الصيّاد الروسيّ وأمريكا وكلابها الأفرنجية

الصيّاد الروسيّ وأمريكا وكلابها الأفرنجية

تحليل وآراء

الأحد، ٤ أكتوبر ٢٠١٥

خاص
المحامي محمد احمد الروسان*
*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية*
ديفيد بترايوس رئيس وكالة الأستخبارات الأمريكية السابق وقائد القيادة الوسطى الأمريكية، صرّح وبشكل واضح وقبيل سويعات من بدء الفعل العسكري الروسي في جلّ الجغرافيا السوريّة، أنّ نواة الجيوش الأمريكية بوجود الجنرال البحري جو دانفورد رئيس أركان الجيوش الأمريكية الجديد، والذي كان قائداً للقوّات الأمريكية في أفغانستان، تعتبر أنّ مجموعات القاعدة ومجتمعات الدواعش خياراً قابلاً للتحالف مع واشنطن لضرب روسيّا، كون الأخيرة خطرة جدّاً على الأمن القومي الأمريكي.
لذلك فانّ الأستهداف الروسي السوري المشترك للقاعدة ومشتقاتها، ومن مجتمعات الدواعش في الداخل السوري والعراقي لاحقاً، سوف يلحق بالغ الضرر بالمشروع الأمريكي للتحالف مع هذه الزومبيات الدينية لضرب هياكل الأمن والأستقرار في روسيّا والصين وايران وجلّ قارة أسيا.
انّ الصراع في الشرق الأوسط الآن صراع ديني سياسي جغرافي في آن واحد ونتائجه: أرخبيلات الدول الفاشلة، حيث أمريكا تقتضي مصالحها الأبقاء على أنظمة متناقضة لتسهل السيطرة عليها، فهي لا تريد فعلاً عودة سنيّة قويّة الى مراكز الحكم في المنطقة.
الجميع عاد ويعود كرهاً أو حبّاً الى الثابتة السورية والمسنودة من الروسي والصيني، في أولوية محاربة الأرهاب المصنوع في أقبية الغرف السوداء لمجتمع المخابرات الأمريكي، والمصنّع بعضه في بعض الدواخل العربية المجاورة بسبب ظروفها الأقتصادية الخاصة، وغياب العدالة وحقوق الأنسان والبطالة والفقر والجوع، هذا الأرهاب المدخل الى الداخل السوري من جهات الأرض الأربع، حيث الجميع عاد الى الثابتة السورية أو ان شئت الثلاثية السابق ذكرها.
سورية وروسيّا وحزب الله وايران حاجة اقليمية ودولية، لمحاربة فيروسات الأرهاب التي أنتجتها واشنطن في مختبراتها البيولوجية الأستخباراتية، من دواعش وفواحش وقوارض وزواحف، وأي جبهة اقليمية ودولية لضرب تلك الفيروسات تحتاج الى تسويات سياسية تسبقها في بؤر الخلافات وملفاتها.
في حين تعمل واشنطن ومجتمعات مخابراتها ومن تحالف معها، على دعمها للأتجاهات الأسلامية الأنفصالية في روسيّا، مناطق الشيشان داغستان وقوميات أخرى(القوزاق) في كازاخستان، فهي ترى أنّ في دعمها لأي طرف اثني يتجه داخل روسيّا للأنفصال، سيؤدي الى اشغال موسكو بنزاعات داخلية، فتضعف قدراتها على التحرك على الساحة الدولية، ونفس هذا السيناريو تريد فرضه على الصين وفي دعم اثنية الأيغور المسلمين وغيرها في الشمال الصيني.
وحتّى لا نغرق في التفاصيل ونتوه بالمعنى التكتيكي والأستراتيجي، لا بدّ أن نطرح ما تعرف باسم نظرية المنطق في السياسة جانباً، مع تناسي علم الرياضيات السياسية وقواعد التفكير السليم في تفكيك المركب وتركيب المفكك، مع تناسي الغوص في التحليل بشكل عامودي وأفقي، لأنّ الأشياء والأمور والمعطيات لم تعد كما يبدو عليها أن تكون، وجلّ الأزمات ان لجهة المحلي، وان لجهة الأقليمي، وان لجهة الدولي، صارت أكثر تعقيداً وترابطاً، والتفاعلات والمفاعيل لمعظم الممارسات الدولية لم تعد تخضع لقانون أو قيم أو أخلاق.
