الثورة .. بقلم: فادي برهان

الثورة .. بقلم: فادي برهان

تحليل وآراء

الخميس، ٣ سبتمبر ٢٠١٥

مع مطلع عام 2011 م عندما اشتعلت ما سُميت الثورة في تونس حين أحرق (محمد البوعزيزي) نفسه احتجاجاً على احتجاز عربته باعتباره بائعاً متجولاً، وبدأت العدوى تنتقل كالنار في الهشيم إلى ليبيا فمصر ثم اليمن فسورية، شرع المراقبون والمفكرون والمثقفون بتحليل الأحداث وقراءة خلفياتها ومضامينها وتقلباتها مدها وجزرها و... و..
وسرعان ما انتشرت كتاباتهم ومؤلفاتهم ونشراتهم الإلكترونية وكل واحدٍ منهم يدّعي النصر والتفوق لنفسه ويؤكد صحة وصوابية وجهة نظره بالأحداث فادعى _ على سبيل المثال _ الباحث اللبناني جلبير الأشقر أن ما يحدث في الشرق الأوسط ثورة اقتصادية تنشد تطبيق النظام الشيوعي، وأصدر حينها كتاباً بعنوان (الشعب يريد) أكد من خلاله أن النظام الاقتصادي الشيوعي سيكتسح الأنظمة العربية وستتحول الدول العربية إلى ما يشبه الاتحاد السوفييتي السابق، بينما ذهب أغلب المثقفين العرب إلى أن ما يحدث ربيع عربي كربيع براغ ينشد العدالة والحرية ويكافح التقصير والفساد والبيروقراطية ويحاول بثورته على الواقع نقل المواطن العربي إلى مستوى لائق من العيش الكريم، إلى ذلك ذهبت بعض القوى الإسلامية إلى أن ما يحدث صحوة إسلامية وأن الشعوب التي أسقطت أنظمتها تسعى لإقامة حكومات إسلامية تقيم حكم الله في الأرض وبالخصوص في مصر حيث اعتقد أغلب الإسلاميين أن الشعب المصري ثار على مبارك بهدف تطبيق الشريعة الإسلامية، بالرغم من عدم مشاركة الأخوان المسلمين بالثورة ووقوفهم في المنطقة الرمادية حتى نهاية الحراك إلا أن وصول مرسي لسدة الحكم أوحى للكثير من القوى الإسلامية على امتداد العالم الإسلامي أن الثورة المصرية إسلامية بامتياز وسينبثق عنها حكومة أو جمهورية إسلامية تسقط اتفاقية كامب ديفيد وتقطع الغاز عن الكيان الصهيوني وتعيد مصر بثقلها السياسي والعسكري إلى ساحة الصراع العربي الإسرائيلي، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث واكتشف المقاومون أن ليس كل مدعٍ مقاوم وليس كل مشروع يدعي الإسلام حق، بل إن الكثيرين ممن يدعون يتلبسون بثوب الدين لتحقيق مآربهم السياسية.
إلى ذلك توهم البعض إلى أن الحراك الشعبي العربي سيفضي إلى اتفاق سلام شامل في المنطقة تُطوى من خلاله صفحة الصراع وينعم حينها الشعب الفلسطيني بحكومة مستقلة ذات سيادة بفضل مجاهدي حركات المقاومة الفلسطينية، لكن المفاجأة كانت بأن هؤلاء _ المجاهدين _ تاهوا في الطريق، واعتقدوا أن قبلة الجهاد دمشق بدلاً من القدس وشنوا هجومهم على أبناء الشعب السوري وغيروا وجهة البوصلة واستبدلوا الأخ بالعدو وتهافتوا إلى إسرائيل يداوون جرحاهم ومصابيهم في مشافيها علناً بلا حياء بل يفتخرون بذلك ظناً منهم أن تحرير القدس يبدأ من دمشق.
مع كل ذلك ومع عملية خلط الأوراق التي اتبعها البعض لتزداد ضبابية الموقف أكدت سورية ومنذ البداية أن ما يحدث في الشرق الأوسط هو ما وعدت به كوندوليزا رايس من الفوضى الخلاقة التي تغير المفاهيم وتقلبها رأساً على عقب وأن ما تصدّره لنا الدول المتآمرة هدفه دمار الوطن العربي وليس الحرية والديمقراطية والعدالة والتقدم وأن الحركات والتنظيمات الإرهابية ما هي إلا نسخة أصلية من الحركات الصهيونية التي تسعى لتدمير جميعنا بتاريخنا ومجدنا وعزنا وحاضرنا ومستقبلنا، لا تفرق بين فرد وآخر، وبعد مضي خمس سنوات على الحرب بدأ العالم يتأمل بدقة ويتفكر بهدوء ويراجع قاموسه ويتساءل بجدية:
 هل فعلاً ما يحدث إرهاب؟
فكم دفعت سورية من الأرواح والدماء والعمران حتى تكونت قناعات الغرب والرأي العام العالمي، وتأكد له أن ما تتعرض له سورية إرهاب منظم؟
وهل فعلاً كانت الرؤية ضبابية عندهم، وانجلت بفضل دماء أبناء شعبنا؟ أم إنهم يعلمون أن الثورة المزعومة إرهابية هدفها الدمار والخراب؟
وهل يُعقل أن تشويش الرؤية عند الجميع _ وكل حزب بما لديهم فرحون _ يصل إلى مرحلة قلب الحقائق فيصف البعض المؤامرة بالصحوة والبعض الآخر الدمار بالربيع العربي، وآخرون يصفون الفوضى بأنها مخاض عسير سينجب الحرية والديمقراطية والتقدم للشعوب؟