حلب.. اختبار الأدوار الإقليمية..بقلم: مازن بلال

حلب.. اختبار الأدوار الإقليمية..بقلم: مازن بلال

تحليل وآراء

الاثنين، ٢ مايو ٢٠١٦

الحديث الإنساني عن حلب يختلف نوعيا عن التصورات السياسية، فالقسوة التي يختبرها السوريون هي جزء من المعركة السياسية الجارفة إقليمياً ودولياً، وهي أيضاً استكشاف لطاقة التوصل لحلول سياسية في ظل التعقيد داخل المشهد العسكري، فالتصعيد الأخير هو تحد حقيقي للدور الروسي ومحاولة لوضعه ضمن مساحة محددة؛ لكن هذا التحدي تقرؤه موسكو ضمن جغرافية أوسع؛ تشمل معارك إزاحة داعش من المشهد، وتحقيق فصل إستراتيجي للمجموعات المسلحة في كامل المناطق بما فيها مدينة حلب، فـ«الصمت» أو تكريس التهدئة العسكرية الذي لا يشمل حلب كان بإصرار روسي، لأن المدينة وريفها تشهد أكثر من مسألة التداخل بين الفصائل، فهو تحالف غير معلن يحتاج لتفكيك كامل قبل الحديث عن «هدنة» في المدينة.
عمليا فإن الموقف الروسي يشهد تقييماً مختلفاً عن كل ما يبرزه الإعلام عن معارك حلب، وهذه المراجعة أن صح التعبير مرتبطة بأمرين: الأول هو المشهد العسكري الكامل بما فيه المعارك التي اندلعت في مدينة القامشلي، ثم إرسال 250 من جنود المارينز إلى «رميلان»، وهو مؤشر على أن المواجهة أوسع من العنف في حلب، وأن واشنطن «تؤسس» لنفوذ مختلف في الشمال الشرقي لسورية، وهو ما يجعل معركة الفصل ما بين داعش في العراق وسورية أصعب بكثير، وربما تبدو مدينة دير الزور أكثر ظهوراً بالنسبة لموسكو لأنها تضمن توزعاً جديداً يتيح مناورة أفضل.
الأمر الثاني يرتبط بتقليص الخيارات السياسية داخل سورية، فحتى قبل إعلان «وقف العمليات العدائية»؛ كان الطيران الروسي يتجنب مناطق التداخل في ريف حلب الشرقي، فالجبهات المفتوحة هي لتأمين حرية الحركة العسكرية للجيش السوري وليس لخلق مواجهة إقليمية مع تركيا تحديداً، فـ«الكرملين» يدرك تماماً أن إنهاء معارك حلب وإدلب سيقود في النهاية إلى صراع حقيقي مع أنقرة، وهو أمر لا ترغب فيه روسيا وتفضل فض هذا الاشتباك سياسياً منعاً للتصعيد الدولي، فتقليص الخيارات السياسية يعني عدم إتاحة أي تغير في المعادلة الإقليمية القائمة، وتجنب صراع عسكري يغير القواعد السياسية القائمة حالياً على قرارات الأمم المتحدة بشأن سورية، وهو ما يفرض حذراً في الانجراف نحو صراع إقليمي مباشر.
بالتأكيد فإن مأساة حلب الإنسانية تشكل هاجساً سورياً، لكنها ليست خطاً أحمر بالنسبة للصراع الإقليمي الذي على ما يبدو يصب داخل أحياء حلب، فبالقدر الذي تحاول فيه بعض الأطراف الإقليمية سحب المعارك ضد داعش نحو الشمال الشرقي لسورية من أجل التصادم مع تركيا، فإن موسكو تذهب بالحرب شرقاً لزيادة الفصل داخل قوات داعش بين العراق وسورية ولفرض توافق دولي على نوعية الحرب في سورية، فالإنجاز العسكري والسياسي بالنسبة لها هو تدعيم التوافق في الحرب على الإرهاب؛ الذي تراه في النهاية حلاً سيطال كل الفصائل في حل دون الدخول في مواجهة إقليمية مع تركيا.
الوطن