جنيف2: فشل الى فشل ومن السيء الى الأسوأ، فماذا بعد؟

جنيف2: فشل الى فشل ومن السيء الى الأسوأ، فماذا بعد؟

مؤتمر جنيف 2

الخميس، ١٣ فبراير ٢٠١٤

مشهد مثير للقلق على الساحة الدولية بعد الفوضى العارمة التي شهدتها سورية منذ قرابة ثلاثة أعوام، أعمال عنف وقصف، فضلاً عن معارك بين مسلحين ومعارضين والجيش النظامي بعد أن تغيبت الحلول السياسية، وتبادل كل منهما المسؤولية عن الأحداث وعرقلة الحل السياسي في وقت يسقط فيه المزيد من الضحايا يومياً، فمظاهر القتل والعنف فيها وصلت الى أعلى درجاتها حيث تجاوزت كل الأعراف وتقاليد الحروب في المجتمعات الإنسانية، وهنا لا بد للاعبين الإقليميين والدوليين التقارب والإتفاق حول الآليات التي تؤدي الى الخروج من تلك الازمة، لإيصال سورية الى بر الأمان، ووقف إراقة الدماء والحفاظ على وحدة سورية وتعددية مجتمعها، وتحقيق الطموحات المشروعة للشعب السوري.
واليوم يستأنف كل من وفدي النظام السوري والمعارضة في جنيف بوساطة مبعوث الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي محادثاتهما غير المباشرة في إطار الجولة الثانية من مفاوضات مؤتمر “جنيف2″ بعد إستراحة إستمرت أسبوعاً، وتعتبر هذه المحادثات التي أستأنفت بدافع من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا أبرز تحرك دولي يجري حتى الآن لإنهاء الحرب في سورية، كونها تهدف إلى إنهاء الصراع السوري والتعامل مع القضايا الرئيسية الخاصة بوقف العنف بكل أشكاله وإدخال المساعدات الإنسانية بأسرع وقت ممكن والحفاظ على مؤسسات الدولة وإقامة كيان حكومي إنتقالي وكذلك الخطط الخاصة بالمؤسسات والمصالحة، كل ذلك جاء في وثيقة وجهها الإبراهيمي لطرفي الصراع السوري.
وفيما شدد الوفد الرسمي السوري على أولوية “مكافحة الإرهاب”، طالب الوفد المعارض بالبحث في “هيئة الحكم الإنتقالية” وتعتبر المعارضة أن نقل الصلاحيات يعني تنحي الرئيس السوري بشار الأسد، وهو ما يرفض النظام التطرق إليه، مؤكداً أن مصير الرئيس يقرره الشعب السوري من خلال صناديق الإقتراع، وفي وقت سابق، أكد وزير الإعلام السوري إن أي قرار قد ينجم عن “جنيف2″ سيعرض على الإستفتاء الشعبي العام، وفي محاولة لحسر الهوة الواسعة بين الجانبين إقترحت موسكو مشاركة روسية أمريكية في المحادثات كمحاولة لتشجيع طرفي الأزمة على البحث في القضايا الجوهرية، وقد وافقت الولايات المتحدة على الإقتراح لكن مصادر في المؤتمر أعربت عن خشيتها من أن تشكل المشاركة الروسية الأمريكية المباشرة مزيداً من الخلاف ونقل عدوى المراوحة إلى راعيي المؤتمر، وأوضحت أن الأفضل أن يبقى الروس والأمريكان على مقربة وأن يحاولا تمرير رسائل لحليفيهما بدل المشاركة المباشرة في هذا المؤتمر.
فالإشكالية الحقيقية هنا تتمثل في إستمرار الصراع المسلح من جهة، وتشابك القوى الإقليمية والدولية من جهة أخرى، أي أن الحل في سورية لم يعد شأناً داخلياً للسوريين وحدهم، بل باتت تشاركهم فيه قوى إقليمية ودولية تتصارع على الأراضي السورية بالوكالة، وهذه الأطراف لها أعداد من المقاتلين المحليين أو من يسمون أنفسهم بالجهاديين، وجميعها قوى باتت تبتعد عن الهدف الأساسي الذي خرج من أجله قسم كبير من الشعب، باحثين عن الحرية والديمقراطية والعيش الآمن.
