من جنيف 3 الى دمشق1 وإلا فهي الحرب

من جنيف 3 الى دمشق1 وإلا فهي الحرب

مؤتمر جنيف 2

الاثنين، ٣ فبراير ٢٠١٤

يستغفل نفسه من يتوهم أن الولايات المتحدة، يوجد شيء ما في سياستها الخارجية، عنوانه حقوق الشعوب وبالأخص منها العربية، ولعله يكون جاهلا أومتجاهلا،للتاريخ المعاصر وللواقع من يُسوق للمواطن العربي أنها جادّة في السعي لبناء أنظمة عربية قوية، عمادها العدالة المستقلة والاستثمار في الانسان تعليما ومعرفة وابداعا، يحضرني هنا موقف لافت لعله يلخص الصورة، حين طلب مبلغ 100 مليون دولار لبناء قوة أمنية أفغانية، صادق عليها الكونغرس فورا، ورفض طلب مبلغ 10 مليون دولار لبناء مدارس للتعليم الابتدائي في افغانستان، حدث هذا في نفس الجلسة؛سياسة الولايات المتحدة حيال الشعوب لم تتغير من هيروشيما الى مصر 1956 (اسرائيل – بريطانيا – فرنسا ومن ورائهم فضيحة امريكا) 1967، مرورا بالجزائر 1956 وانتهاء بأفغانستان والعراق وليبيا بالأمس، ولن يكون أبدا الشعب السوري استثناء، ولأي شيء يكون !؟.ولعل القامة الفلسطينية الشاعر الراحل محمود درويش قد أجمل وصف أمريكا في معلقته بالقول: “أمريكا هي الطاعون والطاعون أمريكا”. وإن كان لفرنسا خلاف بريطانيا موقف معارض لسياسة الولايات المتحدة، على عهد الرئيسين فرنسوا ميتران وجاك شيراك بخصوص العراق واحتلاله، فلا يعني ذلك بالمرة نصرة للشعوب العربية وحقوقها، ولا حتى عملا بمبادئ جمهوريتها، وإنما كان تعارض مصالح ونفوذ لا علاقة له بالقيم الانسانية والكلام الانشائي؛ فنظرة ساسة الغرب للعالم العربي تكاد تكون واحدة، ولا أدل على ذلك من اصدار البرلمان الفرنسي قانون “تمجيد الاستعمار” والمعني هنا احتلال الجزائر 1962-1830، النظام السياسي الفرنسي ومشرّعوُه أقروا هذا القانون ليس منذ قرون خلت، إنما في عام 2005 اي يوم أمس في حياة الشعوب، وأي شيء يمجده؟ لا أستحضر 4 ملايين شهيد بين 1870-1830 أي نصف تعداد الشعب الجزائري وفق احصاء فرنسي، ولا 1.5 مليون شهيد إبان ثورة التحرير المباركة، بل إليكم آخر جريمة يمجدها صديق الشعوب العربية الفرنسي، في 1961/10/17 في قلب عاصمته باريس حين خرج 60 الف متظاهر سلمي يطالب باستقلال الجزائر، 200 قتيل وزهاء 1000 رمي بهم في قنوات المياه القذرة ونهر السين، و7000 جريح و34 ألف موقوف يعني نصف المتظاهرين، وحوالي 22 ألف رُحّلوا للجزائر وزُجّ بهم في المعتقلات والسجون، أي أكثر من ثلث المتظاهرين، وقد يقول قائل هذه أحداث وقعت في فترة الاحتلال لا يستقيم الاستدلال بها في هذا المقام، وأقول هذه مصيبة أعظم من أختها، ذلك أن الصديق الفرنسي، خلاف جاره الايطالي الذي قدم اعتذارا رسميا للشعب الليبي بخصوص الاحتلال وتعويضا رمزيا، مكابرة لم يرفض الاعتراف بجريمة أجيال قد سلفت في حق الجزائر، ولم يمتنع عن الاعتذار فحسب، بل إمعانا في تأكيد نظرته نحوالشعوب العربية، أصدر عام 2005 قانونا يمجد جرائمه. وإنه لعمري قانون لا يقل قبحا عن الجناية نفسها.
