الحل القادم.. بقلم: مازن بلال

الحل القادم.. بقلم: مازن بلال

تحليل وآراء

الخميس، ٤ فبراير ٢٠١٦

مهما كانت نتائج المباحثات في جنيف، أو حتى الزمن الذي ستستهلكه من عمر الأزمة السورية؛ إلا أن ما سيجري سيبدل من القواعد الدولية التي تحكم سورية وشرقي المتوسط عموماً، وغضب بعض الأطراف من الدعوات التي وجهت والموقف الأمريكي المرافق لها؛ يعبر إلى حد كبير عن طبيعة التوازنات القادمة، ففي التصريحات هناك من يجدد  رؤية جديدة تتبلور باتجاه الحل، بينما يعتبر آخرون أن الاتفاق الأساسي تم التوصل إليه بين موسكو وواشنطن، وبالتالي فإن المسألة بالتوقيت، والتزام الآلية التي أقرها مجلس الأمن ستحكم عملية التفاوض، والتفاؤل المرافق لما يحدث اليوم مبني على نتائج صراع في نظرة الولايات المتحدة بالدرجة الأولى لما حدث في سورية.
   عملياً فإن الميدان العسكري لن يعكس بالسرعة المطلوية ما ستحمله السياسة في جنيف، فالتوازن الإقليمي والأخص الدور السعودي والتركي لن يستقر سريعاً ويتأقلم مع الواقع الجديد، وستبقى مراهنات أنقرة والرياض على احتمال تصاعد عوامل جديدة، وعلى الأخص ما يمكن أن يحدث داخل الموقف الأمريكي نتيجة الانتخابات المقبلة، لكن اتجاه واشنطن لا يقدم اليوم رهاناً واقعياً يمكن الاستناد إليه، فمهما كانت استراتيجية الإدارة القادمة، فإنها ستجد نفسها ضمن ظرف إقليمي يصعب معه إيجاد اختراقات كبيرة، فالتحرك الأمريكي القادم يمكن قراءته من خلال نقطتين أساسيتين:
-       الأولى التحولات الاستراتيجية المطلوبة أمريكياً داخل سورية، فداخل أي عملية سياسية هناك نقطة توازن أمريكية باتت مضمونة على مستوى الحضور على الأقل، فالحوار القادم من سورية أصبح "حوار استراتيجيات" وليس بحثاً عن "الديمقراطيات"، والصيغة "الديمقراطية" القادمة ستكون على قياس موقع سورية من قوس الأزمات الذي يبدأ من طهران وينتهي في فلسطين، وأي صراع عسكري اليوم داخل سورية لن يغير الكثير من "التحولات الاستراتيجية" وذلك بسبب التواجد الروسي الذي لم يسمح بانتصار مطلق لـ"واشنطن".
   بالتأكيد فإن واشنطن لا تملك ضمانات مطلقة بشأن "سورية"، وهو ما يدفع للحفاظ على "العامل العسكري" عبر مواقف الدول الإقليمية، فالعمليات العسكرية اليوم وفق المؤشرات على الأقل لم تعد مسألة حسم كامل بالنسبة لواشنطن، بل هي توزع للقوى وترتيبات لجبهات قادمة مرتبطة حصراً بمسألة الإرهاب، وبترتيب الوضع على طول الحدود الشرقية بين سورية والعراق، وربما علينا الحذر من تقدير الموقف الحالي للإدارة الأمريكية، لأنها لا تبحث عن الحضور المباشر وتحديد الأدوار الإقليمية، إنما استخدام واقع المنطقة عموماً كعامل مرن للتأثير في باقي الصراعات في العالم. فالتداعيات التي فرضتها الأزمة في سورية كانت أعقد من حصرها أو وضعها ضمن إطار واضح في شرق أوسط جديد، لكن التفاوض على المنطقة عموماً هو الورقة التي تتعامل معها الإدارة الأمريكية في ظل الحضور الروسي المباشر.
-       الثاني عمليات "ربط الملفات" بالأزمة السورية لم تُستكمل بعد، فخلال الأعوام الخمسة الماضية تم تحريك بعض القضايا وعلى الأخص على المستوى الفلسطيني، وشهدنا تحولاً في مستوى العلاقات العربية – الفلسطينية، فانتقلت حماس باتجاه محور مختلف، بينما بقيت كافة المسائل المتعلقة بالتسوية عالقة، في المقابل فإن "الحد" من الدور الإيراني بقي في حدوده الدنيا، ولكن حل الملف النووي الإيراني غير من طبيعة ما أطلق عليه سابقاً "محور الممانعة"، فالدور الإقليمي الإيراني مهما بدا متناقضاً مع الموقف الأمريكي لكنه لن يعود باتجاه المجابهة، وهو دور سيمتص الصراعات باتجاه مختلف وهذا ما نشهده عبر التوترات الناشئة بين طهران والرياض.
   رغم حدة الأزمة في سورية فإن الملفات الإقليمية لم تنهَر بالسرعة والدرجة المطلوبتين، الأمر الذي يستدعي إبقاء العنف كحالة تهديد دائم، فـ"الميل" للتفاؤل" الذي يرافق مفاوضات جنيف يظهر في النهاية بأبعاد دولية بين موسكو وواشنطن أكثر من كونه اتفراجات على الصعيد الإقليمي، فالأزمة السورية الحقيقية ربما تبدأ مع طاولة الحوار لأنها "صراع خيارات استراتيجية" أكثر من كونه "تكوين نظام ديمقراطي"، فالولايات المتحدة تملك قناعة اليوم أن الأطراف التي ستسعى لتجديد دور سورية الإقليمي لم تعد تملك من الأوراق الكثير، وأن الأطراف الأخرى التي تريد دولة ديمقراطية ذات سيادة ستضطر للتعامل مع خرق السيادة عبر الواقع الموجود حالياً سواء على الصعيد العسكري أو الاقتصادي، لكن خيارات سوريين ستبقى مفتوحة باتجاهات جديدة، الأمر الذي سيشكل تحدياً للمعارضة أو حتى للسلطة السياسية القائمة اليوم.