واشنطن الآن تناقش نفسها بنفسها حول العلاقة بين مصالحها وموقعها من نشر الديمقراطية وحقوق الأنسان والحاكمية الرشيدة، ومتى أصلاً كانت أمريكا تقيم وزناً للمثل والقيم الأنسانية اذا تعلق الأمر بمصالحها الحيوية؟ فكل مغامرة قام بها الغرب في الشرق الأوسط لعبت فيها السعودية دوراً ايجابياً تمويلاً وتغطيةً، امّا علناً أو من وراء ستار ومنذ الحرب العالمية الثانية تحالف السعودية العربية مع الغرب.
والنظام السعودي نظام ثيوقراطي ارتكب خطأ استراتيجي قاتل عندما اعتقد قادة النظام لوهلة ما ومحددة أنهم يستطيعون مواصلة دعم الأسلام الراديكالي والحركات الأسلامية في الخارج بدون ان تصل آثارها للداخل السعودي الملتهب، والذي ينتج التنظيمات والحركات المتطرفة الساكنة حتّى اللحظة، حيث لم تعد الأخيرة على تخوم السعودية بل في الداخل وفي غرف النوم.
الحدث السوري بتجلياته المختلفة والمتشعبة وتداعياته الشمولية، تصدّر ويتصدّر جلّ وسائل الميديا العالمية والإقليمية وسيبقى إلى حين، وخاصة بعد الفعل العسكري الروسي العميق والحقيقي في القضاء على كافة الزومبيات الدينية والفكرية، أبناء وأحفاد ماما أمريكا وبعض وصيفاتها العربيات من الساحات والدول، والمتازمن مع فعل سياسي ودبلوماسي عميق، يؤسّس لحالات من الخلع الأستراتيجي في المسألة السورية وموضوعة مكافحة الأرهاب المدخل والمصنّع، ويستحوذ الان على أحاديث البشر في المعمورة، لا بل ذهب بعضهم إلى القول أنّ الحدث السوري صار حكايات وقصص تروى بين الأفراد في المجتمع الآخر المقابل لمجتمع الأنس، وأعني مجتمع الجن إن لجهة الجزء المؤمن بربه، وان لجهة العاصي لربه، وان لجهة الكافر بربه.
كاتب هذه السطور وفي أكثر من مرة وحالة ومسألة وعلى مدار حياة الحدث السوري الذي ما زال يستعر، اشتبك تحليلاً وبحثاً وحديثاً، في جلّ فنون أدوات الطرف الثالث ووكلائه من بعض العرب المرتهن والخائن في المسألة السورية، بحثنا في موضوع عملاء استخبارات متخصصون بالحرب النفسية والملف السوري، وأتبعناه بتحليل إسناد لجلّ الفكرة الأنفة وتحت عناوين على شاكلة:- صناعة الكذبة في سورية، عمل الوحدات الخاصة الأمريكية، وكلاء الحرب الأمريكية في سورية من بعض العرب المرتهن والخائن، مفاهيم الاغتصاب للنساء وقتل الأطفال ومكافحة الإرهاب لتشريع عمليات الاحتلال العدواني القادم، تماماً كما حدث من قبل في أفغانستان المحتلة، العراق وليبيا المحتلين، ويكاد أن ينجح و أو حقق شيء من النجاح الأسود في الحدث السوري.... الخ، مع سعي حثيث الآن ومن الطرف الخارجي ومن ارتبط به من العربان، إلى تدويل الحدث المصري وتفعيله ورهنه للفعل الأقتصادي السعودي، حيث القاهرة بأمس الحاجة اليه، مع سعي مماثل لتوريط عمّان وإغراقها لما بعد(الصرّه) باتجاه العنق في مستنقعات الحدث السوري، بالرغم من اجتراح عمّان لنصف استداره ازاء دمشق بمساعدة الروسي، مع نجاحات هنا وهناك لمحور واشنطن – تل أبيب عبر أدواتهم القذرة من بعض العربان في لبنان، لفتح حسابات بنك أهدافهم إن لجهة التكتيكي وان لجهة الإستراتيجي منها.
