التفرقة انهيار .. بقلم: سامر يحيى

التفرقة انهيار .. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأحد، ٢٨ أغسطس ٢٠١٦

"وادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" سورة النحل125.
بكل أسف، نلهث وراء مصطلحات وضعها الآخرون، وننظر إليهم بفخر وإيجابية، ونتجاهل دور كل منا، بل نحمّل الآخر المسؤولية، نأخذ نظرياتهم ونستند إليها لتطبيقها على بلداننا، وكأنها مقدّسة، ونتجاهل حضارتنا وتاريخاً طويلاً ترجمه واستفاد منه الغرب.
للأسف الشديد فإننا في منطقتنا لا نذكر من تاريخنا إلا السلبيات، أو ما يمكن استغلاله سلباً، كما نفعل اليوم بتجاهلنا الإيجابيات، وتسليط الضوء على السلبيات، واعتبار كل شخصٍ لا علاقة له بالآخر، وأن دوره لن يقدّم ولن يؤخّر محملاً المسؤولية للحكومة أو جزءٍ من المجتمع، ونصف الغرب بالمتقدّم، ونتجاهل أن المافيات وقادة الإرهاب العالمي وأكبر جرائم السرقة والاغتصاب وأفلام الرعب والعنف والإباحية والمتاجرة بأجساد النساء هي صناعة غربية بامتياز، ونسينا قيمنا وحضاراتنا منذ ما يربو على سبعة آلاف عام حتى اليوم.
لهثنا وراء مصطلحات لم نفكّر بها، وتناقلناها وعقدنا لقاءات واجتماعات لنقاشها، ولاسيّما شعارات "الحوار بين الأديان"، "والحوار بين المذاهب" "محاربة الطائفية"، "تحميل المسؤولية لرجال الدين"، و"لمادّة من أصل عشر مواد دراسية"، ونسينا أنّ هذه هي المؤامرة بحد ذاتها، لصب الزيت على النار بين أبناء الوطن الواحد، وإبعاد الضوء عن العنصرية الصهيونية.
بكل تأكيد إن الانتماء الديني هو حرية شخصية، وبطبيعة الحال من حق كل شخص أن يدعو الآخرين، أو يحاول إقناعهم بصحة انتمائه، لأنّه مؤمن بذلك، وهذا طبيعي، ولكن لا يفرض عليهم انتماءه، ولا يكرههم أو يدمّر حياتهم لاختلاف الانتماء، فالأخلاق والمعاملة الحسنة هي التي يجب أن تعم المنطقة، وكل الديانات السماوية والأعراف والتقاليد التي ورثناها تشجّع على التعاون والمحبة وأن الوحدة قوة والتفرّق انهيار، فحتى من يدّعي نفسه بأنّه يريد فرض الدولة العلمانية والابتعاد عن الدين يسخر من معتقدات الآخرين، ويريد إجبارهم على السير تحت جناحه، متجاهلاً أن العلمانية هي العلم والعمل والتفكير وقيام الفرد بالدور المنوط به في المجتمع، فانطلاقنا من مبادئنا وإيماننا ومعتقداتنا، يجعلنا أكثر قدرة وقوّة في بناء وطننا، ويجعلنا أكثر إيجابية في تحمّل المسؤولية، على عكس الكثير ممن يدّعي أنّه مثقّف وأنّ الحكومة أهملته، متجاهلاً أن دوره هو تطوير ذاته والمجتمع، لا دسّ السمّ بالدسمّ، وأن كتاباته يجب أن تكون منطلقة من الواقع المعيش لا من دراسات وتقارير وآراء ورؤى غربية وغريبة عن منطقتنا ومجتمعنا، هدفها زيادة الفرقة بين أبناء المجتمع، بل تشجيعهم على كره أنفسهم ومحبّة الآخرين، لزيادة الدمار والفتنة بينهم بطريقةٍ أو أخرى, متجاهلين أن المثقّف هو المبدع والمفكر الذي يعمل على إيجاد الحلول والأفكار القابلة للتطبيق على أرض الواقع، وإزالة العثرات ورفع الوعي المجتمعي، ضمن الإمكانيات المتاحة والظروف المحيطة، بعيداً عن الاحتجاج بوجود عثرات تعترض طريقه، متجاهلاً أن "الصواب أن تتقي العين المخرز لتحافظ على قوّة بصيرتها لا أن تواجهه". 