وفي سياق ذلك يمكنني الإعتقاد بأن المفاوضات الحالية عقيمة وغير مجدية، وذلك لغياب الأرضية العملية والجوامع المشتركة، وخاصة برفض كل من المعارضة والنظام السوري الإعتراف بشرعية الطرف الآخر، والغرق في تفاصيل وقضايا إنسانية، كالممرات الآمنة ورفع الحصار، ومع أهمية هذه المحاور إلا أنها لم تكن هي المرجعية والهدف الرئيسي للتفاوض في “جنيف”2، كما أن راعيي المؤتمر، وهما الولايات المتحدة وروسيا أظهرا تبايناً وخلافات في مواقفهما تجاه الأزمة السورية، وفي قراءتهما لسقف أهداف “جنيف”2، وحول من المتسبب فيما يجري في سوريا، وكذلك غياب إيران الحليفة رقم واحد لسوريا في هذه المباحثات، وبالتالي فإن وجود إيران خارج دائرة المباحثات، يقضي على كل الحوافز من أجل بذل الجهود لنجاح إجتماع جنيف حول سوريا، حيث طالبت بالمشاركة من غير شروط مسبقة، وقد ساهم الغياب الإيراني في فشل المفاوضات وهذا ما يجعل إيران رابحاً ومستفيداً من فشل جنيف2 بسبب عدم مشاركتها وعدم ضغطها على نظام الأسد، ما قد يدفع الأطراف المعنية للعودة إلى إيران، ويمكن أن تطلب منها المشاركة أو الإستئناس برأيها وهي التي تسعى على الدوام للعب دور الوسيط الذي يقدم نفسه كمرجعية لحل أزمات الشرق الأوسط.
فالمتتبع لتطورات الملف التفاوضي يرى أن الجولة الجديدة من المفاوضات لن تحرز أي تقدم يُذكر إلا أن جهوداً ستبذل من قبل المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة من أجل المضي قدماً في بحث الملفات كافة وإستكشاف النقاط التي يمكن إحراز أي تقدم فيها، وفي ضوء الإختلاف حول الأولويات، يسعى المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي إلى إيجاد مساحة مشتركة بين وفدي النظام والمعارضة عبر الإنطلاق في مباحثات تتضمّن بشكل موازٍ موضوعي تشكيل “هيئة حكم انتقالية” و”مكافحة الإرهاب، في وقت طالب فيها الإئتلاف بتشكيل هيئة حكم انتقالية لوقف العنف في سورية، أبدى النظام استعداده لبحث مسألة هيئة الحكم الانتقالية وفق بيان “جنيف1″ شرط معالجة بنوده بالتدرّج.
فسبيل حل الأزمة السورية عند الإدارة الأمريكية أن تبقى أزمة ليتم إستخدامها في التهديدات والتحذيرات من الإرهاب وبناء تحالفات سياسية جديدة وإعطاء إسرائيل الوقت الكافي لكي تختبر الحقائق على الأرض، وهنا يمكنني القول، إن سياسة اللاحسم التي تمارسها واشنطن، تعكس سياسة مقصودة منها لإغراق الجميع في الوحول التي صنعتها أيدي اللاعبين الدوليين والإقليميين وغير الإقليميين داخل سوريا، غير أن المشكلة الرئيسية تكمن في أنها تأتي على حساب الشعب السوري ومن حسابه نفسه.
لا أتوقع أن يساعد المؤتمر الدولي المقرر حول سورية، في وضع نهاية لنحو ثلاث سنوات من القتال في البلاد، بمعنى ليس من المرجح التوصل إلى حل شامل للأزمة السورية في مؤتمر “جنيف2″ وذلك بسبب الإختلاف الكبير في وجهات النظر بين أطراف النزاع، وبتقديري حل مثل هذه المشكلة المعقدة سوف يكون صعباً وغير كافياً من خلال مؤتمر واحد، ولا يمكن تسميته إلا خطوة هامة في هذا الإتجاه، فالمعارضة السورية تحاول كسب الإعتراف والشرعية من المجتمع الدولي، ولكن يبدو أن هذا الأمر شبه مستحيل في ظل حالة التجزئة التي تعيشها كما أن الإعتماد على الرعاة الخارجيين المتنوعين يزيدهم ويعمق الإنشقاقات فيما بينهم، ويمكن إعتبار عدم وجود قوة إقليمية قوية مثل إيران في هذه المفاوضات واحدة من سلبيات هذا المؤتمر.

وأخيراً أختم مقالتي بالقول إن مؤتمر “جنيف”2 حول الأزمة السورية بين وفدي النظام السوري من جهة والمعارضة التي تبقى مجزأة ومتشرذمة وزادتها مخاضات الأزمة شقاقاً وفرقة من جهة أخرى، سينتهي الى فشل المفاوضات في ظل المعطيات الحالية، فليس هناك إختراق ممكن بل على العكس تماما، أظن إن جنيف بالمعطيات الحالية سينتهي الى فشل، ولكن المسألة الأساسية في هذا الموضوع هو أي طرف سيعلن فشل جنيف2، فالحل ليس في دمشق ولا في إسطنبول مقر المعارضة، بل في عواصم صنع القرار الدولي كواشنطن وموسكو وطهران بالدرجة الأولى، فالحل إذن يبدأ من تلك العواصم وليس في إضاعة الوقت في الفرص في مؤتمرات ولقاءات عقيمة وفاشلة في نفس الوقت.