لماذا أفول وتراجع الهيمنة الأميركية في العالم؟

لماذا أفول وتراجع الهيمنة الأميركية في العالم؟

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٤ أغسطس ٢٠١٥

المعلوم أن الولايات المتحدة الأميركية كانت تملك القوة الأكبر في العالم؛ اقتصادياً وعسكرياً. وقد ساهم سباق التسلح في ثمانينيات القرن العشرين (ما سمي حرب النجوم) في إنهاك الاتحاد السوفييتي اقتصادياً. وكان ذلك واحداً من الأسباب العديدة لسقوط المنظومة الشيوعية السوفييتيه وانفراد الولايات المتحدة بالهيمنة على العالم، كقطب واحد.
المشهد التاريخي بعد سقوط الاتحاد السوفييتي كان يشير إلى استمرار الولايات المتحدة الأميركية في الهيمنة الاقتصادية والعسكرية على العالم. واستغلال واشنطن هذه الهيمنة المنفردة
لفرض علاقات تجارية غير عادلة على معظم الدول النامية التي فقدت الكثير من قدرتها على المناورة بعد انتهاء القطب السوفييتي.
وقد عملت واشنطن على تعميم هيمنتها وغطرستها الاقتصادية من خلال سيطرتها على أعمال صندوق النقد، والبنك الدولي من خلال ممارسة هاتين المؤسستين الماليتين الدوليتين ضغوطاً على حكومات دول العالم بهدف إحداث تغيرات بنيوية في اقتصاداتها، لجعلها أكثر تبعية للمصالح الاقتصادية للولايات المتحدة وللغرب بشكل عام.
لقد استطاعت الولايات المتحدة الأميركية أن تحقق فوائض مالية، ووفورات اقتصادية كبيرة في أواخر حكم الرئيس (بيل كلينتون) وبداية حكم (جورج بوش الابن) حيث فتحت أمامها أسواق أوروبا الشرقية، وأحكمت قبضتها على منابع الطاقة بعد حرب الخليج الأولى، كما عززت سيطرة حلف الناتو، بعد تفكك حلف وارسو. وقد وصل حجم الاقتصاد الأميركي إلى (32%) من الاقتصاد العالمي أواخر عام 2001.
وجاءت أحداث أيلول 2001 المرعبة لتهز الولايات المتحدة بعنف، وكان رد فعل الدولة الأقوى في العالم؛ أن شنت حربين عبثيتين في أفغانستان، والعراق. وأدى تورط أميركا في هذين البلدين إلى خسائر بشرية وعسكرية هائلة؛ تجاوزت (7000) جندي أميركي قتيل في البلدين إضافة إلى إنفاق مبالغ كبيرة تجاوزت ستة تريليونات دولار.
بالمقابل كشفت فضائح سجني (أبو غريب) و(غوانتانامو) كذب الولايات المتحدة التي تدعي حماية الديمقراطية، وقد تجاوزت انتهاكاتها كل الحدود لحقوق الإنسان، ما أفقد واشنطن الكثير من المصداقية التي تدعيها، ثم جاءت الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي انطلقت من الولايات المتحدة لتحدث هزة عنيفة في الاقتصاد الأميركي، وأكدت الأزمة ضرورة اعتماد اقتصادات الدول على ذاتها والعمل على الخروج من إطار الهيمنة الأميركية.
تراجع الهيمنة الاقتصادية الأميركية جاء طبيعياً بداية القرن الحادي والعشرين مع صعود دول ناشئة ؛ كالصين، وروسيا، والهند، والبرازيل، أندونيسيا، والمكسيك. حيث استحوذت الدول الست يومها على (32.3%) من الناتج الإجمالي العالمي. ثم أحدثت مجموعة بريكس عام 2006 (الصين، الهند، روسيا، البرازيل) لتنضم إليهم لاحقاً دولة جنوب إفريقيا. لتشكل مجموعة بريكس قوة عالمية، وقطباً ثانياً في العالم. ومع مجيء باراك أوباما رئيساً بدت إدارته
كأنها تدير أزمة انحدار قوة الولايات المتحدة على المستوى الدولي، وأخذت أميركا بالانسجاب، بشكل هادئ ومنظم، من مناطق الوجود والتدخل الأميركي المباشر، وسعت لتسوية خلافاتها المزمنة مع دول عدة كما هي الحال مع كوبا، وجاء الاتفاق النووي بين إيران ودول (5 + 1) ليوضح أن هناك نظاماً عالمياً جديداً، وقوة أخرى عظمى في العالم، وبالتحديد مجموعة بريكس، لسنا هنا بصدد قراءة وتحليل الاتفاق النووي الإيراني، إلا أن هذا الاتفاق وما سبقه من مفاوضات يدلان على قبول العالم بدولة طبقت بحقها عقوبات ظالمة على مدار (35) عاماً، ومع ذلك وجدت الولايات المتحدة نفسها ومعها خمس دول أخرى (تمثل القوى العظمى في العالم) مضطرة لمفاوضة إيران. عملية انحدار هيمنة الولايات المتحدة بدأت عملياً، وبالتدريج، مع بداية القرن الحادي والعشرين. بالمقابل كانت الولايات المتحدة – في زمن هيمنتها المطلقة الأحادية– تعتمد على وكلاء إقليميين؛ يظهر أنها بدأت تستغني عن خدمات بعضهم، لصالح لاعبين آخرين في الأقاليم نفسها عملاً بالمفهوم القائل (من يصلح وكيلاً لا يصلح بالضرورة حليفاً). والمثال على ذلك التقارب الأميركي الهندي على حساب الوكيل (دولة الباكستان). علامات الضعف الداخلي في أقوى دولة في العالم، يكشفها الضمور في سلطة موقع الرئاسة الأميركية (البيت الأبيض) لدرجة أن المراقبين يتساءلون من يحكم فعلاً الولايات المتحدة؟ هل البيت الأبيض؟ أم الكونغرس الذي قام بدعوة رئيس وزراء إسرائيل (نتنياهو) ليلقي خطاباً يهاجم فيه سياسة رئيس الولايات المتحدة (أوباما)؟! ويتجلى ضعف الإدارة الأميركية الحالية وتراجع هيمنتها في الدعم الضمني للإرهاب وادعاء محاربته شكلاً، وظهر هذا الضعف بوضوح فيما سمي التحالف الدولي لمحاربة (داعش). كان حلفاء أميركا يضعون كل (بيضهم) في السلة الأميركية لأن أميركا -حسب اعتقادهم الواهم- قادرة على فعل كل شيء، وقد أثبتت الوقائع عدم دقة أو صحة هذا الاعتقاد، وثمة مشهد آخر يشير إلى الضعف وتراجع الهيمنة الأميركية، وهو يظهر بعض أصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة، بل أهمهم، يتمردون على توجيهات واشنطن ويحاولون الخروج من بيت الطاعة، وآخر مثال على ذلك هرولة بريطانيا ومعظم دول أوروبا للانضمام إلى البنك الآسيوي (الصيني) للتنمية، وهذا البنك سيساهم بدوره في الحد من الهيمنة الأميركية على صندوق النقد الدولي.
المعطيات على صعيد المشهد الدولي الحالي، حتى على مستوى الأقاليم؛ تشير إلى أفول وتراجع الهيمنة الأميركية في العالم، وإضعاف حلفاء واشنطن الداعمين للإرهاب في الشرق الأوسط؛ تركيا، السعودية… وأيضاً تغيرات في المستقبل غير البعيد في إطار تسويات، وتوافقات دولية، وفي ظل عالم متعدد الأقطاب بعيد عن هيمنة القطب الأميركي الواحد.