يسأل البعض: وما علاقة كل هذا بحقوق الشعب السوري؟ لا أحد ينفي حق الشعب السوري في مطالبه، بمن فيهم القيادة السورية ذاتها، والعلاقة هي تبني الولايات المتحدة (الطاعون) وفرنسا (ممجدة جرائمها) وبريطانيا لهذه الحقوق، والحال أنها دول لطالما وقفت ضدها وسلبتها من أصحابها، وارتكبت أبشع المجازر ضد الشعوب المسالمة، هنا تحديدا موقع الخلاف. علينا أن نميز جيدا بين حق الشعب السوري في التعبير عن مطالبه وسعيه لتحقيقها، وهذا أمر ندعمه بقوة ونشد على أياديه، وبين تسليم هذا الحق المشروع لأعداء الشعب السوري، فيستغلونه كما حذرنا سابقا ونراه اليوم، في تدمير سورية واضعافها وتقسيمها وما الى ذلك من أهداف بات يعلنها صراحة، هذه جريمة لا تغتفر.
انتهى مؤتمر جنيف2 الى ما انتهى اليه، وأيا كانت قراءات المتابعين لنتائجه، فما نرجوه هوأن تعود من تصف نفسها بالمعارضة “السياسية” الى أرض الواقع، وأول حقائقه وأهمها: أن الدول التي تسمي نفسها اصدقاء الشعب السوري، هي بعينها عدوالشعب السوري ماضيا وحاضرا ومستقبلا، ولن يرجى منها على الاطلاق خير لأي شعب عربي، فضلا عن الشعب السوري الذي يستقر على حدود النار، مع حليفها الوحيد في الشرق الأوسط العدوالاسرائيلي. ثانيها: أن اسقاط النظام عموما أوتنحي الرئيس استثناء، كانت نتائجه كارثية في تجارب عربية معاصرة، وأما بالنسبة لسورية فتكفي ثلاث سنوات من الحرب، لتؤكد لكل ذي عقل راشد بأن النظام السوري متماسك قوي شديد البأس، وأن الرئيس له امتداد شعبي واسع وعريض، وعقلا لا يتأتى اسقاطه الا بإسقاط سورية نفسها، وفق نتائج الحرب الدائرة رحاها عليه منذ ثلاث سنوات، ومن يسعى لنتيجة كهذه إنما يرتكب جرما لا نظير له في حق وطنه وشعبه. ومن لم تكفه التجربة الماضية فلن تكفيه ثلاثة عقود لرؤية النتائج. ثالثها: اغتنام فرصة استعداد القيادة السورية لفتح ابواب المشاركة في تسيير شؤون البلد، واستعراض كل الاشكالات والمطالب السياسية، والعمل على اصلاح أي خلل هيكلي في بنية النظام، والمشاركة في رفع قواعده وفق مصالح الشعب السوري.
سيعقد قريبا جنيف3، وتقف مرة أخرى ما تسمى المعارضة السورية، إذا ما تخلت عن النظّارات الفرنسية والامريكية، التي ترتديها على أعينها ومن خلالها ترى حل الأزمة سورية، قلت ستقف على حقائق ما تقدم ذكره في المقال بخصوص “اصدقاء الشعب السوري”، الذين ما أفلحوا إلا في تصدير السلاح القاتل اليه، ونقل المرتزقة من دول العالم لسفك دم أبنائه؛ كما ستعاين ثبات الوفد السوري على مواقفه، وتمسكه بضرورة محاربة الارهابيين الاجانب، ولا شيء قبل ذلك قابل للطرح فضلا عن النقاش، سيكون جنيف3 فرصة أخيرة لجميع أبناء سورية لحل كل مشاكلهم في دمشق1 إذا سحبت المعارضة الجادة أوراقها من أعداء الشعب السوري، ونكاد نجزم لوتوفر صدق النوايا وأقيم مؤتمر دمشق1، بأن استقرار سورية أمر أكيد، وعودتها أقوى مما كانت عليه وأحسن وأجمل. وهذا لن يكون إلا بأيدي سورية حرة لا أمريكية ولا فرنسية، وإلا فهي حرب الله أعلم بنهايتها. وإن كنت أتوقع وفقا للمعطيات انتصار الشعب السوري بقيادته الحالية.
راي اليوم