ولا يختلف اثنان عاقلان ونحن نقترب على نهاية السنة الخامسة من بدء المسألة السورية والصراع على سورية وفي سورية، وما نتج عنه من خسائر جمّة لجهة الشق الديمغرافي – الإنسان السوري ومقدرات الدولة السورية المختلفة وإضعافها، على أنّ العنف والعنف المضاد في سورية، قد تم الإعداد له مسبقا من قبل أجهزة الاستخبارات الغربية والأمريكية، ومجتمع المخابرات الصهيوني وأدواته في الداخل الغربي والأمريكي، وبعض دواخل بعض الساحات العربية، والتي لديها الاستعداد للقبول بتنفيذ مثل هكذا رؤى سياسية دموية، لعقد نفسية عديدة لموردها البشري المتحكم والحاكم وما يترافق مع مركبات نقص متعددة له.
وكلّ ذلك قبل انطلاق فعاليات ومفاعيل ما سمّي بالربيع العربي - جدلاً، والذي قد يكون فاجأ(المطابخ)الضيقة والمحصورة جداً، بأشخاص محددين في تلك الأجهزة والمشكلة بطريقة عنقودية عنكبوتيه، في تشكيل الفرق التفكيرية الخاصة بتلك الهياكل الأستخبارية ذات العصف الذهني. هذا وقد ظهر وبان جليّاً زيف "التطلعات الديمقراطية وحقوق الإنسان" في مواجهة الذبح بدم بارد مأفون، وإسالة حمّامات من الدم الطائفي الأثني العرقي هناك، والتي كانت نتاجات تفكير تلك "المطابخ" الموجهة.
إنّ رسالة المسؤولين وواضعي السياسات الأميركيين والغربيين النهائية، للفدرالية الروسية بوجود الرئيس فلادمير بوتين، من أجل البدء في تغيير النظام والنسق السياسي في سورية هي بشكل أساسي: سوف يستمر تصاعد العنف بقوة حتى إنجاز تغيير النظام والنسق السياسي السوري - يمكن لروسيا أن تستسلم الآن، ويكون لها رأي في كيفية حدوث التحول، أو الاستسلام في وقت لاحق وستعاني عندها التهميش كما كان الحال في ليبيا المحتلة وقبلها العراق وأفغانستان.
مقابل ذلك كان الجواب الإستراتيجي للفدرالية الروسية، كرسائل رأسية وأفقية عنيفة بالمعنى الدبلوماسي والسياسي قادت الى الفعل العسكري بناء على طلب الدولة الوطنية السورية، في هياكل واطارات قانونية شرعيه وتؤسس لحالات خلع استراتيجي متفاقم في المسألة السورية كما أسلفنا، بأنّ شكل العالم الجديد تحدده التسوية السياسية الشاملة في سورية أيّتها الكلاب الإفرنجية !.
أتفق مع غيري من الخبراء، أنّ العنوان الرئيسي لهذه المرحلة هو الخلع الاستراتيجي من المنطقة وفي المنطقة، و المتمثل في اعادة هيكلة الوجود الأمريكي في أفغانستان وليس بالانسحاب الأمريكي من أفغانستان، بعد اعادة(هندرة)الوجود الأمريكي في العراق، والذي صار يعود من جديد عبر ما يحدث في الأنبار وتحت عنوان مكافحة الأرهاب، من هنا تأتي أهمية إرباك المنطقة الشرق الأوسطية كحاجة أميركية للخروج من متاهاتها العميقة، عبر اعادة تموضعها وحصر أولوياتها وتنازلات هنا وهناك، للوصول الى تفاهمات مع التكتل الدولي الاخر وعنوانه موسكو.
