غولان: الأسد باقٍ... وحزب الله كذلك

غولان: الأسد باقٍ... وحزب الله كذلك

الصحف العبرية

الأربعاء، ١٨ سبتمبر ٢٠١٣

ليس أمراً استثنائياً أن يُجري جنرال إسرائيلي مقابلة صحفية، وخصوصاً إذا اقترنت بمناسبة درجت العادة على أن يطل فيها قادة الجيش عبر الإعلام ويحدثون الجمهور بما يريد سماعه. إلا أنّ الإطلالة التي قام بها أمس قائد المنطقة الشمالية، بمناسبة الأعياد اليهودية، لا تخلو من خصوصية ربطاً بحساسية الظروف التي تشهدها المنطقة
مقابلة قائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال، يائير غولان، مع «يديعوت أحرونوت» بدت أشبه بتقدير وضْع فَرَد فيه قراءته التحليلية بوصفه المسؤول المباشر عن الجبهة التي كانت منذ عقود الأكثر سخونة بالنسبة إلى إسرائيل، وتحولت منذ أعوام إلى الأكثر تفجراً وقابليةً للاشتعال.
صحيح أنّ السطر الأخير في هذا التقدير، من وجهة نظر غولان، هو أن «لا أحد من اللاعبين، ولا حتى حزب الله، يرغب في أن يتمدد الجرح السوري»، إلا أن ذلك لا يلغي حقيقة أن خريطة الأوضاع التي رسمها لهذا القسم المشتعل من الشرق الأوسط «متوترة ومعقدة وكثيرة التفاصيل»، على حدّ وصف الصحيفة.
 وبين سوريا وحزب الله وزّع غولان، الذي يشغل منصبه منذ عامين، خلاصاته التقريرية والتحليلية: الأسد باقٍ في السنوات المنظورة، ونظامه بالنسبة إلى إسرائيل أخطر من الجهاديين، برغم أنه مشغول في الحفاظ عليه. إلغاء الهجوم الأميركي ضد سوريا قد يكون «ربّ ضارة نافعة»؛ لأن نتيجته لم تكن معلومة، والاتفاق الأميركي ــ الروسي قد يتحول إلى مهزلة، إن لم يؤد إلى تفكيك الترسانة النووية لدمشق. أما حزب الله، فقد أعلن حالة التأهب إبان الأزمة الكيميائية السورية، وهو مستعد لدفع ثمن دموي على أرض سوريا وليس معنياً بانزلاق الحرب هناك إلى لبنان. والحزب، «المنظمة الجدية»، «يواصل تعاظمه العسكري ولن يتخلى عن ذلك»، ولذلك «على كل من سارع إلى رثائه أن يغير رأيه».
 وفي تحديثٍ لافت للتقديرات الإسرائيلية بشأن عدد صواريخ الحزب، قال غولان إن «حزب الله يمتلك اليوم مئة ألف صاروخ مختلفة الأنواع، أي أكثر من ضعف ما كان يمتلكه في حرب لبنان الثانية. لكن الفارق الكبير هو ليس عدد الصواريخ، وإن كان يمتلك 100 ألف أو 110 آلاف، فالموضوع ليس هنا. الأمر الأساسي اليوم هو أن هذا السلاح متطور. بحسب نظرة حزب الله، هذا السلاح قادر على إنتاج معادلة قوة مختلفة في مواجهة الجيش الإسرائيلي. وهذه المعادلة مبنية على صواريخ بر ـــ بحر وصواريخ أرض ـــ جو وعلى صواريخ دقيقة». وماذا عن رسائل التحذير التي تبعث بها إسرائيل بين الفينة والأخرى، ألا تترك أثراً؟ يجيب غولان: «بإمكان كل هذه التحذيرات أن تعرقل، لكن لا يمكنها منع نقل السلاح. حزب الله لن يتخلى بسهولة عن تعاظمه. ينبغي أن ننظر إلى هذا الصراع مقابل سوريا ـــ حزب الله ــ إيران، بنظرة بعيدة المدى. بنظرة واسعة. أن نرى تأثير الحرب الاقتصادية والعقوبات. لكن علينا ألا نوهم أنفسنا: لا يمكن بنوعٍ كهذا من القتال أن نصل إلى انتصار ساحق، إلا إذا كانت هناك حرب شاملة».

