الرقص بالخناجر على ضفاف البحيرة

الرقص بالخناجر على ضفاف البحيرة

مؤتمر جنيف 2

الثلاثاء، ١١ فبراير ٢٠١٤

لكأنه الرقص بالخناجر على ضفاف البحيرة. بحيرة ليمان كما تعلمون…
أليس هذا ما تشي به كل المواقف، وكل التوصفيات، التي تناهت الينا عشية، وغداة، استئناف محادثات جنيف-2؟ ايران ليست هناك، والمملكة العربية السعودية تدفع بالملف الى الجمعية العمومية للامم المتحدة، في هذا الوقت بالذات، للاستحصال على قرار او توصية لا معنى لها، اذا ما اخذنا بالاعتبار وصف ادوار سعيد للجمعية العامة بـ«حائط المبكى»..
هنا البكاء باللغة العربية لا باللغة العبرية، وحيث يقال انه بالامكان شراء بعض المندويين بعلبة سيكار او حتى بعلبة سكائر. هذه الخطوة بالذات تعني ان الهوة لا تزال الهوة. لماذا الاصرار على ان نردمها بالجثث؟ لا احد يقول بأن نردمها- ونحن العرب الاشاوس-بالورود، لكن زبغينو بريجنسكي الذي نعتقد انه لا يرى الامور من ثقب الباب يعتبر ان الازمة السورية اذا ما استمرت هكذا، في ذلك الايقاع الهيستيري ،فقد تؤدي الى تقويض الشرق الاوسط و ربما ما وراء الشرق الاوسط.
الكوميديا السوداء استؤنفت على ضفاف البحيرة. محمد الماغوط ليس هناك ليكتب عن ذاك البدوي العتيق، الحافي القدمين، الذي يدعى الدهر. الدهر حين يكون على شاكلة تأبط شراً، وقدماه، بحسب الماغوط، تنطقان بالعربية الفصحى.
يعرف السيد سيرغي لافروف ان الحاخامات في الكونغرس اخذوا علماً بأن واشنطن باشرت بارسال اسلحة نوعية الى المعارضة، بما في ذلك الجبهة الاسلامية لتكون نسخة منقحة عن «جبهة النصرة»، وبالتالي عن تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق و الشام» والآن لبنان ايضا…
قد يكون السبب تقاطع اللوبي العربي مع اللوبي اليهودي. السناتور جون ماكين والسناتور لندسي غراهام ابلغا جهة عربية بأنهما سيضغطان على باراك اوباما والى حد خنقه، من خلال الاستنزاف المنهجي للبيت الابيض في مسألة سقف الدين العام بعدما انتهت في 7 شباط الجاري مهلة الاتفاق حول التعليق الموقت للحد الادنى المسموح به قانونا للحكومة الفديرالية للاقتراض.
اوباما طلب رفع السقف الذي ناهز الـ 17.3 تريليون دولار لكي تتمكن الدولة من الاستدانة، وبالتالي الايفاء بالتزاماتها، والا ستكون الادارة امام الافلاس. وبعبارة اخرى، فإن الكونغرس الذي يتشبث بفرض عقوبات على ايران، متجاوزا اتفاقها مع السداسية الدولية والذي يميل الى منطق الضربة العسكرية لا لازالة النظام وانما لازالة سوريا، يتعامل او يلاعب نقاط الضعف الاكثر حساسية في الادارة، وربما انسحبت هذه اللعبة الخطيرة، والضاغطة، على السنوات الثلاث المتبقية من الولاية الثانية، وبالتالي وقف الديناميكية الديبلوماسية، وحتى الاستراتيجية، لاوباما بانتظار الانتخابات الرئاسية المقبلة حيث يؤتى برئيس يتقن قرع الطبول لا القاء المواعظ في قداس الاحد، كما كتب روجر كوهين الذي وصف الرئيس الاسود بـ«اللطخة السوداء» في المسار التاريخي للامبراطورية.
