وقائع يوم رمضاني.. بقلم: سمير عربش

وقائع يوم رمضاني.. بقلم: سمير عربش

تحليل وآراء

الاثنين، ٦ يوليو ٢٠١٥

كان صوته يأتينا من بعيد، وكلما اقترب من دارنا، دوى قرعه على الطبل، لكأنه داخل غرفة نومنا التي نفترشها أرضاً..
يأخذ الخوف منا مأخذه، فنهرع إلى جانب الوالدة مستغيثين، والصغار منا باكون.
إنه المسحراتي الذي يجول أحياء البلدة قارعاً طبله الكبير بقوة لثلاث مرات، ثم يصرخ بصوت لا هو بالجهوري، ولا هو بالعادي.. يا صايم وحد الدايم، يا صايم "قوم" من نومك. وهكذا إلى أن يغيب في حين آخر، فيما نحن نركن لها حداء أمنا كي ننام من جديد.
حدث ذلك عدة أيام منذ زمن بعيد، نفاجأ بعدها بجارتنا أم أيمن تقرع باب الدار، وتدخل برفقة المسحراتي أبو نبيل، الذي وضع طبله جانباً وراح يلاطفنا ويمازحنا هاتفاً: يا صايم وحد الدايم، وللحظات يهدأ روعنا فيما نرنو إليه بحذر، إلى أن ألفناه، ورحنا نستفيق على صوته وصوت طبله، طيلة أيام رمضان، لنكتشف خلالها، أن اتفاقاً سرياً تم بين والدتنا وأم أيمن على تلك الزيارة التي عرفنا منها أن المسحراتي، ما هو إلا إنسان بمنتهى الطيب.
ذلكم كان واحداً من طقوس الشهر الفضيل فجراً، أما في النهار، فقد كان أهل البلدة ينغمسون في أعمالهم منذ الصباح، حيث تعج الأسواق بأهل البلدة وأهالي قرى القلمون المجاورة الذين يقصدونها حاملين الحليب واللبن والجبنة لبيعها والشراء بثمنها ما هم بحاجة إليه من خضار ومواد غذائية متنوعة إلى جانب كسوة العيد.
وما إن تقارب الشمس على المغيب حتى تبدو البلدة شبه خالية وسط قرقعة أبواب المحال التي تغلق، فيما تصدح المآذن بتلاوة القرآن الكريم، قبل إطلاق المدفع إيذاناً بموعد الإفطار، الذي غالباً ما يسكب الجيران لنا مما تيسر، وغالباً أيضاً ما نحمل لهم مما تكلفنا به الوالدة.
هو التآخي والتآلف ليس بين الجوار وحسب، بل بين جميع أهالي البلدة الذين كانوا شبه الأسرة الواحدة يتشاركون في الأفراح والأتراح.
لعلي لا أبالغ إذا قلت: إن شهر رمضان كان الأجمل بين أشهر السنة، ولكم أحببناه سواء في الصيف أم في الشتاء لكن.. أين نحن الآن من تلك الأيام الخوالي وأين تلك الأيام الرمضانية التي كانت تقوم فعلاً على الصوم والصلاة، أليس من يلتزم بها لا يعرف الكراهية ولا الضغينة.