بكل تأكيد من حقّ كل شخص الافتخار بانتمائه العرقي والديني والعقائدي والأسري، وليس من حقه شتم الآخرين، أو الإساءة إليهم، فقد يكون في الأسرة الواحدة من يشوّه سمعة الأسرة ولا يتحمّل المسؤولية كامل أفراد الأسرة، ومن تناقضاتنا أننا ننسب الإيجابية لذات للشخص ذاته، بينما ننسب السلبية لانتماء الشخص ومجتمعه بالكامل من دون استثناء.. نلوم مسؤولينا لأنهم يصوّرون بعض جولاتهم، بينما نرى في الغرب كيف يصوّرون أنفسهم ليدّعوا أنّهم يتصرّفون بشكلٍ إيجابي ليكونوا قدوةً للمجتمع، في الغرب نعتبره إيجابياً ونتناقله بكثرة، وننسج القصص والروايات، ونصبح غربيين أكثر منهم، وهنا نعتبره كذباً ونفاقاً، ونحكم بالسلب مباشرةً، رغم كونه إيجابياً وخطوة يجب أن نشجّع على استمراريتها. 
الطائفية ليست خطراً ولا داءً مدمّراً، إنّما الداء والخطر المحدق بنا هو العنصرية التي يدّعي الصهاينة أنّهم شعب الله المختار، وإبدالها بمصطلح الطائفية ليصبح الخلاف بين الأهل والأصدقاء وأبناء البلد الواحد، وإبعاد النظر عن الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين، وإلهاء الشباب العربي بتدمير بعضه بذاته، بعيداً عن الوطنية والانتماء الإنساني الحقيقي والتفكير والإبداع والعمل المتقن الذي تطالبنا به كل الديانات السماوية من دون استثناء.
إننا أحوج ما نكون للتفكير بشكلٍ جدي ومنطلق من معطيات إيجابية تاريخية وحاضرة، بعيداً عن الاتهام جزافاً لمجتمع لخطأ فردٍ فيه، وألا نسمح باستمرار استغلال العدو لنا عبر التضليل الإعلامي، فكلّنا بات يعرف المؤامرة ويشعر بحجمها، ودورنا توعية من ما زال غارقاً في وهم الحرية الإعلامية وحرص الغرب والآخرين على حقوق الإنسان وإنسانيته، ولعبة الأفلام الهوليوودية التي تستند على أساس صادق، تضفي عليه لمسات فنية لجعله مؤثراً وتحويل مساره، متناسين التساؤل، ما الخدمة التي قدّمها المصور لإنقاذ هذا الشخص أو ذاك؟ ولماذا الغرب لم يقدّم لنا المصانع والمعامل ودعم المكتبات ودور الثقافة ونشر العلم، بدلاً من بيعنا السلاح لنقتل بعضنا بأيدينا وبأموالنا وبسلاحه، وهل قامت أي سلطات بمنع ارتياد المراكز الثقافية وغيرها ما تساهم بنشر الوعي والفكر...!
علينا رفع الوعي الأسري، وأن نعزز انتماء كل شخصٍ بأسرته وبيئته وطائفته ومنطقته، ليتمكّن من احترامه لوطنه، فمن يحب أسرته فسيحب وطنه، ويقدّم كل ما يمكنه لتطوير ذاته وبالتالي تطوير وطنه، فكل منا له دور، وكل منا مؤثر مهما كانت طبيعة عمله أو وجوده أو البيئة المحيطة به، فالإيمان بالوطن هو احترام كل أبنائه من دون استثناء.
إن أهم ما يجب أن نقوم به هو تجاهل الحديث عن الطائفية، بل أن تكون كل نقاشاتنا عن التطوير والنهضة المنطلقة من احترامنا للقيم الإنسانية، وأن تكون خطب الجمعة وعظات الأحد، وأحاديث المدرّسين خلال الدروس، عن أهمية الأخلاق واحترام الآخر، وقيام كل منا بدوره، والإبداع والتفوّق كل منا بمجاله، لنتمكّن من بناء الوطن، بعيداً عن التأثر بالسلبيات، لخدمة الوطن بأبنائه كافة وشتى انتماءاتهم.
 فكما أن السفينة عندما تغرق لا تفرّق بين أحد، والشمس والقمر لا يميّزان بين شخصٍ وآخر، وكذلك سورية ستبقى المثال الحي على التناغم والتفاهم بين أبناء المجتمع شتى، ولذلك كان لها النصيب الأكبر مما يسمى "الربيع العربي" لعرابه الصهيوني، وستبقى قلب المنطقة العربية النابض بجميع أوردته منذ سبعة آلاف عام إلى اليوم، بحكمة الشيوخ وعنفوان الشباب، للرقي بالمستقبل الذي نصبو إليه، وعندها فقط لن تضيع دماء الشهداء سدىً، وسنعطي للآخرين الدروس.