بوابة المعرفة

بوابة المعرفة

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٤ أغسطس ٢٠١٥

لا تفتح إلا حينما يتم قرعها، ليسألك من خلفها من أنت؟ وتجيب أنت، ليقول لك: ادخل يا أنا، لتلتقيا متبادلين رحلة المعرفة والتعلّم والعلم، كل هذا يحدثه طبعاً السؤال لا غيره، مولد الفكرة والأفكار الرافعة المراقبة لتكوين الشخصية الثقافية والحضارية، التي يتفرد بها الإنسان عن باقي الأجناس الحية، ومن دونه لا يمكن أن نصل إلى حيث نريد، والخوض بحثاً عن الامتلاء والاكتمال سعياً للانتقال نحو المستقبل المسكون في الغد المطلوب، الذي يضعنا أمام مسألة تثير أجوبتها كثيراً من الشكوك والارتباكات، لتأخذنا في النهاية إلى اليقين، حيث نبقى نعتاش الأجوبة بين الإثبات والنفي، حتى تغني الإجابات أحدهما أو كلاهما، فيكون الجواب سؤالاً جديداً، يكون لنا إما بمنزلة زيادة المعرفة من خلال الاستعانة بصاحب الإجابة، أو بداية المعرفة والاستكشاف، كما يفعل الطفل في مرحلة التكوين العقلي والنطقي، وحاجته إلى معرفة كل شيء، أي أن يصل السؤال للمبتغى المطلوب بأسهل الطرق، وأدق العبارات، كي يكون مقنعاً.
الفكرة المبحوث عنها تسكن معقولية السؤال، توافق الجواب، تكون نتيجته الكيفية التي تظهر بين السائل والمجيب، وتوفر عناصر المنطق والأخلاق والعلمية، التي تبحث عن التطور، بحيث لا تؤدي الأجوبة إلى حالة استسلامية، بل أن تكون فاتحة دائماً لبناء معارف حديثة جديدة، أو تحمل طابع التجديد، وأن تكون بين السؤال والجواب لغة نقاش واستدلال عبر جدلية الحوار الإيجابي، حتى وإن كانت النتائج سلبية، كي تبقى بعيدة عن العصبية والنقدية الجارحة.
من منا يستطيع الإجابة عن أسئلة الأطفال الصغار، والشيوخ الكبار، التي يتداولها جميعهم لحظة أن ترهبهم أمهاتهم، أو حتى آباؤهم بالله، وأنه سيحرقهم في النار، أو سيجلدهم، أو يتركهم كأهل الأعراف، لا إلى هنا، ولا إلى هناك، أو سيكتب على جباههم، حينما يكذبون كذابين أو منافقين، بعد أن يكونوا قد ارتكبوا أعمالاً طفولية، كأن يكسروا شيئاً ويخفوه، أو يتناولوا طعاماً، بطرق غير سليمة، ليعود الطفل أو الأطفال، بعد أن تهدأ الحالات، ويسألوا عن الله، من هو؟ أين هو؟ شكله؟ مكانه؟ ماذا يعمل؟ يعزّ من يشاء، ويُذلّ من يشاء، أمنه الخاص الرقيب والعتيد، وأمنه العام المتابع لهمسات القلوب وزلات العقول، كيف نعرفه، ونعرّفه لهم؟ لماذا يخيفوننا به؟ ألا نخاف من بعضنا، وسلطاتنا أكثر مما نخاف منه، من حيث ارتكابنا للأخطاء ورميها عليه، ألا ينبغي علينا أن نحضر أجوبة عاقلة، تقنع وتغني أفكارهم، وأيضاً عن آدم وليليث أم حواء، من أين أتيا، أو ظهرا، من ربّاهما، من أرضعهما، من ألبسهما، من علمهما، وهل هبطا من السماء، أم نبتا من الأرض، أم عجنا من تراب؟ هل كان هناك مركبات فضائية أوصلتهما؟ أم هناك مزارعون أشرفوا على رعايتهما؟ من أين أتينا، ماهية الروح، تخرج، تصعد، تذهب، كيف نُعرفها؟ وبضرورة عدم طرح أسئلة كهذه، الكبار يسألون: ما معنى الحرب، وماذا تعني كلمة السلم؟ حرب باردة ساخنة، هادئة سريعة خاطفة، تلاعب بعقول البشر، من يضحك على من؟ السياسة على الاقتصاد، الأديان على الناس، من يخطط للحروب، من أجل ماذا، ولماذا تجري، من يشارك فيها، ما الغاية من إثارة المعارك في الشرق الأوسط؟ من يستطيع الإجابة عن هذا السؤال؟ لماذا مقابل الحبّ تقف الكراهية؟ وأمام الهدم والتدمير يسعى الإنسان للبناء؟ لماذا يبني الإنسان، ويجمع، ينشئ القوى، يعتدي ويستغل، وينهب ويسرق ويقتل، يفرح ويبكي، يشقى ويسعد، يأخذ ويعطي، وبدقة أكبر، لماذا الفساد أكبر أمام الفضيلة؟ يستخدم أحدث الأساليب من أجل البقاء، لكنه لحظة أن يتجه إلى الراحة يموت، ما معنى أن يخلد في الأثر، بعد أن يذهب الجسد بكل ما يحمل، وقبل كل ذلك، لماذا يولد ويتكاثر؟ ما معنى الموت؟ ولماذا ينساه الإنسان؟ ربما يتذكره لبرهة، لكنه يكرهه، رغم أنه حق في المنظومة الدينية.
مثلث القداسة يجيب بضرورة التسليم، لأن سبيل الإقناع الوحيد الإيمان بالغيبي، والاستسلام لمفاهيم القضاء والقدر، وأدواته أحبار وكهنة وشيوخ، فإن لم تستجب، تعتبر في خانة العداوة لله ولهم، وأنت ملحد وكافر أشِر، الباحثون في العلم يجهدون بالمحاولات، لكشف أسرار الحياة من بدء الخليقة، لغاية اختراق الحياة، وفهم سرّ الروح والتكوين الشمسي ومجموعاته، والموت وأبعاده، والوجود ومقتضياته، كيف يقف هذا المثلث أمام بوابة المعرفة والعلم والفهم المادي، كيف يواجهه؟ هل يحاربه؟ هل هو على تضاد معه أم مشجع قوي له؟ هل حينما تخترقه يكفرك، يسعفك، يقف خلفك مشجعاً، أم إنه محارب شديد عتيد أمام فلسفتك، من يجيبنا عن هذا؟
كوكبنا الحي بلغ تعداد سكانه سبعة مليارات ونيف؛ 1.5 مليار مسلم، 2.5 مليار مسيحي، مليار بوذي، مليار هندوسي، عشرون مليون يهودي، وآلاف المعتقدات من مارموني إلى عبادات الفرج والعضو الذكري، من يحدد أنَّ هؤلاء يذهبون إلى الجنة، وأولئك إلى النار؟ ما ماهية الجنة والنار والأنهار الأربعة والحور العين الحسان؟
لماذا وكيف ومتى؟ أسأل أجبني، واشرح لي وساعدني، وأبعد عني لغة الخوف، ادعوني، أرشدني للصح، أو على أقل تقدير نبهني مما أنا فيه من جهل، كي لا أغدو عدواً لأحد، والإنسان عدو ما يجهل، وخذ بيدي، ومن أجل ماذا فعلت هذا وذاك، ومن أجل من ولماذا؟ وأسألك عن إنجازك ومخططاتك ولغتك، وكل ما يخطر ببالك، اسأل من أجل الفهم والمعرفة والعلم، وإلا فستبقى كما أنت شيئاً غير معرّف، كان هذا قبل أن تكون إنساناً، وبعد أن غدوت بشراً.
أين أنت؟ ماذا تريد من الحياة، من الآخر، من الجغرافيا التي تحيا عليها، من كل ما ذكرته؟
حدِّدْ سؤالك، واقرع به باب المعرفة، كي تحصل على جواب، ربما يغنيك، يسعدك أو يشقيك، يصعد بك أو يهوي إلى حيث لا تريد.. تأملات على باب المعرفة.
د.نبيل طعمة