ولسان حال الفدرالية الروسية يقول: بأنّ هناك حصار تحاول الولايات المتحدة الأمريكية ضربه حولنا، من قلب أوروبا وحدودنا الحيوية في مواجهة شبكة صواريخها هناك، حتى آسيا الوسطى. فالمسألة تبدو بالنسبة إلينا كأنها استعادة أميركية كاملة للأجواء التي كانت سائدة بيننا قبل نصف قرن، لمجرد أن واشنطن أدركت فقدانها لأحادية قطبيّتها العالمية، عادت معالم الحرب الباردة، ثم لدينا مصالحنا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية في المتوسط، لم يعد لدينا موطئ قدم هنا إلا في دولتين اثنتين: الجزائر وسورية، ومن الخطأ الفادح التفريط بأي منهما، خصوصاً في سورية الدولة المركزية المحاذية لكل قضايا الشرق الأوسط والمشرق العربي، فضلاً عن القضايا الملامسة لبعدنا الاستراتيجي في أوراسيا وحدودنا الجنوبية.
ولا يخفي سراً على أحد، أن ما تسمّى "مسؤولية الحماية" الإنسانية وحقوق الإنسان بحدها الأدنى، ليست سوى ذريعة لتغيير النسق السياسي في سورية ومنذ فترة طويلة، تموضعت هذه الصورة عبر مقاربة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها لإسقاط الحكومة السورية والنسق الخاص المنتج لها، وحالة تصوراتها وحلفائها الواقعية لتحقيق ذلك هي مسألة أراء مختلفة في جلسات عصف ذهني عميقة.
وما لا يعتبر رأياً بل هو حقيقة كالشمس في رابعة نهار العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي ورابعات نهارات عواصم من تحالف معها من الغرب والعربان، أن الولايات المتحدة الأمريكية ومحورها، قد تآمرت علنا من أجل "استنزاف" سورية حتى الموت أو إلى الحد الذي يمنع استمرار دورها ونفوذها الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط، أو من أجل التعجيل في نهاية المطاف بسقوط الحكومة أي حكومة، تمهيداً لإسقاط النسق السياسي وليس شخص الرئيس الأسد كما تتلطى تلك العواصم.
الولايات المتحدة الأمريكية تخوض وبقوّة حروب سريّة، لم يقرّها ولن يقرّها الكونغرس الأمريكي، وقطعاً ليس للمورد البشريّ السكّاني لتلك الدول، التي ستسحق حياتهم وأجسادهم أي دور في منعها، فمن أجل تحقيق خدمة الأهداف الإستراتيجية للسياسة الخارجية الأمريكية، بل من أجل هندسة نستولوجيا تلك الأهداف، لتصبح أهداف ما فوق إستراتيجية، فانّ وحدات القوّات الخاصة الأمريكية، تقوم بتنفيذ(لب)وجوهر العقيدة الأمريكية ومعتقدها الراسخ والذي لا يخضع لأي ديناميات مراجعات، والقائم على أحقية القيام بالاغتيالات السياسية، التسلل عبر الحدود السيادية للدول، وزعزعة استقرار وأو تقويض أنظمة الحكم، دون إعارة أي اعتبار لجهوزية مؤسسات الدولة ونسقها السياسي المراد استهدافها وذات السيادة، للتغير أو رغبتها فيه أصلاً.
هذا وقد اختارت العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي متمنهجةً عليه، أسلوب قديم بذات الأدوات لبعض أنواع من الحروب، ولكن آثاره وتداعياته وشدّته في الألفية الثالثة للميلاد كبير جداً، ويقلب الأمور رأساً على عقب، ويغير أمزجة الرأي العام الدولي والإقليمي والمحلي بخبر وصورة وخلال لحظات، وعبر عمليات البروبوغندا السوداء وكواليسها.
