«إسرائيل» والسعودية والتحديات المشتركة في حلب.. بقلم: إيهاب زكي

«إسرائيل» والسعودية والتحديات المشتركة في حلب.. بقلم: إيهاب زكي

تحليل وآراء

الأحد، ١ مايو ٢٠١٦

بيروت برس
في مقالٍ تحت عنوان "بهدوء ورغم أنف إيران وحزب الله تتعزز العلاقات بين "إسرائيل" وبين الدول العربية السنية"، تسرد الكاتبة الصهيونية "سارة ليفوفيتش دار" قائمة طويلة من اللقاءات بين مسؤولين عرب سعوديين خصوصًا وبين مسؤولين "إسرائيليين"، من ضمنها لقاء بين ثلاثة مسؤولين سعوديين وثلاثة "إسرائيليين" على مدى ثلاث سنوات. وكما تصف الكاتبة، فقد تحدث الستة بانفتاح عن التحديات المشتركة بين "الدولتين" وعن إيران كعدوٍ مشترك. هل تبدو التحديات المشتركة بين السعودية و"إسرائيل" في المنطقة بحاجة إلى كثير من العناء لمعرفة طبيعتها، إنها تتلخص في توحيد العدو بينهما، وهو حاليًا سوريا إيران وحزب الله أو ما يعرف بمحور المقاومة، كل هذه الوقاحة الصهيونية والاصطفاف السعودي الأشد وقاحة، لا يفت في عضد عقولٍ حصنَّها النفط على مدى السنوات الماضية بالفتن والغرائز، حيث تتفق جميع تلك العقول وأصحابها على أن إيران وسوريا وحزب الله يعملون للمصلحة "الإسرائيلية"، والحقيقة أنه من حسن حظ الدولة السورية معاداة السعودية لها ودعم الإرهاب لتفتيتها، فلو أن السعودية كانت مع "النظام السوري" ومحوره، لما كانوا تحديًا لـ"إسرائيل"، ولحتمًا كنا نحن مع الثورة يقينًا، وهنا ثورة بلا ظفرين لأنها في تلك الحالة ستكون حقيقية.
واليوم هناك تحدٍ مشترك بارز في حلب، حيث أن إرهاصات استعداد الجيش السوري وحلفائه لاستعادة حلب من براثن الإرهاب كانت قد بدأت أثناء جولة مفاوضات جنيف الأخيرة، حيث أن القوة الفاعلة هناك هي "جبهة النصرة"، وهي مستثناة من اتفاق وقف الأعمال القتالية، لكنها ليست مستثناة من تقديم الخدمات للمحور الأمريكي بممثليه الإقليميين، "إسرائيل" تركيا السعودية وقطر. وبما أنّ استعادة حلب كانت ستكون ضربة قاصمة لأهداف العدوان على سوريا، فلا بد من وقف عداد وقت الجيش السوري نحو ساعة الصفر لإطلاق عملية التحرير، فكان انسحاب وفد الرياض من مفاوضات جنيف مؤشرًا على ساعة الصفر لانطلاق عملية صاخبة لإجبار الدولة السورية على إلغاء عملية تحرير حلب، فالتجربة السابقة تقول إنّ استعادة أي منطقة يحددها الجيش السوري سيفعل مهما كانت الصعوبات والمخاطر، لذلك فهم يعرفون أنهم مهما ضخوا من أسلحة ومقاتلين وأموال وخبرات عسكرية وغرف عمليات لن يمنع الجيش السوري وحلفاءه من الانتصار، وكل هذا الدعم هو فقط لتأخير ذلك الانتصار قدر المستطاع، فكان هذا السعار الإعلامي الذي يصيب المشاهد بحالة من السعال الإنساني والسعار المذهبي في آن، ولا شك أنها ليست المرة الأولى ولا العاشرة ولن تكون الأخيرة، الذي يثبت فيها الإعلام النفطي قدرته على احتناك جمهوره، بغض النظر عن مواقعهم أو مستواهم العلمي والثقافي، فكلهم وقت نداء النفط يلبون ويهللون.
استمعت لبعض المحللين وهم يقولون أن هناك اتفاقًا أمريكيًا روسيًا على عمليةٍ في حلب لإقفال الحدود التركية التي يتدفق منها الإرهاب إلى سوريا، وهذا في معرض تبريرهم لاستثناء حلب من اتفاق وقف العمليات القتالية في ريف دمشق وريف اللاذقية، وهذا يعني أن أوباما نسيَ رقم أردوغان الهاتفي، لذلك فهو يحتاج لحياكة مؤامرة مع روسيا وإيران وحزب الله وسوريا ضد تركيا لإقفال حدودها مع سوريا. وفي مؤتمر صحفي لما يسمى بـ"رئيس الإئتلاف السوري" أنس العبدة، قال "اتصلت بالمسؤولين الأمريكيين وأكدوا لي أن حلب ليست مستثناة، ونسعى لتشملها الهدنة، وإلى حين ذلك طلبنا من الثوار الصمود ومجابهة خروقات النظام"، وهذه الفئة من المعارضين لو قالت إن الشمس تشرق من الشرق، سأراجع بديهية الشروق. ولكن في هذه فأنا أصدق العبدة بشكلٍ مطلق، فالولايات المتحدة لا تستطيع المجادلة بشكلٍ علني عن جبهة النصرة، حيث أنها مستثناة أصلًا من اتفاق وقف العمليات كونها تنظيم مصنف إرهابيًا، لكنها تستطيع المجادلة عن اختلاط شرعي يشوب مناطق تواجدها مع ما يسمى بـ"المعتدلين"، وتصريحات المسؤوليين الأمريكيين عن صعوبة الفصل هي مسمار جحا الأمريكي الجديد، وهذا ما يفسر استثناء حلب، وحيث سيتجه كيري إلى جنيف خلال هذا الأسبوع لمناقشة وقف العمليات، سيجادل دفاعًا عن النصرة تحت ستار صعوبة الفصل لتكون حلب ضمن الهدنة.
وتصريح نائب وزير الخارجية الروسية بأنّ "بلاده لا تستطيع الضغط على سوريا لوقف عملياتها في حلب"، هو استباق لنوايا كيري، إن الهدف الأمريكي كان إسقاط حلب كليًا أو على الأقل تغيير موازين القوى من خلال الهجوم على جبهة الراشدين للسيطرة على ضاحية الأسد، وبعد تصدي الجيش السوري وإفشال الهجوم أصبح الهدف الإبقاء على الوضع القائم دون السماح للجيش السوري وحلفائه باستثمار هذا الفشل، وهذا سبب رئيس فيما نراه من صخب إعلامي تظلله دموع التماسيح، فيشدوا الناس من نواصي إنسانيتهم ليكبوهم على وجوههم في الحظائر الأمريكية، ثم ليكونوا حصب مواجهة التحديات "الإسرائيلية" السعودية المشتركة. ولكن ليس كل من واجه التحديات كان على قدرها، والفشل هو الجائزة الوحيدة التي ستحصلا عليه، واخيرًا فأنا لا أملك مندوبًا في غرفة صناعة القرار السوري، لذلك فأنا لا أعرف توقيت ساعة الصفر لاستعادة حلب، ولكن ما أعرفه أنها آتية لا محالة.