طهران: دعمنا أردوغان لنحافظ على الأسد

طهران: دعمنا أردوغان لنحافظ على الأسد

تحليل وآراء

الأحد، ٢٤ يوليو ٢٠١٦

لم يتردد الرئيس الإيراني حسن روحاني لحظة واحدة في فتح قنوات إتصال مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، لدعمه وفهم ما يجري في تركيا على الرغم من إعلان TRT»» القناة التركية الرسمية أن أردوغان ما عاد الرئيس الشرعي، وان زمام الأمور باتت في يد الجيش.
روحاني وكذلك الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الأميرال علي شمخاني الذي أجرى إتصالات مماثلة مع مسؤولين أمنيين مقربين من أردوغان، كانا يتحركان بعد تفاهم»مستعجل» مع المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الذي أمر بفرض إجراءت أمنية على مناطق الحدود المتاخمة مع تركيا لمنع تسلل «معادين للثورة» خصوصا عناصر من منظمة مجاهدي خلق، يتخذون من تركيا مقرا لهم.
وبالفعل، أعلن شمخاني نفسه أن جميع الحدود البرية والجوية تحت المراقبة والرصد التام، وأكد وجود اشراف شامل في هذا المجال.

خلية أزمة

في الوقت ذاته وقبل أن يلتئم شمل أعضاء المجلس الأعلى للأمن القومي للاجتماع بحضور قائد فيلق القدس قاسم سليماني الذي تتحفظ المصادر الإيرانية عن كشف طبيعة الدور الذي لعبه إبان تلك الأزمة، وبرئاسة الرئيس روحاني، شكلت وزارة الخارجية الإيرانية «خلية أزمة» بدأت نشاطها بعد دقائق فقط من إعلان الانقلاب، برغم أن الجمعة في إيران عطلة رسمية.
وبينما كان شمخاني تسلم الملف التركي برمته، كان وزير الخارجية محمد جواد ظريف وهو عضو ثابت في المجلس الأعلى للأمن القومي بحكم وظيفته، يترأس «خلية الأزمة» ومعه كبار مساعديه أبرزهم مساعده لشؤون آسيا والمحيط إبراهيم رحيم بور الذي برر «الاستعجال» فيما سماها «مبادرة المسؤولين بالجمهورية الإسلامية الإيرانية في الدفاع عن الديمقراطية ودعم الحكومة الشرعية في تركيا» بقوله إنها» تعزز بناء الثقة» بين إيران وتركيا بما يسمح بالطبع لايجاد تغيير في المواقف التركية من أزمات حاسمة في المنطقة أبرزها المسألة السورية. وعملت «خلية الأزمة» على جمع معلومات عن طبيعة الانقلاب وما يجري في تركيا في تلك اللحظات، وكانت الاتصالات مفتوحة على مدار الساعة مع السفارة والمؤسسات الإيرانية في تركيا، ومع مصادر تعمل لحساب إيران مختصة بشكل أساسي في متابعة المعارضة الإيرانية وفي مواجهة تحركات الموساد الإسرائيلي.
وأوضح رحيم بور: أن وزارة الخارجية كانت تتلقى المعلومات بسرعة من تركيا، وبدأت بتحليل الأوضاع واتخاذ الموقف، ما يعد نموذجا ناجحا في العمل الدبلوماسي.
وأضاف: رغم أن الوقت كان ليلا ويوم عطلة إلا أن المؤسسات المعنية كانت تعمل بنشاط وسرعة وتعاونت مع السفارة ووزارة الخارجية، وقام الجميع بأداء مسؤولياتهم بشكل جيد.
ونفى مساعد وزير الخارجية الإيرانية أن تكون طهران تعلم بالانقلاب، مشيراً إلى أن ما سماها الجهود الحثيثة هذه أثمرت عن اتخاذ مواقف دقيقة ومدروسة جدا من قبل وزير الخارجية وباقي المسؤولين الإيرانيين، «حتى أن البعض تصور أننا كنا على اطلاع بهذا الانقلاب في حين لم يكن الأمر هكذا». 