ومثل الذي يقطع أنفه نكايةً بوجه، صارت واشنطن تستخدم أدواتها الحربية الشاملة من المورد البشري السكّاني للدولة المراد استهداف نسقها السياسي، ومن موارد بشرية من دول جواره المحلي والإقليمي، حيث جميعها تشترك باللغة والدين والأخلاق والقيم والأهداف، وبالعادات والتقاليد والمشاعر وبعلاقات نسب وقربى، ويؤدي جلّ العمل ذاك إلى تدمير الدولة ونسقها السياسي بأبنائها وأبناء دول جوارها، والحال هذا خير مثال عليه ما يجري بالحدث السوري ومستنقعاته وتشعباته المختلفة، عبر إحداث انحراف بجهاز مناعة الدولة المستهدفة ونسقها، لكي يقوم جهاز المناعة الخاص بالدولة بمهاجمة الأنسجة السليمة، بعبارة أخرى كيف يتم جعل الدولة تدمر نفسها بنفسها وعبر مساندة من محيطها؟! وهذا ما يجري في الحدث الاحتجاجي السوري وعبر وكلاء السي أي إيه من بعض العرب، ومن الغرب ومن بعض الداخل والخارج السوري .
انّه أسلوب حرب العصابات، استخدام القتلة، المتمردين، المخربين، حرب بالكمائن بدلاً من المواجهة، عبر التسلل بدلاً من الهجوم، انّه نصر عبر تقويض العدو وإنهاكه بدلاً من الاشتباك معه، حرب تترصد الاضطرابات وإحداث فوضى خلاّقة وغير خلاّقة.
ويؤكد جلّ الخبراء النفسيين الإعلاميين الأستخباريين، والذين يعملون في أجهزة الاستخبار العسكرية والمدنية – المخابراتية – الشرطيّة، أنّ اللجوء إلى أكاذيب التعذيب والاغتصاب كبنى تحتية لأي عملية بروبوغندا، وعبر وكلاء حربيين لتخدم هدف محدد، وهو خلق بيئة تساعد على خلق ظروف تقود في النهاية إلى الحرب.
نعم عندما تحدد الإمبريالية الأمريكية الأهداف المستهدفة، تصبح مفاهيم الاغتصاب والتعذيب وقتل الأطفال عبر ارتكاب مجازر، وفقاً لجداول زمنية وديمغرافية وفي الوقت المناسب، تصبح مفاهيم لمكنونات أدوات التشويه السياسي للنسق السياسي المستهدف، ليصار إلى إضفاء ملاذات شرعية آمنة لأي عدوان يقرر من قبل ما يسمّى "بالمجتمع الدولي"( أمريكا وكلابها الإفرنجية المنبوذة في أوروبا وفي منطقتنا).
رأينا كيف تمّ تشريع احتلال أفغانستان وتحت مسمّى الحرب على الإرهاب الدولي، ثم تشريع احتلال العراق وتحت مسمى أسلحة دمار شامل لم تظهر حتّى اللحظة، ثم احتلال ليبيا وإسقاط نظام الزعيم البدوي العربي معمّر القذّافي، والان جل الجهود تصب في تشريع وتوظيف كل شيء لاستهداف سوريا ونسقها السياسي، واستهداف النهج الأموي في عبادة الخالق، بل استهداف الإسلام الشامي مقابل التمسك بالإسلام الوهابي.
وسورية بديكتاتورية جغرافيتها السياسية، وموردها البشري ونسقها السياسي وجوهره "توليفة" حكمها السياسي، تعد بالنسبة للغرب بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية وعبر حلف الناتو الحربي، المدخل الأستراتيجي للسيطرة وبتفوق على المنظومة العسكرية الأممية الجديدة المتشكّلة بفعل المسألة السورية، ولأحتواء الصعود المتفاقم للنفوذ الروسي الأممي، والساعي الى عالم متعدد الأقطاب عبر فعل ومفاعيل الحدث الدمشقي، وصلابة مؤسسات نواة الدولة الفدرالية الروسية ازاء ما يجري في الشام من صراع فيها وعليها وحولها، فالروس يصحون وينامون ويتسامرون على وقع أوتار ما يجري في سورية، والآن صاروا في البحر والجو حماية وصيانة لأمنهم القومي، حيث استقرار سورية وبقاء نسقها والحفاظ على الشرعية فيها، يشكل مفصل هام من مفاصل وهياكل أمن الفدرالية الروسية.
