بين العنب والناطور والثالث المنعش.. بقلم: د فايز الصايغ

بين العنب والناطور والثالث المنعش.. بقلم: د فايز الصايغ

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٢ يوليو ٢٠١٦

 لم يكن ينقصه الانقلاب حتى يتغطرس أكثر، سواء كان الانقلاب حقيقياً أم استعراضياً.. وسيمر وقت طويل حتى تفرج الاستخبارات الأمريكية عن الحقائق والوثائق والمصالح والمستفيد وعن المخططين للانقلاب أو للفشل معاً...
 ما يعني أن الانقلاب والانفلات بعده سيترك تركيا في مهب رياح المنطقة عموماً ومهب رياح الداخل التركي على وجه الخصوص.. فالاضطرابات والاعتقالات والتصفيات الجسدية ستستمر إلى أمد غير محدود.. والنفق الذي أدخل الانقلاب تركيا فيه طويل ومظلم ما يعني أيضاً أن التكهنات غير مجدية لإدخالها في سياق تحليل الأوضاع التركية..فقد أغرق الحدث الانقلابي المحللين والكتاب في التكهنات التي جمعت المتناقضات وشتت الرأي العام التركي والعالمي.
...شمولية الرجل العثماني الجديد ارتفعت وتيرتها..عززها الانقلاب وردات الفعل غير المحسوبة لرجل مستبد..متسرع.. ومزاجي الطباع.. وغالباً ما أسهمت مزاجيته في تعقيد رؤيته وتعقيد السياق السياسي التركي المألوف ما قبل المرحلة الأردوغانية وأعني مرحلة علمانية الدولة على أرضية إسلاموية متشددة أصلاً أيقظتها المرحلة الأردوغانية وصلف الرجل وانتمائه إلى تنظيم الإخوان المسلمين بعنف وسرعة غير محسوبة في البعد السياسي ولا في الأبعاد السيكولوجية لشعب ولجيش أسس علمانية الدولة ولم يؤسس لرجال العلمانية حتى بات العسكر هم الضامن العسكري للاستقرار السياسي سواء كان تدخلهم في الوقت المناسب أم استبقوه أو تأخروا عنه.
...أمريكا ودول الملحق الأوروبي بدأت تعرب عن قلقها من ردات الفعل المرتجلة تحت ذريعة الخوف على الديمقراطية وسط ما يجري في تركيا من قتل وسحل وتقطيع رؤوس، وكأن الديمقراطية التركية لم تقم على هذا النهج من قبل وبخاصة ديمقراطية أردوغان مع أن حروب أمريكا في المنطقة تقوم على دور قاعدة أنجرليك التي كما يبدو أسهمت في إعادة أردوغان إلى قصره، بينما كان يحلق في الأجواء بحثاً عن ملاذ آمن حتى لو كان في إيران أو أذربيجان قبل إسرائيل..
 وإذا ما كان الانقلاب لا يهدف إلى تغيير سلطة بسلطة فحسب، وإنما يهدف إلى تغيير في دينامية السياسة التركية من رأسها حتى أخمصها، فإن الانقلاب لم يفشل أبداً، وقد بدأت مفاعيله تهز أركان النظام التركي برمته.. وسيظهر إلى حيز الوجود رجالات وقوى مجتمعية وسياسية وفكرية لا تحاصر أردوغان وحده، وإنما تحاصر وتحاسب نهجه وأسلوب عمله وطريقة تفكيره والتأسيس لعقلية جديدة أسهم الانقلاب في ولادتها ولو قيصرياً..
 فالعنب شيء وقتل الناطور شيء آخر، بينما عصير العنب وأعني النبيذ هو الثالث المنعش.