الضحية دائما سوريا (والسوريون). احمد الجربا يريد حتى تحديد هوية رئيس الوفد السوري. لم يعجبه وليد المعلم، مع ان الرجل ديبلوماسي ولم تتلطخ يداه بالدماء، ولم يعرف عنه، برأي الاميركيين انفسهم، وكان سفيرا لبلاده في واشنطن، انه يتقن المحاباة. لديه قناعاته حول السيناريو الذي اعد لسوريا، وهو ابن العائلة الدمشقية العريقة. الجربا يريد فاروق الشرع لانه «يتمتع بالصدقية». ليقل لنا احدكم ما هو معيار الصدقية في الحالة الراهنة، ودون ان نذهب اكثر في التفصيل حتى لا نخدش اذني احد…
هل بات خافيا علينا جميعا ان الصراع هو حول من يضع يده على سوريا؟ عاد رجب طيب اردوغان الى المصطلحات البهلوانية إياها فيما بلاده تندفع اكثر فاكثر نحو الضبابية وربما نحو الفوضى، بعدما شرّع ابوابه، ودون طائل، امام تلك الظواهر الهمجية التي بدا كما لو انها هبطت للتو من كوكب اخر او من زمن اخر. اما بنيامين نتنياهو الذي افاد من نصيحة هنري كيسنجر له بأن يستثمر الى ابعد مدى الازمة السورية، فإن حلمه الاستراتيجي هو تفتيت سوريا. اللوبي اليهودي يعمل في هذا الاتجاه. يا للغرابة حين يتقاطع هنا مع اللوبي العربي الذي ادار ظهره كليا للقضية الفلسطينية لتغدو قضيته الوحيدة اسقاط… فلاديمير بوتين؟ صدقوا او لا تصدقوا..
محادثات الحلقة المفرغة في جنيف. حتى الوقت الضائع يتم ملؤه بالجثث، وان قيل ان القطبين يريدان ملأه بالكلام. مرة اخرى على طريقة بديع الزمان الهمذاني، فيما نسمع احدهم في تونس يقترح دستورا في سوريا على غرار الدستور التونسي الذي قد يكون مثاليا في هذه الادغال العربية، ولكن من قال ان الذين يدفعون بالصراع في سوريا يرغبون في اقامة دولة ديمقراطية هناك، وتنتقل عدواها، بالضرورة. الى كهوف المشرق العربي التي هي اكثر انغلاقا من كهوف تورا بورا؟..
تونس نموذج اخر. صحيح ان الحبيب بو رقيبة الذي رشقناه ذات يوم بالبيض والبندورة لانه قال بتسوية سلمية لازمة المنطقة، اخذ الكثير من ملامح كيم ايل سونغ حين اعتبر ان الالطاف الالهية شفته من مرض المّ به لكي يقود بلاده. لكنه الرجل الذي ارسى قواعد للعلمانية لا تزال آثارها ماثلة حتى اليوم، وان كنا نسمع من اصدقاء تونسيين ان المثقفين هناك تأثروا بالديكارتية الفرنسية، ولم يأخذوا البتة بفتاوى ابن تيمية، ولا بالعدوى القبلية التي لا تزال احدى العلل الاساسية في العقل العربي، حتى وان كانت تغريبة بني هلال (وابو زيد الهلالي) لا تنفك تلعب بلاوعينا..
فقط نستذكر بو رقيبة وهو يقول لرئيس تحرير «جون افريك» اثر جولة في المشرق ان العرب يصرون على البقاء «فقاعات تاريخية» في عالم يرمي بالتاريخ الى قاع التاريخ، فما الذي يجري على ضفاف البحيرة سوى استعادة فظة، وقاتلة، للاوعي الطائفي والمذهبي والقبلي الذي يستوطن وجوهنا، لتدور المحادثات حول نفسها ريثما يتغير الواقع على الارض، ودائما عبر تلك اللعبة العبثية مع العدم، وريثما تتبلور قواعد النظام العالمي الجديد وعبر اللعبة إياها..
حقا لا ندري لماذا تعقد المفاوضات هناك وحول ماذا عندما تكون الهوة هائلة الى هذا الحد، وتفتح الحدود التركية امام الاسلحة النوعية. اسلحة نوعية في يد البرابرة. هل اتضحت المعادلة؟ أمِن اجل تغطية كل هذا رقصة الخناجر على ضفاف البحيرة؟!