تقول المعلومات، بأنّ بعض العرب المرتهن(وهم معرفون للعامة من الناس)والمنخرط انخراطاً عاموديّاً وعرضياً، بمفاعيل وتفاعلات ورؤى محور - واشنطن تل أبيب - الغرب، يسعون الى استهدافات جديدة لبعض أشقائهم من الدول العربية، كما استهدفوا سورية قبل سنوات وما زالوا حتّى اللحظة ولم ينجحوا ولن ينجحوا، بفعل التماسك الدولاتي للجيش العربي السوري العقائدي وقطاعاته العسكرية، وتماسك مجتمع المخابرات السوري والدولة الوطنية السورية وصلابة قطاعها العام، والذي ما زال الأخير يقوم بدوره ازاء المجتمعات المحلية السورية رغم الحرب والمؤامرة، في نموذج فريد من نوعه حتّى اللحظة في التاريخ القديم والمعاصر، بجانب فعل ومفاعيل وتفاعلات الفعل العسكري الروسي المتصاعد بالمعنى الرأسي والعرضي.
فتصعيد الذرائع المتعلقة بملف المحكمة الدولية في لبنان، واشتراكات حزب الله اللبناني في الحدث الأحتجاجي العسكري في سورية، ومساندته العسكرية العميقة الآن للجيش العربي السوري، مع باقي القرارات الدولية السابقة بخصوص لبنان وأي قرار لاحق، سوف تشكل مجتمعة عناصر الملف الذي سوف تتم عملية بنائه لاستهداف لبنان، واستخدامات التطورات المتعلقة بتصاعد العدوان على اليمن، كوسيلة لبناء ملف استهداف اليمن وتقسيمه من جديد عبر الأقاليم السته، وتجري حالياً فعاليات إدخال الجماعات والعناصر المسلحة إلى الداخل الجزائري، وعندما تنفجر الأوضاع سوف يتم استخدام ملف العنف السياسي كوسيلة لاستهدافها من قبل المحور الأمريكي الأسرائيلي البعض العربي، والأخير(البعض العربي المرتهن)سيصار الى استهدافه لاحقاً، كل ذلك من أجل تحقيق التفوق العسكري الأستراتيجي الأمريكي الغربي عبر الناتو لأستهدافات للنفوذ الروسي المتفاقم وعلى الأقل لأحتوائه، مع اتباع حملات بروباغندا عدائية ازاء موسكو، قد تتطور الى استراتيجيات أمريكية جديدة في غير مكان غير سورية بدءً من أوكرانيا وما بعدها.
ولا يخفى على أحد في العالم تلك العلاقات المؤسسية والقوية مع البنتاغون(وزارة الحرب الأمريكية)وحلف الناتو لدول الخليج مجتمعة إضافة إلى المملكة الأردنية الهاشمية ـ المملكة المغربية، حيث دخل الجميع مع كل أسف في شراكات عملية عسكرية مع حلف الناتو، وحالياً تساهم الغالبية من هذه الدول بالقوات في بعثة الناتو العسكرية في أفغانستان، وحتّى ليبيا والتي في طريقها الى التقسيم عبر الفوضى وحالة عدم الأستقرار المستمرة، تم الاتفاق على قيام الروابط وعلاقات التعاون بين حلف الناتو وليبيا، وسيصار الى تفعيل ادخال ليبيا رغم حالة عدم الأستقرار التي تعاني منها، عبر برامج عسكرية خاصة للناتو بالإشراف الكامل على تأهيل وتدريب وتسليح قوات الجيش الليبي، وفق برامج إعداد على غرار برامج الناتو العسكرية إزاء قوات الجيش العراقي، وقوات الجيش الأفغاني، مع ادخال ليبيا كطرف في ما يطلق عليه تسمية "حوار الناتو المتوسطي"، وهو الشراكة التي تضم كل من المغرب ـ مصر ـ تونس ـ الجزائر ـ موريتانيا ـ الأردن وإسرائيل وآخرين، ضمن إطار حلف الناتو الحربي.
