كواليس المفاوضات المعقدة في صفقة شاليت

كواليس المفاوضات المعقدة في صفقة شاليت

الصحف العبرية

السبت، ٢٢ أكتوبر ٢٠١١

عرض محرر الشؤون الأمنية في صحيفة «يديعوت أحرونوت» رونين بيرغمان ما أسماه «ملخص الأحداث» للمفاوضات بين إسرائيل وحماس من أجل تبادل الأسرى والقنوات، والمراحل التي مرت قبل إبرام الصفقة.
وأشار إلى أن الإفراج عن جلعاد شاليت بدا قريباً جداً، في منتصف كانون الثاني الماضي عندما صاغ الوسيط الالماني غيرهارد كونراد مسودة الاتفاق الثالثة التي كتبها وقدمها الى حماس مرفقة بإنذار: التوقيع حتى مطلع شباط أو اعتزال الوساطة. ولكن تطوراً دراماتيكياً جداً غير قواعد اللعب ألا وهو الثورة في مصر.
ويشير بيرغمان إلى أنه لو لم يسقط نظام حسني مبارك لأُفرج عن جلعاد شاليت في شباط كما يبدو. وأوضح أن الصفقة أبرمت في النهاية من غير الاستخبارات الالمانية ـ ولكن استناداً للوثيقة التي سلمها كونراد إلى الطرفين في مطلع العام. غير أن الصفقة أبرمت آخر المطاف بفضل ناشط السلام الاسرائيلي غرشون باسكن مع غازي حامد من حماس.
في الأشهر الأولى بعد أسر شاليت، توسط المصريون بين اسرائيل وحماس. في هذه الاتصالات تم الاتفاق على مخطط الصفقة وهو إفراج اسرائيل عن 450 أسيراً لحماس في قائمة يتفق عليها الطرفان. وفي الدفعة الثانية، بعد الإفراج عن شاليت، تفرج اسرائيل عن 550 أسيراً آخر تحددهم على نحو حصري. وأصرت اسرائيل على أن تسلم حماس القائمة الاولى. مسؤولو حماس قدموا جميع الاسماء الثقيلة، ومنذ ذلك الحين قيدوا اسرائيل وأنفسهم بهذه القائمة التي لم يستطيعوا النكوص عنها الى ما قبل اسبوع.
الموساد و«الشاباك» يعارضان
في آذار 2009 نجح المصريون في جلب اسرائيل وحماس الى القاهرة وطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت من رئيس «الشاباك» في حينه، يوفال ديسكن، الانضمام الى عوفر ديكل المسؤول عن موضوع شاليت في المحادثات، وأصرّت حماس على الإفراج عن مسؤولين كبار كُثر. في حينه عارضت الاستخبارات وعلى رأسها رئيس «الشاباك» آنذاك ورئيس الموساد مئير دغان حتى نهاية عملهما في العام 2011 صفقة الإطلاق.
واحتار أولمرت، وأجرى مشاورات مع اصدقاء ومسؤولين كبار. وفي نهاية المطاف لم يتم التوقيع على الصفقة.
لقاء حاسم في برلين
بعد تبدل الحكم في اسرائيل خرج حجاي هداس الذي عينه نتنياهو، الى برلين مع مسؤولين كبار من الموساد للقاء رئيس جهاز «بي.ان.دي» آرنست اورلاو. وحمل هداس رسالة من نتنياهو يطلب رسمياً ان تتولى «بي.ان.دي» عامة، وغرهارد كونراد خاصة، مسؤولية الوساطة مرة اخرى. استُدعي كونراد الى اللقاء وبعدما مورست عليه ضغوط كبيرة وافق على قبول المهمة.
كان لكونراد شروط عدة، وهي ان يكون واضحاً انه لن يستطيع ان يخصص وقته كله كما في المرة السابقة، بسبب التزامات شخصية، وان تقبله اسرائيل وحماس ايضا بصفته وسيطاً، ولا يقل أهمية عن ذلك، سرية كاملة لاسم وصورة ومشاركة رجل استخبارات المانية في المسيرة، وأعلن اورلاو ان المانيا تلتزم بصورة كاملة قضية شاليت وانها ستخصص لذلك جميع الموارد المطلوبة بلا حدود.
