتنازل قيد أنملة أو أنها ساومت على مصالح شعبها أو على مقدرات أوطانها من أجل مكاسب شخصية، كما أن تلك الشخصيات اشتهرت بالوطنية وبالحفاظ على كرامة أوطانهم وشعوبهم عبر حقبات مهمة من التاريخ، جاعلين من تجاربهم مدرسة تدرس معنى الوفاء للكرامة الوطنية والتضحية بالوقوف بوجه القوى الكبرى، مناصرين للشعوب المقهورة، متمسكين بعناد براية كرامة الوطن والمواطن ليكون النصر دائماً حليف هؤلاء الأبطال.
القائد فيديل كاسترو الذي غادرنا منذ أيام ترك إرثاً غالياً تتعلم منه الأجيال القادمة معنى النضال والكفاح لتحقيق الحرية للشعوب المضطهدة في العالم والصمود بوجه القوة العظمى أميركا، دفاعاً عن مبادئ الثورة الكوبية ومحافظاً على الكرامة الوطنية لكوبا.
الزعيم جمال عبد الناصر الذي انتفض على الاحتلال البريطاني بثورة يوليو المجيدة 1952 وقاد بلاده إلى الحرية مؤمماً قناة السويس لمصلحة الدولة المصرية، حارماً الغرب من نهب ثروات مصر، مدافعاً ومحافظاً على كرامة وطنه، رافعاً راية الجمهورية العربية المتحدة لتصبح مصر في عهده محوراً ومرجعاً للعرب، ساعياً إلى تعميم ثورته على باقي البلدان العربية لتحريرها من أطماع الغرب المقيتة.
الرئيس الراحل حافظ الأسد وقف بوجه أطماع الأميركيين والإسرائيليين مدافعاً عن كرامة سورية والسوريين، غير آبه بكل العروض المغرية التي قدمت إليه من أجل إبرام سلام زائف مع العدو الإسرائيلي، رافضاً التنازل عن أمتار قليلة من التراب السوري في بحيرة طبريا، وكان ذلك في العام 1994 بعد محادثات بينه وبين الرئيس الأميركي بيل كلينتون في جنيف، ليكتب التاريخ ويسطر بأحرف مذهبة حكاية دفاع حافظ الأسد عن الكرامة الوطنية وعن تراب سورية.
فلاديمير بوتين وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي السابق استلم روسيا مفككة هزيلة تتآكلها المافيا الغربية، لكنه أبى أن يترك كرامة روسيا الوطنية لرغبات الغرب والمراكز المالية المتوحشة، جاهداً للحفاظ على مصلحة شعبه ووطنه، فعمل على إعادة بناء الذات والعقيدة والإنسان الروسي متخذاً خيارات سياسية واقتصادية كان من شأنها إعادة روسيا إلى الساحة الدولية لتصبح قوة عظمى شريكة في النظام العالمي الجديد.
أما الرئيس بشار الأسد الذي رفض الإملاءات الأميركية في العام 2003 عندما جاءه وزير الخارجية الأميركي آنذاك كولن باول مهدداً متوعداً فإذا بالرئيس بشار الأسد ينهي الاجتماع رافضاً كل الضغوط والترهيب متمسكاً بكرامة سورية وعنفوانها واستقلالها واستقلال قرار الشعب السوري من دون أي تأثيرات خارجية وإن أتت من الحليف.
في العام 2012 وخلال زيارتي القيادة السورية طمأنني قيادي سوري رفيع قائلاً: لو اجتمع الكون ضد سورية لن ينالوا من سورية العروبة لأن لدينا رئيساً يقدس الكرامة الوطنية السورية ولن يسمح لأي كان النيل منها مهما بلغت الضغوطات، وسورية هي المنتصرة كما انتصر كل من تمسك بالكرامة الوطنية.
بعد كل ما تقدم أقول وبضمير عربي مرتاح: سيأتي زمان يتقدم فيه كل عربي متمسك بالعروبة وبالكرامة الوطنية بالشكر لله أنه عاش في زمن من تمسك بكرامة الوطن والشعب السوري بزمن بشار الأسد.