الشرق الأوسط بين الطامعين والطامحين!.. بقلم: د. بسام الخالد

الشرق الأوسط بين الطامعين والطامحين!.. بقلم: د. بسام الخالد

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٧ يونيو ٢٠١٦

Bassamk3@gmail.com
يرتبط الاهتمام العالمي بالشرق الأوسط وبالأحداث العاصفة به ارتباطاً وثيقاً بعمقه التاريخي وبتراكم التطورات الفكريةوالدينيةوالثقافية والاقتصادية، فمنذ بدء الحضارات كانت هذه البقعة الجغرافية محطّ أنظار الجميع، وكانت القوى آنذاك تسعى للسيطرة عليها إيماناً منها بأن" من يرغب بالسيطرة على العالم فعليه أن يسيطر على الشرق الاوسط أولاً".
 إن الأحداث المتتالية التي شهدتها المنطقة عبر التاريخ وتـأسيس الكيان الصهيوني وما تبعها في المنطقة العربية من فصول متأرجحة بين ربيع وخريف، كل هذه الأحداث تؤكّد أن الشرق الاوسط  سيبقى مركز شدّ وجذب دولييّن وتدفعنا لتحليل مكانة هذه المنطقة في التشكيلة العالمية، فأهمية الشرق الأوسط تعود إلى عدة مقاربات ومفارقات جيوسياسية، ثقافية، اقتصادية واستراتيجية، لكون هذه المنطقة التي تربط القارات الأوروبية والإفريقية والآسيوية مع بعضها بعضاً تتجمع فيها البؤر الأسخن في العالم وتعتبر ممراً حيوياً للمواصلات العالمية من خلال بحارها ومضائقها الستة.
وقبل الغوص في أعماق استراتيجية الدول الكبرى في منطقتنا، لا بد من التأكيد على أن كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، تعتبر الشرق الأوسط هو مركز استراتيجيتها وساحتها للمواجهة الدوليّة، وبالتالي تم تحويله إلى "الحديقة الخلفية" التي تتحقق من خلالها مصالحها الخاصة.
فالولايات المتحدة،وهي الدولة الأكثر تدخلاً، تهدف إلى تحقيق "السيطرة المطلقة" على الشرق الأوسط، حتى أصبح هذا الهدف هو المحرّك الرئيس لاستراتيجيتها، وهي لم تتخلَّأبداً عن عقيدتها القائمة على  أن " السلاح هو الوسيلة الأفضل لتحقيق السيطرة على العالم".
وهذا ما أكّده هنري كيسنجر في كتابه " هل تحتاج أمريكا إلى سياسة خارجية جديدة"؟
حيث يقول: " ينبغي على السياسة الأمريكية في آســيا أن تحرر نفسها من الشعارات السطحية وتبدأ بالأفعال على أساس بعض المبادئ العملية التالية: " إن أفضل طريقة لدفاع الولايات المتحدة الأمريكية عن آسيا – عن مصالحها بوجه خاص – ضد أي تهديد معاد، هو ترسيخ حضور عسكري متفوّق وممارسة سياسة خارجيّة تتوافق مع الأهداف القوية للدول الآسيوية الرئيسية ذات الأهداف المتوافقة مع أهدافنا".
في هذا السياق،وبعد التحولالخطِرالذيحدثفيالعالمبعدتفككالاتحادالسوفييتيفيالعام 1991 مروراًبالأزمةالاقتصاديةالعالميةالتيانطلقتمنالولاياتالمتحدةومارافقهامننظرياتتتناولاحتمالانهيارالإمبراطوريةالأمريكية،جاءت الحرب على أفغانستان والعراق وما تلاهامن أحداث متسارعة في المنطقة كرّست حاجة الولايات المتحدة لأنواع جديدة من المنهجية الاستعمارية لتحقيق الأهداف، هذه المنهجية الجديدة هي عبارة عن مزيج من القوة الناعمة والقوة الصلبة، وفي إطار القوة الناعمة استخدمت الولايات المتحدة وسائل الإعلام التي تعد، في هذا العصر، قوة تدميرية كبيرة،كما اعتمدت على التدخلات العسكرية طويلة المدى أو قصيرة المدى والإكثار من القواعد العسكرية في دول "الاعتدال العربي"، حيث إن الحروب والإكثار من الحضور العسكري خارج الحدود يعتبران من الوسائل المهمة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الأمريكية، ولكن الأحداث التي ذكرناها سابقاً ألزمت واشنطن بإجراء تعديل على آلية نشاطها العسكري المباشر لتتضمن استراتيجيتها تدابير أخرى كالعدول مؤقتاً عن التدخل العسكري المباشر والاستمرار بتمويل المجموعات الإرهابية  لتنفيذ ما أصبح يعرف بـــ"الحروب على أراضي الغير بجيوش الغير"!!
إضافةإلى السعي لتفعيل التناقضات والمفارقات بين شعوب المنطقة، ويندرج في هذا الإطار مخطط تأجيج التناقضات الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، والمذهبية بين الشيعة والسنةوافتعال حالة من التوتر وعدم الاستقرار الأمني والسياسيوالاجتماعي والاقتصادي، من أجل خلق حالات انقسام وانشقاقات مسلحة تمهيداً لنشأة دويلات طائفية ومذهبية وعرقية، ناهيك عن تسليح "الأصدقاء" لجعلهم قوى عسكرية إقليمية.
وقد كان للولايات المتحدة فرصة سانحة للدخول من بوابة دمشق بعد الأزمة السورية تحت شعارات حقوق الإنسان والحريات العامة والديمقراطية، وكان الهدف الخفي إضعاف سورية وجيشها في مقابل تعاظم الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل، مع العمل على امتداد الاحتجاجات والتسيب الأمني إلى دول المنطقة، وهذا ما شهدناه عبر حالة التوترفي  سيناء والنار التي اشتعلت في المنطقة والتي دخلت مرحلة الامتداد الكلّي، ومن الواضح أيضاُ بأن تركيا والسعوديةوقطرواليمنوالبحرين والأردن لن تكون بمنأى من هذه النار التي ستحرق الجميع!
كل هذه الاستنتاجات تؤكد أن منطقة الشرق الاوسط ستبقى منطقة شدّ وجذب دوليّين، وبأن رياضة مكاسرة الأيدي ستبقى الهواية المفضّلة للدول الطامعة والطامحة، وما علينا سوى الانتظار!!.