تقديرات الحرب المقبلة

وعن الحرب المقبلة مع الحزب، كيف ستبدو؟ يجيب غولان: «سنرى كل قوة الجيش الإسرائيلي، في البحر، في الجو وفي البر. كلما تحول حزب الله إلى قوة أكثر تطوراً ومهارة، وأصبح يمتلك وسائل قتالية متطورة جداً، سنضطر إلى تفعيل قتال متعدد الأذرع ضده وبكل قوة. أنا مقتنع بأنه قد يبدو الأمر مختلفاً، حتى في عام 2006 كان يمكن أن يكون الوضع مختلفاً. في أي مواجهة مقابل لبنان في المستقبل، سنستخدم كل قوتنا، بلا تنزيلات، وبلا محاولات لتحقيق نصف إنجاز. بدلاً من مناورة مترددة، القليل من الهجمات وشهر من المراوحة، سنرى جيشاً حازماً وحاسماً بكل قوته. لدينا معلومات أفضل بكثير من عام 2006، وعلى مستوى التدريب والثقة بالنفس، يمكننا فعل ذلك. وبلا شك، إن نصر الله يفهم جيداً هذه الأمور. حزب الله يفهم جيداً اليوم أن ليس بإمكانه أن يغامر كما فعل في عام 2005 أو في 2006». وبالتأكيد لا ينسى غولان اللازمة الإسرائيلية المعتمدة منذ سنوات: «بما أن معظم تشكيلات حزب الله موجودة داخل المناطق المبنية في لبنان، فسوف يُدمر قسم كبير من لبنان في أي معركة ضد حزب الله في المستقبل. لا شك في ذلك».
 واستبعد غولان خوض حرب برية مع حزب الله في أية مواجهة قادمة، فـ«أنا لا أرى وضعاً نفتح فيه جبهة قتال ضد حزب الله، ونحن لا نحضر لهذا الخيار. هل هناك احتمال بأن تنتهي حرب كهذه، بعد عدة أيام من الاشتباكات؟ نعم. يمكن أن نقع في وضع ما نتبادل فيه إطلاق النار لمدة ثلاثة أيام، هو سيتلقى ضربات أكثر، نحن سنتلقى ضربات أقل، ولأننا شعب داعية سلام لا نفتش الآن عن إطالة حروبنا، المعركة تنتهي. لكن يجب القول بأمانة: لن يؤدي هذا إلى التغلب على حزب الله. لكن لا جدال في الجيش الإسرائيلي حول الاستعداد. من السليم الاستعداد لتشغل قوة الجيش الإسرائيلي بكل قواته، في البحر، في البر وفي الجو».
 وعما يفعله الحزب في سوريا الآن، يرى الجنرال الإسرائيلي أن «حزب الله مستعد لأن يدفع ثمناً دموياً، لكن على أرض سوريا. بحسب تقديرنا، لديهم هناك نحو 200 قتيل، وربما أكثر. حزب الله سيفعل أي شيء من أجل أن يبقى القتال في سوريا ولا ينزلق إلى لبنان. أنا مقتنع فعلاً بأن حزب الله غير معني بالانضمام (إلى حرب مع سوريا)، فهو لا يسارع إلى الموت في سبيل سوريا، وأكثر من ذلك هو لا يريد أن يخرب لبنان كرمى لسوريا».
 لكن بالرغم من ذلك، يؤكد غولان أن «حزب الله رفع مستوى تأهبه (خلال الأسابيع الأخيرة). لاحظنا ذلك بالتأكيد. هو ليس حركة كشّاف، إنه منظمة جدية. كل من يسارع إلى رثائه عليه أن يغير رأيه. نصر الله قائد يمارس مهماته، ولا أرى هموداً في تأهبه. هو يحرص على تدريب ناشطيه، هو خصم جدي، يخطط بجدية، ولا أنصح بالاستهانة به».