ومن أجل أن تتحق هذه النتائج واشتقاق رؤى سياسية جديدة، ليصار الى اكتمالات عميقة للحياكة الأقليمية في المنطقة وقلب الشرق سورية، يتوقف نجاح كل ما ذكر على مدى قدرة المحور الأمريكي الأسرائيلي عبر أدواته من البعض العربي المرتهن، وقدرة حلف الناتو من القضاء على الثغرة الأستراتيجية(سورية ولبنان)في هذه المشروع المتجدد للشرق الأوسط، لذلك وفي المعلومات تتمركز سفن حلف الناتو الحربية وسفن أمريكية وفرنسية وأخرى على مواقع من سطح الماء باتجاه السواحل اللبنانية والسورية، مع تصعيدات قادمة في الجنوب السوري وفق رؤية فرنسية أمريكية سعودية مشتركة وعلى الحدود السورية التركية(الأردن ابتعد عن الموك وفي طريقه الى نصف استدارة ازاء دمشق، فهل تفشل السعودية ذلك بفعل الورقة الأقتصادية؟)، وذلك على أمل أن يتم حسم الاحتجاجات السورية باتجاه انهيار دمشق ثم القضاء على المقاومة اللبنانية، وضم سوريا ولبنان إلى حلقات حلف الناتو، ومن ثم يكون البحر الأبيض المتوسط قد أصبح بحيرة حصرية لحلف الناتو خالياً من الروس مثلاً، وهنا ستضعف الحلقة الأيرانية كخاصرة ضعيفة للفدرالية الروسية بعد استهداف الحلقة السورية ككل وبالتالي القضاء على الثغرة السورية اللبنانية الأستراتيجية، والسؤال هنا: هل تسمح موسكو بحدوث تلك الحياكة الأقليمية للمنطقة؟!.
ففي سايكس بيكو 2015 العرب المرتهن وغير المرتهن أنفسهم من سيشرف على تقسيم حالهم، وتقسيم المقسّم أصلاً وتجزئة المجزّاء كذلك، وهذا سيكون نتاج ربيعاتهم والتي هي بالأساس مع كل أسف وحزن وبكاء ربيعات صهيونية في فكرتها ونتائجها بعد الشرارة التونسية، والأخيرة كانت خارج حسابات الفكر الصهيوني لجنين الحكومة الأممية البلدربيرغ الأمريكي. انّ للثغرة السورية اللبنانية الأستراتيجية، تأثيرات عميقة لجل المنظومة العسكرية الدولية الجديدة، حيث الفدرالية الروسية تسعى الى التوازن مع تلك المنظومة الدولية العسكرية المستحدثة بفعل المسألة السورية، وعدم السماح للطرف الآخر بجعل البحر الأبيض المتوسط بحيرة أمريكية نيتويّة بامتياز. فجغرافية الجمهورية العربية السورية تتموضع وتتمفصل في منطقة تقاطع القيادات العسكرية الأمريكية الإقليمية الأكثر حساسية، وهي: القيادة الأوروبية ـ القيادة الوسطى ـ القيادة الأفريقية.
