الطريق إلى جنيف.. بقلم: رفعت البدوي

الطريق إلى جنيف.. بقلم: رفعت البدوي

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٩ أغسطس ٢٠١٦

إنها الأزمة السورية شاغلة المنطقة والعالم، إنها الأزمة التي أدت إلى قلب موازين القوى في كل أصقاع الدنيا وأنشأت تحالفات جديدة كما أنها أطاحت بتحالفات قديمة حتى برؤساء دول لأن صمود سورية أسهم في تركيب نظام إقليمي وعالمي جديد.
المشهد في الشمال السوري بعد دخول الجيش التركي بشكل مباشر إلى الأراضي السورية للانخراط بعملية عسكرية أطلق عليها اسم «درع الفرات» أعاد خلط الأوراق من جديد.
صحيح أن لتركيا أطماعاً مزمنة في الشمال السوري وصحيح أيضاً أن دخول تركيا بجيشها إلى الأراضي السورية يعتبر بمنزلة تعد سافر على السيادة السورية إلا أننا لو أمعنّا النظر ببعض المواقف لأمكننا اكتشاف أن طريقاً جديداً قيد التحضير سيؤدي بأطراف الأزمة السورية كافة إلى جنيف.
الخارجية السورية سارعت بإصدار بيان يندد بدخول تركيا إلى جرابلس باعتباره تعدياً سافراً على السيادة السورية داعية إلى وجوب التنسيق مع الدولة السورية في محاربة الإرهاب داخل الأرض السورية لكن اللافت هو اكتفاء الخارجية السورية ببيان التنديد من دون اللجوء لرفع شكوى إلى مجلس الأمن ما قد يعني ترك الباب مفتوحاً لتفاهمات قادمة.
-الخارجية الروسية أصدرت بياناً مخففاً أدى إلى الدعوة للتنسيق مع الدولة السورية في محاربة الإرهاب في سورية.
– ما أشيع أن تركيا اتخذت قراراً منفرداً بتنفيذ عملية «درع الفرات» ليس صحيحاً والدلائل تدحض تلك الإشاعات.
– تزامن البدء بعملية «درع الفرات» مع زيارة نائب الرئيس الأميركي «جو بايدن» إلى أنقرة ومساندة الطائرات الحربية الأميركية للعملية العسكرية لهو دليل واضح على التنسيق المسبق بين أنقرة وواشنطن وما يؤكد ذلك هو تصريح نائب رئيس الوزراء التركي «نعمان كورتولموش» بأن أنقرة أبلغت كلاً من إيران وروسيا وأميركا مسبقاً بعملية «درع الفرات».
من المعروف أن التنسيق الاستراتيجي بين روسيا ودمشق قائم على قدم وساق وهذا الأمر ينسحب على دمشق وطهران وبما أن تركيا أبلغت حلفاء سورية بالعملية العسكرية فمن الطبيعي ترجيح أن تكون دمشق على علم مسبق بتنفيذ عملية «درع الفرات» يضاف إلى ذلك مايقال عن زيارة «إسماعيل تكين» الرجل التركي صاحب المهمات السرية والصعبة إلى دمشق واجتماعه مع مسؤولين سوريين قبل يومين من تنفيذ العملية التركية في جرابلس.
صحيح أن العملية جاءت تحت مسمى محاربة إرهاب داعش إلا أن مجريات الأحداث كشفت زيف هذا الادعاء وأن الهدف الرئيسي هو القضاء على حلم الأكراد بقيام كيان مستقل في شمال سورية.
لا شك بأن صمود سورية الأسطوري سيجعل منها المستفيدة الأولى من «درع الفرات» لجهة القضاء على فكرة فدرلة سورية والمحافظة على وحدتها وهذا ما ينادي به الأتراك وكل الأطراف الإقليمية ما يعني ضرب المشروع الأميركي الهادف إلى فدرلة سورية.
لكن ما الذي يضمن خروج القوات التركية من الأراضي السورية؟
من هنا نفهم سبب اكتفاء الخارجية السورية ببيان التنديد وعدم اللجوء لرفع شكوى إلى مجلس الأمن ما يشير إلى وجود «تفاهمات مسبقة» وحفظاً لحق سورية برفع الشكوى في حال تجاوزت تركيا إطار التفاهم أو توسعت في عمليتها في سورية.
تركيا لم تعد تملك ترف الخيارات لكن لنعترف أن الدور التركي لم يزل مهماً ومؤثراً في الأزمة السورية وخصوصاً في الشمال السوري على الرغم من إصابتها بتصدعات وارتدادات الانقلاب الفاشل إلا أن تركيا لا تريد الخروج من المشهد السوري إلا ضمن ضوابط وتفاهمات تؤدي إلى تأمين حصتها من الحل انطلاقاً من مفاوضات جنيف القادمة عبر إعادة تعويم ما يسمى الجيش الحر واعتباره الكارت التركي الجديد المقبول من كل الأطراف وحجز كرسي له في المفاوضات المرتقبة بين الأطراف السورية بدل تلك التنظيمات المرفوضة والمصنفة بالإرهابية باختصار إنها إعادة لضبط الإيقاع من جديد.
اجتماع كيري ولافروف لأكثر من اثنتي عشرة ساعة متواصلة في جنيف وصدور بيان مشترك يشير إلى توصل الطرفين لوضع إطار للحل في سورية ما هو إلا إعادة رسم وتعبيد الطريق إلى جنيف جديد على أسس جديدة تأخذ بالاعتبار المتغيرات السياسية والميدانية التي حصلت في داريا أو بطريقها للحصول في المعضمية ودوما وغيرهما وخصوصاً أن الجهات السورية المعنية أبلغت من يهمه الأمر بأن الطريق إلى جنيف جديد لا بد من مروره عبر تحرير حلب وسواها.