احتمال تدخّل الأسد

وماذا عن احتمال أن يبادر الرئيس السوري بشار الأسد إلى نصرة المقاومة في لبنان إن اندلعت حرب بينها وبين إسرائيل؟ يرى غولان أن «الجبهات أصبحت مترابطة في ما بينها. حزب الله يقتل على الأرض السورية، ولا أمل في ألّا يساعده الأسد. هناك علاقات قوية. هو ملزم أمامه، وكلاهما ملزمان أمام إيران. العلاقات بين مكونات «محور الشر» توثقت. كانوا ذات مرة منفصلين، أما اليوم فالمعركة واحدة». وعمّا إذا كان الحزب مهتماً بالحصول على سلاح كيميائي من سوريا، يجيب غولان: «ما دامت يدنا قادرة، فهو لا يريد».
 وعن مصير الرئيس السوري، يعرب غولان عن اعتقاده بأنه «سيبقى لسنوات إضافية. لست أرى قوة بإمكانها إسقاطه غداً صباحاً. برغم أنه يجب أن يرحل عن العالم، وكلما كان ذلك أسرع يكون أفضل». ورداً على سؤال عن القلق الذي يثيره الجهاد العالمي بديلاً من الأسد في سوريا، يجيب غولان: «الأمر مقلق بالتأكيد، إلا أن علينا أن ندرك من هو العدو السيئ والعدو الأسوأ. الجهاد العالمي هو عدو سيئ، إلا أنه متخلف نسبياً ولا يحظى بدعم دولة عظمى إقليمية. العدو السوري، مع حزب الله وبالطبع مع دولة عظمى إقليمية مثل إيران في ظهرهما هو عدو أكبر خطراً بكثير من كل جهات الجهاد العالمي. إن الأسلحة الصاروخية بيد الأسد، مع وجود إيراني قوي على حدودنا تماماً، هي برأيي أكثر سوءاً من كل الجهاد العالمي».
 وبرأي غولان، إن الاتفاق الروسي ـــ الأميركي بشأن الأسلحة الكيميائية السورية «قد يكون ربّ ضارة نافعة. فنتيجة عملية عسكرية ضد سوريا غير معلومة. لن نعلم ما الذي دُمِّر بالضبط وماذا كانت الأضرار على المدنيين، لذلك إذا كانت هذه التسوية ناجحة وأدت إلى تفكيك السلاح الكيميائي، فهذا إنجاز. وإذا لم يحصل ذلك، فإنه ليس إنجازاً، بل قد يتحول إلى مهزلة».
 ويشدد غولان على أنّ إسرائيل لم تكن «للحظة واحدة تحت التهديد الكيميائي» خلال الأزمة الأخيرة، أما عن احتمال أن تتعرض إسرائيل لهجوم تقليدي «فلم يكن كبيراً، لكنه لم يكن صفراً، وقد استعددنا بشكل مسؤول. لم نفرط في استعدادنا، لم نجند الاحتياط بحجم كبير، اتخذنا خطوات حذرة في مجال الدفاع الجوي، وفي مجال التشكيلات النارية، في مزيج متوازن قياساً إلى التهديد المحتمل. إلا أن الاحتمال كان منخفضاً جداً جداً جداً». والسبب لذلك هو أن «قدرتنا الردعية في مقابل سوريا مستقرة وقوية. والأسد اليوم مشغول بشكل رئيسي بالبقاء... وإن كان قادراً على الامتناع عن حرب مع إسرائيل فسيفعل ذلك. وهذا صحيح أيضاً بالنسبة إلى نصر الله. أنا لا أنصحهم بأن يجربونا».
 يضيف: «بإمكان الأسد أن يلحق بنا أضراراً، ويمكنه أن يزعجنا جداً، إلا أنه غير قادر اليوم على إدارة معركة برية جدية ضد دولة إسرائيل. الجيش البري السوري مشغول جميعه بقمع أعمال الشغب. لقد فقد 15 ألف جندي قتلاً، وجزء لا بأس به من مخازن الذخيرة الخاصة به دُمِّر. سلاح الجو تعرض لعدد من الضربات، وقد رمى نحو 40 إلى 50 بالمئة من مجمل ترسانته الصاروخية للمديات البعيدة التي كانت مخصصة لنا. حتى من ناحية بطاريات صواريخ أرض ــ جو بعضها سقط في أيدي المتمردين. لم يعد ذلك الجيش الهجومي كما كان خلال حرب يوم الغفران قبل أربعين عاماً. لا شك في أن جزءاً من منظوماته الاستراتيجية تضررت جداً. الجيش السوري اليوم هو أقل كفاءة بكثير مما كان عليه، ولذلك لا أعتقد أن سوريا اليوم قادرة على إلحاق ضرر بإسرائيل باستثناء الضرر الناجم عن النيران الصاروخية الواسعة النطاق. السيناريو الوحيد الذي أرى فيه الأسد يخرج ضد إسرائيل هو إذا شعر بأن عدم الرد، لسبب أو لآخر، سيؤدي إلى ضرر أكبر من الرد».