المصريون لم يتقبلوا بفرح هذا التطور. بعد شهرين من ذلك كشف مبارك الذي شعر بالإهانة في مقابلة تلفزيونية عن المشاركة الالمانية التي كان يفترض ان تظل سرية. منذ ذلك الحين وفي تفاوض محموم، تم في تنقل على توالٍ احياناً كل يوم بين تل ابيب وغزة، تقدم كونراد سريعاً في حبك الصفقة. وقد كان متفائلاً في تموز وقال لنظرائه في برلين انه يأمل أن يوقع «قبل عيد الميلاد»، أي حتى نهاية سنة 2009.
طلب حجاي هداس من الوسيط كونراد برهاناً على ان شاليت حي معافى، بشريط فيديو اذا أمكن. وقد صاغ الوسيط الصفقة: وفي اطارها سيشاهد الشريط المسجل بعد ذلك تنقل اسرائيل 20 أسيرة «خفيفة» وبعد ذلك يُنقل الشريط المسجل الى اسرائيل بوساطة الوسيط.
تمت الصفقة. وصل الشريط المسجل وظهر شاليت فيه في وضع أفضل من المتوقع. وكانت تلك اشارة ايجابية الى الصفقة التي ستوقع في الحال.
وفي الحقيقة فإن الفروق في المحادثات بين كونراد وحجاي هداس في تل ابيب ومحمود الزهار المسؤول من قبل حماس في غزة أخذت تضيق. وزع الوسيط قائمة الـ 450 التي قدمتها حماس في حينه الى مصر في ثلاث مجموعات: المتفق بشأنهم، و«الإشكاليين»، ممن اعتقد انه سينجح في اقناع اسرائيل بأكثرهم، واولئك الذين لا يحتمل البتة ان توافق اسرائيل على الإفراج عنهم والذين أسماهم مجموعة الـ«في.آي.بي» بالنسبة للاسماء في المجموعة الثالثة، طُلب الى حماس ان تأتي بأسماء بديلة.
بدا كل شيء ايجابياً جداً. في تشرين الثاني بدأوا في الاستخبارات الاسرائيلية يلاحظون فروقاً داخل حماس. كل الاشارات التي كانت أكثر اقلاقاً كانت في الطرف الاسرائيلي خاصة. نجح حجاي هداس في بداية طريقه نجاحاً رائعاً في عمله. فقد نجح في تقويم العلاقات بالوسيط الالماني. وكان يبدو للحظة ان الصفقة توشك ان تتم وبدأوا في وزارة العدل يُعدون ملفات العفو التي ستُقدم للرئيس شمعون بيريز. قبل يوم من «عيد الميلاد» قُدم اقتراح مكتوب من قبل الوسيط الالماني ليوقع عليه الطرفان... وآنذاك في كانون الاول 2009 انهار كل شيء.
صفقة ممكنة وتفجير
يُبين تحليل متأخر أن حجاي هداس تابع التفاوض من النقطة التي وقف فيها في آذار عام 2009. وقد جرى هداس الى الأمام مع التفاوض الذي نضج لما أصبح يبدو صفقة ممكنة التوقيع قُبيل نهاية السنة الميلادية.
في العلاقات الخاصة الجيدة جدا ًالتي نشأت بين المنسق هداس وبين الوسيط الالماني تقدم هداس في التفاوض وهو يعمل باسم نتنياهو. في هذه المرحلة كان الفرق بين الطرفين ضئيلاً جداً (15 ـ 20 إسما)، بل وجدت دولة خليجية مستعدة لاستيعاب عدد من المفرج عنهم اتُفق على ألا يُطلقوا «الى داخل الميدان».
