هل أدركت واشنطن أن «المعجزة» أصبحت واقعاً؟!

هل أدركت واشنطن أن «المعجزة» أصبحت واقعاً؟!

تحليل وآراء

الأربعاء، ٧ أكتوبر ٢٠١٥

بات واضحاً أن العالم لم يعد غابة للذئاب يأكل القوي فيها الضعيف تحت سقف المنظمة الدولية، بالقفز فوق مبادئها وبتعطيل قراراتها وأن مكونات هذا العالم البشرية والثقافية والحضارية ليست قطعاً صماء من الجغرافيا السياسية والاقتصادية وفوق رقعة شطرنج تتحكم واشنطن بمصيرها، كما تهاوت مدارس التضليل الإعلامي والنفاق السياسي السائدة منذ زمن النازية مثلما يتأكد فشل سياسة المعايير المزدوجة الأميركية بعد أن أصبح العالم متعدد الأقطاب ولم يعد ممكناً الرجوع عنه.
فهل أدركت واشنطن أم إنها لا تريد الاعتراف انسجاماً مع بنيتها السياسية الحاكمة والمتحالفة مع الكيان الإسرائيلي باعتماد الإرهاب والاستثمار فيه أداة متشظية لتنفيذ إستراتيجية إمبراطورية حالمة!؟
واقعياً شكلت دعوة الرئيس الروسي بوتين تشكيل تحالف إقليمي ودولي تكون سورية طرفاً فيه لمحاربة الإرهاب على غرار التحالف ضد النازية، المسألة المحورية في اجتماعات الأمم المتحدة. وأكد في كلمته أنه من الخطأ عدم التنسيق مع الحكومة السورية وجيشها بقيادة الرئيس بشار الأسد.
وهو القوة الشرعية التي يجب التعامل معها في مكافحة الإرهاب. كما دعا الوزير الروسي لافروف مجلس الأمن الدولي للاجتماع بمشاركة وزير الخارجية وليد المعلم لتوحيد الجهود لمحاربة الإرهاب في ضوء اقتراح الرئيس بوتين بشأن محاربة الإرهاب الذي وصفه الوزير المعلم وقتئذ بالمعجزة وقد أصبحت تشير المعطيات إلى واقع عملي يتحقق على الأرض. ويتأكد حضوره بمشاركة القوات الجوية الروسية في ميدان مواجهة «داعش» والتنظيمات الإرهابية الأخرى إلى جانب قوات الجيش العربي السوري.
وكذلك بتشكيل مركز استخبارات للتنسيق وتبادل المعلومات تشارك فيه طهران وبغداد وموسكو ودمشق، ما يعني أن المعجزة بدأت تجلياتها الشرعية فاسحة في المجال لكل جهد دولي وإقليمي صادق وجدي لمحاربة الإرهاب والتخلي عن السلوك الانتقائي والتجميلي لتحقيق أجندات تدميرية وفرض شروط سياسية من خارج السياق. وهو ما دفع الصحفي الأميركي بول كريغ روبرتس إلى اعتبار تشكيل موسكو تحالفاً دولياً لمحاربة الإرهاب بمنزلة طوق نجاة لواشنطن كي لا تكرر ورطتها السابقة في العراق وأفغانستان عندما خاضت حرباً وغزت بلداً من دون تفويض أممي.
ولقد أكد الرئيس بوتين عقب لقائه الرئيس الأميركي في مؤتمر صحفي أن الرئيسين الأميركي أوباما والفرنسي هولاند ليسا مواطنين سوريين وبالتالي لا يمكنهما أن يشاركا في تقرير مصير الشعب السوري مشدداً على أن الضربات التي تقوم بها أميركا وفرنسا واستراليا غير شرعية ولم يتم التنسيق بشأنها مع الحكومة السورية.
بطبيعة الحال فإنها لم تكن صورة شاعرية رسمها بوتين ذات مرة حيث قال: «الضعفاء غالباً ما يهزمون». بل تعكس أبعاد المعطيات التي أصبحت واقعاً في محاربة الإرهاب، ليس في سورية فحسب بل أيضاً في روسيا ودول آسيا الوسطى ومن بينها:
1- صمود سوري أسطوري مسلح بالحق الوطني والشرعية الدولية.
2- سياسات أميركية خاطئة ورهانات على ظهر الإرهاب والاستثمار فيه عبر دول وأطراف مثل فرنسا وبريطانيا والسفاح العثماني أردوغان وحكام بني سعود ومشيخة قطر والنظام في الأردن على قاعدة التنسيق المتعدد الأشكال مع الكيان الإسرائيلي ووجهه الإرهابي القبيح الآخر الذي تمثله التنظيمات الإرهابية المختلفة.
3- الظهور الواضح والصريح لعالم متعدد الأقطاب كتب النهاية العملية للقطبية الأحادية الأميركية التي حكمت العالم عدة عقود مضت.
ولم يعد مفاجئاً أن تشير صحيفة الاندبندنت البريطانية قائلة: «إن الدول الغربية تعاملت بالأوهام والجهل مع الواقع في سورية الأمر الذي أجج الصراع وأطال أمده».
إنه لا شك بأن الطريق إلى محاربة الإرهاب ليست أحجية تتفنن واشنطن وحلفها الإرهابي باللعب على حوافها بين صيغ الاحتكار والاحتواء الفاشلة، ولقد أثبتت الوقائع أن ضربات حلف واشنطن الجوية كانت أشبه بغطاء جوي للإرهابيين، وهي فضلاً عن أنها ضربات غير شرعية لكنها أيضاً ساعدت الإرهابيين على التمدد، ما يؤكد عدم جديتها وجدواها ما لم يتم التعاون مع الجيش العربي السوري لكونه القوة الوحيدة التي تتصدى للإرهاب، ومن واجب المجتمع الدولي أن يوقف تدفق الإرهابيين إلى سورية، الأمر الذي نبه إليه وزير الخارجية وليد المعلم في كلمة سورية التي ألقاها أمام الأمم المتحدة مؤكداً «إذا أردتم الانتصار على الإرهاب، نفذوا بصدق قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة وما زالت حبراً على ورق وما زالت الدول الممولة والراعية والداعمة للإرهاب تغذي التطرف في المنطقة وتسلح وترسل الإرهابيين إلى سورية».
وإذا كان الهدف تنفيذ أجندات سياسية على حساب السيادة الوطنية السورية وحقوق الشعب السوري فإن السوريين أفشلوا تلك الأجندات الدامية بصمودهم البطولي جيشاً وشعباً، ويؤكد الواقع ومعطياته أن أحداً لن يستطيع أن يأخذ من سورية وقائدها بالسياسة ما لم يستطع أن يأخذه في ميدان مواجهة الإرهاب بما فيه ذلك النوع المشفّر سياسياً الذي تحاول واشنطن والتابعون لها اختراعه وتسويقه في سوق النخاسة السياسية.
لعل المراقب السياسي لن يفوته إدراك أن واشنطن تواجه وضعاً لا تفيد معه المناورة أو المقامرة، ما يجعل واقعاً ترحيل أوباما لمشاريعه إلى الرئاسة الأميركية المقبلة ويترك لأطراف حلفه فرضية التخفيف ما أمكن من الخسائر!
وهذا يعني أن سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد تتقدم إلى الأمام على طريق المسار السياسي الذي يشكل جوهره محاربة الإرهاب تمهيداً للحل السياسي الذي يقرره السوريون بأنفسهم وهو ما ترسمه معطيات الواقع الميداني المباشرة في دحر الإرهابيين بكل تسمياتهم وهزيمة أجندات رعاتهم وصانعيهم.