ذكرى مئوية أخرى.. بقلم: د. اسكندر لوقــا

ذكرى مئوية أخرى.. بقلم: د. اسكندر لوقــا

تحليل وآراء

السبت، ٢٣ مايو ٢٠١٥

ما زالت تفاصيل إحياء ذكرى الإبادة الأرمينية في أواخر شهر نيسان الماضي على أيدي العثمانيين قبل مئة عام، ما زالت حيّة في الذاكرة الجمعية لشعبنا العربي السوري. ومنذ بضعة أيام استعادت الذاكرة عينها الذكرى المئوية لاتفاقية أشبعت شهية الدولتين الاستعماريتين بريطانيا وفرنسا، بدافع التمدد إلى بلدان الشرق الأقصى عبر كل من سورية لبنان وفلسطين والعراق، فأبرمتا قبل مئة عام، في اليوم السادس عشر من شهر أيار عام 1916 الاتفاقية الاستعمارية التي اشتهرت باسم ممثلي الحكومتين البريطانية مايك سايكس والفرنسية جورج بيكو.
وبموجب هذه الاتفاقية المشؤومة، قسمت بلاد الشام كما هو معروف، إلى منطقتين هما [أ] و[ب]. المنطقة الأولى تشتمل على سورية ولبنان وتخضع للنفوذ الفرنسي، والثانية تشتمل على فلسطين والعراق وتخضع للنفوذ البريطاني. وإلى ذلك سمحت الاتفاقية لكلتا الدولتين التصرف بشؤون المنطقة وبتبادل المنافع.
ومع أن هاتين الدولتين حاولتا إخفاء جريمتهما ضد بلاد الشام، والتمويه على الرأي العام المحلي والإقليمي، الذي كان يتلقى بعض الإشارات حول إبرام هذه الاتفاقية، لكن مع سقوط القناع عن وجوه المتآمرين في الحادي والعشرين من شهر تشرين الثاني من العام التالي عام 1917، انكشفت نياتهم. ففي التاريخ المذكور، أزاحت صحف موسكو النقاب عن تفاصيل الاتفاقية إثر قيام الثورة الاشتراكية وذلك ضمن الحملات الإعلامية للتنديد بالحكم القيصري وتواطؤ هذا الحكم مع الحكومات الاستعمارية ضد الشعوب.
إنها الذكرى السنوية الأولى لدينا، ومهما تتالت سنوات ذكراها المئوية، فإن شعبنا العربي السوري لن ينسى ما اقترفته فرنسا من جرائم ضد أبنائه ولم تكن تداعياتها بأقل من تداعيات الإبادة الأرمينية على أيدي العثمانيين، في التاريخ المعاصر عموماً.
وبطبيعة الحال، لا بد لأبناء شعبنا العربي السوري في هذه المناسبة، أن يستذكر جريمة السفاح جمال باشا التي نفذها في السادس من شهر أيار من العام نفسه، وساحة المرجة في دمشق شاهدة على ذلك كما ساحة الشهداء في بيروت. وفي الوقت نفسه لن ينسى أحد بيننا الآن وفي كل الأحوال أن الجرائم ستبقى شاهدة على جرائم السفاح العثماني الحالي  رجب طيب أردوغان.
إن التاريخ، كما علمتنا مصادره ومراجعه المحكمة، قلما يغفر لمرتكبي الجرائم ضد الشعوب بدافع إشباع نزعات الاستعمار لديهم وسلب حقوق الشعوب المسالمة في العيش الكريم.
iskandarlouka@yahoo.com