المسارعة الإيرانية في رفض الانقلاب جاءت في الوقت الذي كانت الأوضاع في أنقره واسطنبول ملتهبة، ورغم أن مصير أردوغان لم يكن محددا وواضحا بما سمح لبعض المعترضين داخل مؤسسة النظام إلى وصف الموقف الرسمي بـ«المغامر المؤيد لانقلاب أردوغان على الشعب» لكن وزير الخارجية ظريف سارع من جهته لتبرير ذلك بنشره ثلاث تغريدات على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» دفاعا عن «الديمقراطية وسيادة الشعب التركي».
وهكذا ظلت طهران تتابع وفي الوقت ذاته تعلن عن تأييدها لأردوغان رافضة الانقلاب على «الشرعية» في موقف يعيد للأذهان صورة مختلفة عما شهدته العاصمة الإيرانية بُعيد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية في حزيران/يونيو 2009.
في الساعات الأولى من ليل تركيا الطويل، كانت الاتصالات الإيرانية سواء من الرئيس روحاني، أو من باقي المسؤولين الإيرانيين بنظرائهم الأتراك، تركز على تشجيع أردوغان على دعوة جماهيره للنزول إلى الشوارع، ومواجهة الانقلابيين، وتكرار تجربة الثورة ضد الشاه وجيشه الأسطوري في العام 1979.
وبغض النظر عما إذا كان أردوغان نفسه هو من «دبر» الانقلاب أو أنه استغله للقيام بانقلاب مضاد لتطهير الجيش والقضاء والمؤسسة التربوية والإعلام من خصومه ومعارضي حزبه الإسلامي كما عبرت صحف إيرانية مثل «عصر إيران» المقربة من الأجهزة الأمنية، فان طهران الرئيس روحاني، وخلفه المرشد علي خامنئي، وقادة الحرس الثوري والجيش الأعضاء في المجلس الأعلى للأمن القومي، أيدوا المظاهرات الشعبية ضد الجيش في شوارع اسطنبول وأنقرة ومدن رئيسية أخرى ساهمت في إحباط الانقلاب، وهو مشهد يشبه تماما مع فارق حاد في الزاوية، لما شهدته طهران وأصفهان ومشهد وتبريز ومدن أخرى من مظاهرات في العام 2009 احتجاجاً على ما قيل أنذاك بشأن تزوير الانتخابات الرئاسية.
هذا الأمر دفع بعدد من أعضاء مجلس الشورى المهيمن عليه الآن من قبل الاصلاحيين والاصوليين المعتدلين، إلى إستدعاء وزير الخارجية ظريف ليمثل أمامه في جلسة غير علنية، برغم أن ظريف كما قال مساعده رحيم بور، لم يغمض له جفن سوى نصف ساعة بسب عمله في «خلية الأزمة». وبحسب المتحدث بإسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في المجلس «البرلمان» حسين نقوي حسيني، فقد قدم وزير الخارجية محمد جواد ظريف لأعضاء البرلمان تقريراً مفصلا حول التطورات الأخيرة في تركيا.
ونقل أيضا النائب الإيراني على لسان ظريف قوله، إنه شرح أهمية أن تبادر إيران إلى رفض الانقلاب العسكري، لتستفيد من هذا الموقف في وقت لاحق في دعم اسلوبها نحو حل الأزمة السورية على الموال ذاته: أي رفض تغيير الأنظمة المنتخبة إلا عبر صناديق الاقتراع، وهي الحجة الرسمية التي تم وفقها عام 2009  «قمع» الاحتجاجات على نتائج الانتخابات.