آنذاك رفض نتنياهو ما عُرض عليه من حجم تنازلات اسرائيل بل نشأ جدل حاد بينه وبين هداس. جمع نتنياهو المجلس الوزاري المصغر (حلقة السباعية) لنقاش ماراثوني أجاز فيه اقتراحاً جديداً تماماً أكثر تشدداً من الذي صاغه كونراد وهداس وأمضاه بأكثرية ستة مقابل واحد (هو بني بيغن الذي يعارض أي دفع عن مخطوفين).
وعاد حجاي هداس الى المنسق الالماني وقد تراجع في واقع الامر عن الاتفاقات التي تمّ إحرازها من قبل. وعرض موقفاً أكثر تشدداً من الصفقة، يشتمل على شروط اسرائيل الاخيرة وفي مقدمتها «تنظيف» القائمة من أكثر الاسماء الثقيلة. وأمر نتنياهو هداس بوقف التفاوض ورؤية الصفقة التي اقترحها شرطاً نهائياً لن يكون بعده مصالحة اخرى.
في كانون الثاني عام 2010 نقل كونراد باسم اسرائيل الى حماس تنازلات اخرى عن اقتراح نتنياهو «الاخير» ولا سيما ما يتعلق بالافراج عن نساء. لكن حماس رأت هذه التنازلات «تجميلية فقط» وظلت المنظمة على صمتها ولم يصدر عنها جواب نهائي عن الاقتراح.
2010 ـ بلا تقدم
أحدث انهيار التفاوض سلسلة ازمات اخرى، لا في اسرائيل وحدها. ففي داخل حماس تمّ اتهام محمود الزهار بأنه أصبح «غربياً» جداً، بسبب علاقاته الطيبة مع كونراد، وبأنه أدار الامور بصورة مختلة، بإحداثه تفاؤلاً مفرطاً.
نُحي الزهار جانباً وسيطر رجال احمد الجعبري سيطرة مطلقة على التفاوض وحينما تبين انه لا يمكن التوصل، في ذلك الوقت على الأقل الى صفقة بين الطرفين، استقر الرأي في الاستخبارات الالمانية على ألا ينهي كونراد عمله وان يتابعه بين فينة واخرى.
وهكذا انقضى أغلب سنة 2010 من غير تقدّم ما. في تشرين الاول فقط استقر رأي كونراد على أن يضغط ضغطاً آخر. جاء الى غزة حيث تحدث محمود الزهار معه بإلحاح عن طموحه الى انهاء القضية واتمام صفقة. مع ذلك أكد الزهار ان رأي الجعبري في هذا الشأن يؤثر في قيادة حماس أن لا تعطي جواباً ايجابياً عن الاقتراح الإسرائيلي «الاخير».
بمساعدة فرنسا وتركيا
جنّد كونراد فرنسا (شاليت مواطن فرنسي) وتركيا للمساعدة في الجهود. بل انه حاول ان يجند دولة مهمة في الخليج، لكنها رفضت المشاركة. أحرزت جميع هذه الجهود النتيجة العكسية بالضبط. فقد كانت يد الجعبري في حماس هي العليا ونشر اعلانات من قبله لم ترفض مخطط شباط فقط بل اتهمت كونراد ايضاً بأنه يخدم اسرائيل وبأنه ليس وسيطاً نزيهاً.
وعلى خلفية الطريق المسدود المطلق الذي دُفع التفاوض اليه، استقر رأي الوسيط حجاي هداس على الاستقالة. وعلى شفا التوقيع على الصفقة في مصر أبلغه فريق شاليت آخر المستجدات. وردّ هداس باستغراب وبغير قليل من خيبة الأمل وقال إن نتنياهو قال له في الامور المتفق عليها الآن بالضبط إنه لن يهادن أبداً.
تولى العمل بدل هداس دافيد ميدان الذي كان في السابق رئيس «تيفل»، وهي شعبة العلاقات الخارجية التابعة للموساد والذي أعارته المنظمة لديوان رئيس الحكومة. وآنذاك حدث غير المتوقع الذي أفضى الى الصفقة آخر الامر. فقد أُغرق هداس وبعد ذلك ميدان باقتراحات جهات مختلفة ونشطاء منظمات غير حكومية مختلفة من البلاد والعالم أرادوا المساعدة في الوساطة.