وجميع خطوط حلف الناتو وأيضاً الخطوط الأمريكية، تقوم على أساس اعتبارات أن الممر الاستراتيجي السوري، هو العامل الحاسم لجهة تحقيق التفوق العسكري الجيو ـ استراتيجي في كافة مسارح العمليات، في مناطق الشرق الأدنى وشرق المتوسط وشمال أفريقيا، والبحر الأحمر وصولاً إلى القرن الأفريقي حيث الدور الصهيوني المتصاعد فيه، إضافة إلى مناطق الجزيرة العربية والخليج حيث يصار الى تسخين ساحات بعضها هذا الأوان وجعلها(سورية 2) لاحقاً، وآسيا الوسطى والبحر الأسود، ومناطق القوقاز الجنوبي والقوقاز الشمالي وصولاً لكل مناطق نفوذ المجال الحيوي الروسي، وهذا استهداف صارخ للآمن القومي الروسي، لذلك تم عقد اجتماع طارىء وغير عادي برئاسة الرئيس بوتين لمجلس الأمن القومي الروسي في 14 – 2 – 2014 م الجمعة، وتم بحث كل تفاصيل المسألة السورية وما لدى مجتمع المخابرات الروسي من معلومات مختلفة، لعودة فكرة خيارات عسكرية أمريكية وفرنسية وبريطانية وبعض عربية لدمشق، عبر عناوين انسانية لمشاريع قرارات دولية( يجري تسيسها لتشويه الموقف الروسي من ما يجري في سورية) قد تتطور لاحقاً لأفعال حربية عبر حلف الناتو الحربي، حيث تدرك موسكو ومعها الصين أنّ أي قرار دولي بععنوان انساني، لأنشاء ممرات انسانية آمنة بالداخل السوري، يجب أن يرفض ويقاوم كونه يؤسس لاحقاً وعلى دفعات للتدخل العسكري الخارجي، عبر الطرف الثالث في الحدث السوري في أشكال مختلفة. ومن هنا فإنّ عدم إدماج الممر الاستراتيجي السوري ضمن خارطة السيطرة العسكرية الجيو ـ استراتيجية الأمريكية ـ الغربية، سوف يخلق ثغرة ونافذة انكشاف بالغة الخطورة في كافة الحسابات المتعلقة بالتوازن الاستراتيجي العسكري العالمي، وذلك لأن الممر الاستراتيجي السوري، يتيح الوصول السريع إلى كافة المناطق الاستراتيجية المحيطة به. ورغم الأتفاق الروسي الأمريكي الكيميائي لنزع السلاح الكيميائي السوري( يجري العمل الآن على تسيسه من جديد أمريكياً)والذي جاء بمبادرة سورية روسية مشتركة، والذي كان من نتائجه الغاء الضربة العسكرية الأمريكية لدمشق ولقطاعات القوى الصاروخية السورية ومصانع انتاجها، ثم جاء توقيع جنيف ايران، فجنيف سورية الثاني بجولتيه والذي صار يصيح بالجميع: استروا عورتي وانتظروا اخوتي، فانّ جلّ الضغوط المكثفة سوف تستمر رأسيّاً وأفقيّاً بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان حلف الناتو، وشركائهما الشرق أوسطيين والخليجيين، من أجل إنجاز سيناريو انهيار دمشق مع التصعيد في الجنوب السوري والشمال السوري، وعمليات سريّة مخابراتية تستهدف القيادة السياسية للنسق السياسي السوري وعلى رأسه الرئيس بشّار الأسد، بما سوف يؤدي بالضرورة إلى جعل الممر السوري متاحاً لحلف الناتو ومن يدور في فلكه، وفي هذا الخصوص تتحدث المعلومات بأن الممر السوري سوف لن يشمل أراضي الجمهورية العربية السورية والجمهورية اللبنانية وحسب، وإنما سوف يشمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وفي هذا السياق سمعنا حديث الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن قبوله ودعوته لتواجد قوّات لحلف الناتو على المعابر، وفي الغور الأردني والفلسطيني في اطار ما تسمّى بخطة جون كيري التوطينية، نعم أبو مازن مع كل أسف قد انخرط في تفاهمات أكد من خلالها موافقته بأن تتولى قوات حلف الناتو المسؤولية عن ما أسماه بـ"حماية الأراضي الفلسطينية"، الأمر الذي يعني بكلمات أخرى نشر الحلف لقواته وقدراته العسكرية في الأراضي الفلسطينية، وأدوار قادمة للحلف في الصراع العربي – الأسرائيلي، حيث تم اختزال الأخير من بعض العرب بالمسار الفلسطيني – الأسرائيلي