إنقاذ الأسد

وبرر ظريف ما كان أعلنه قبل ليلة على حسابه الشخصي بأنه لا مكان للانقلابات العسكرية في المنطقة معتبرا أن مصيرها الفشل، وأن فشل الانقلاب في تركيا، يجب أن يقود إلى تفاهم إيراني تركي حول العديد من القضايا خصوصا في سوريا، وأكد أن النجاح في سوريا يعني نجاح إيران في مواقع أخرى من الصراع مع السعودية.
وبين ظريف وجود تباين في المواقف مع الحليف الروسي حول تركيا وكشف في هذا السياق النائب غلام علي جعفر زاده أيمن آبادي أن وزير الخارجية الإيراني، أبدى امتعاضه من الموقف الروسي حيال الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، ورآى أن موقف روسيا تجاه ما جرى في تركيا لم يكن قوياً وهو مثير للقلق للغاية. وقال آبادي في تصريح لموقع صحيفة «جام جم» المحافظة الصادرة عن مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، إن «ظريف أكد خلال جلسة استضافة غير علنية في البرلمان، إنه ومعه الجنرال قاسم سليماني وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني تابعوا مع رجب طيب أردوغان الانقلاب الفاشل منذ اندلاعه وحتى فجر يوم السبت».
وأضاف النائب الإيراني إن «ظريف وصف موقف بلاده تجاه محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا بأنه من أفضل المواقف الدولية»، مشيراً إلى أن «المسؤولين الإيرانيين أبدوا امتعاضهم من موقف روسيا تجاه الانقلاب الفاشل في تركيا».
المرشد آية الله خامنئي وعبر مستشاره للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي كان أكثر وضوحاً عندما دعا تركيا إلى احترام رأي الشعب السوري وقراره في اختيار حكومته بنفسه، وقال ولايتي في تصريح لوكالة «تسنيم» الدولية للأنباء التابعة للحرس الثوري: «على الرغم من وجود تباين في الرأي بيننا وبين تركيا حول مواضيع مثل الأزمة في سوريا فإننا رفضنا الانقلاب وأيدنا الحكومة المنتخبة ونأمل أن تحترم تركيا رأي الشعب السوري وأصواته وقراره في اختيار حكومته بنفسه».
وأضاف ولايتي إن «الرئيس بشار الأسد هو رئيس منتخب من قبل الشعب السوري ولو لم يدعمه الشعب لما استطاع أن يصمد لمدة 5 أعوام في مواجهة حرب دولية».
ولفت ولايتي إلى أن تركيا «بلد جار» لإيران وأن ممارسات من قبيل الانقلاب العسكري «تؤدي إلى إبعاد البلاد عن مسار التقدم والعدالة والديمقراطية ونحن لا نؤيد هذه الممارسات».
ولوحظ في هذا البيان أيضا أن الصحف الإيرانية المحافظة والاصلاحية والمعتدلة مضت في طريق المجلس الأعلى للأمن القومي ذاته، وذكرت مصادر أنها تلقت إشارة من المجلس بضرورة أن لا تعكس أي تأييد ولو ضمني، للانقلابيين، بما سمح لمساعد وزير الخارجية رحيم بور أن يصف أداء وسائل الإعلام الإيرانية، وأداء الخارجية أيضا، بالمهني، وقال: إن وزارة الخارجية الإيرانية اتخذت سلسلة من الإجراءات من الساعة الـ11 ليلا وحتى الـ8 صباحا، جعلت المسؤولين الأتراك ورغم وجود بعض الاختلافات الإقليمية السابقة، يعبرون عن ارتياحهم التام لمواقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية، واتضحت الرؤية الإقليمية لإيران لهم بشكل واضح.
ولم تمنع التعليمات الرسمية بعض الصحف من توجيه إنتقادات إلى أردوغان، وهو أمر متعارف عليه في إيران، إذ لا توفر هذه الانتقادات الرئيس روحاني وطاقمه الذي خاض المفاوضات النووية مع مجموعة دول 5+1 الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا.

الكرد 
 
وبدا واضحاً في كل هذا السجال أن سوريا والقضية الكردية، من القضايا التي ساهمت في التباعد بين كل من تركيا وإيران، هما أيضا شكلتا محور التقارب وشكل العلاقات المقبلة الذي سيسفر عنه موقف إيران المؤيد لأردوغان الذي قال خلال المكالمة مع روحاني: «إننا اليوم عازمون أكثر من أي وقت مضى، على أن نسير جنباً إلى جنب مع إيران وروسيا، لنساهم بالتعاون معهما في حل القضايا الدولية، كما أننا مصممون على تكثيف الجهود الرامية إلى استعادة السلام والاستقرار في المنطقة»، مع ملاحظة أن روحاني هو من توسط لتطبيع العلاقات بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

طهران: دعمنا أردوغان لنحافظ على الأسد

نجاح محمد علي