وجاء ناشط السلام الاسرائيلي غرشون باسكن للقاء مع ميدان الذي اعتقد في البدء انه واحد آخر من تلك الحالات التي سيتبين انها ضجيج لكن استقر رأيه على المحاولة. وقد زعم باسكن أنه انشأ علاقة طويلة وعميقة تعتمد على الثقة بغازي حمد من حماس وأنه يمكن بهذه العلاقة نقل رسائل الى الجعبري.
واستقرّ رأي ميدان على أن يجرّب. نقل رسائل عدة في القناة الجديدة. وجندت جماعة الاستخبارات الاسرائيلية موارد كثيرة بينت ان قناة الاتصال ثقة ودقيقة: فالرسائل الى باسكن تُنقل بحرفيتها من ميدان الى حماس وهو لا «يجمّلها» وينقلها حمد نقلاً دقيقاً الى قيادة حماس.
بعدما تبين ان القناة ثقة طلب ميدان الى باسكن ان ينقل الى حمد ان ينقل الى الجعبري ان اسرائيل مستعدة لبدء التفاوض من جديد. ولعدم التعقيد وعدم البدء من جديد، سيقوم الاتفاق على مخطط شباط عام 2011. فليتفضل السيد الجعبري وليقل ما الذي يريد أن يغيره في هذا المخطط، وهكذا سترى اسرائيل هل يوجد ما يُتحدث فيه. «وقُل لحامد أن يكتبوا شيئاً ما منطقياً وإلا فلا داعي لكل هذا»، أضاف ميدان.
وثيقة جديدة ومفاجأة
مضى باسكن وعاد بعد اسبوع مع وثيقة مكتوبة. وفوجئوا في اسرائيل. فقد وافقت حماس على عدم بدء كل شيء من جديد، وكان الشذوذ عن مخطط شباط أقل تطرفاً من المتوقع. كان يبدو انه يوجد ما يُتحدث فيه. وقال ميدان لنتنياهو: «هذه مطالب غير سهلة، لكن يمكن بدء العمل».
من هذه النقطة طلب ميدان التحول الى تفاوض رسمي بين الطرفين يتم تحت مظلة دولة ثالثة. وخلص الى استنتاج ان اسرائيل تحتاج الى مصر أو تركيا. وفي النهاية وقع الاتفاق على مصر التي لم تتحمس لمشاركة تركية.
تمّت الجولة الأولى في القاهرة في النصف الثاني من أيلول. وتمت الجولة الثانية بين 4 ـ 6 تشرين الاول وتمت اللقاءات الاخيرة خلال الاسبوعين الاخيرين، حتى الاتفاق على الصفقة في الجلسة يوم الخميس قبل اسبوعين.
ضغط مصري ثقيل
لكن المصريين فاجأوا في نقطة اخرى. فهم لم يضغطوا على حماس ولم يستغلوا تأثيرهم في قادتها فحسب بل استعملوا ضغوطاً بعضها عنيف، من أجل المصالحة في نقاط الاختلاف المركزية. وقد وجدت اسرائيل لواحدة منها حلاً ممتازاً من جهتها: فقد تبين انه يمكن الافراج عن «عرب إسرائيليين» طاعنين في السن جداً، بصورة ترضي حماس. ويكون هذا في ظاهر الأمر خرقاً لخط احمر بالنسبة لنتنياهو، لكنه لا يكون في الحقيقة خطراً أمنياً.
وفي مقابل هذا بُدل رئيسا الموساد و«الشاباك» دغان وديسكن اللذان عارضا الصفقة وحل محلهما تمير بردو ويورام كوهين اللذان وافقا على الصفقة. بل ان كوهين كان مشاركا في صوغها في المرحلة الاخيرة من التفاوض في القاهرة.
مهما يكن الأمر فإن أبطال الساعة هم الوسطاء المصريون الذين برهنوا على مثابرة منقطعة النظير وكانوا مثالاً، بلغة الوسيط ميدان في أحاديث مغلقة على ان «التعب هو دلال».