هل ينجح «جنيف ـ 3» حيث فشلَ «جنيف ـ 2»؟

هل ينجح «جنيف ـ 3» حيث فشلَ «جنيف ـ 2»؟

مؤتمر جنيف 2

الأحد، ٢ فبراير ٢٠١٤

مع اختتام الجولة الأولى من المفاوضات حول الأزمة السورية في «جنيف ـ 2» تضاربت آراء المراقبين في النتائج التي أفضى إليها لقاء ممثلي الحكومة السورية مع ممثلي الإئتلاف السوري المعارض.
يرى بعض المراقبين أنّ أيّ نتائج ملموسة لم تخرج عن جنيف ـ 2، إذ لم يستطع المفاوضون فيه، وعلى مدى أسبوع، أن يوجدوا حلّاً لما يسمّى المشكلة الإنسانية في حمص القديمة، كذلك لم يتمكّنوا من الاتفاق على نقطة انطلاق لمفاوضات الجولة المقبلة، فبقيت “الهوّة سحيقة”، حسب ما وصفها المبعوث الاممي ـ العربي الأخضر الابراهيمي.
فوفد “الائتلاف” لم يتنازل عن ضرورة أن يكون البحث في تأليف هيئة الحكم الانتقالي هو البند الاوّل في المفاوضات، فيما أصرّ الوفد الرسمي السوري على ان تكون مكافحة الإرهاب هي المدخل الأسلم الى خلق بيئة سوريّة مناسبة لإطلاق المرحلة الانتقالية بكلّ آلياتها.
وبدا أنّ هذه الهوّة السحيقة، هي هوّة بين داعمي الطرفين الإقليميين والدوليين، فوفد الائتلاف المعارض يريد استعادة الجوّ السياسي الذي واكبَ اجتماعت “جنيف ـ 1″ ومقرّراته.
في حين كان الوفد الرسمي السوري يحاول استشراف الايّام المقبلة التي سيتعاظم فيها خطر ما يسمّى الارهاب على سوريا والمنطقة كلّها. وهذان البندان المختلف عليهما بين المتفاوضين ليسا بعيدين عن رؤية القوى الدولية والاقليمية نفسها. فموسكو لا تعارض، من حيث المبدأ مثلاً، فكرة مرحلة “الحكم الانتقالي”، وإن كانت لها تصوّراتها حول هذه المرحلة.
كذلك فإنّ واشنطن ايضاً لا تستطيع التنكّر لمبدأ مكافحة الارهاب، وهي التي قادت العالم الى حروب متلاحقة على اساسه، ولكنّها تحاول التمييز بين مسلّحي المعارضة، فتصف بعضهم بالمعتدل وتحاول دعمه، فيما تصف البعض الآخر بالإرهابي وتسعى الى التضييق عليه من دون ان تُغفل معادلة ميدانيّة واضحة وهي أنّ المُعتدل غير فعّال على الأرض وأنّ الفعّال غير معتدل، كذلك لا تضمن أن يقع سلاحها الى المُعتدلين في أيدي الإرهابيّين.
ويعتقد مراقبون آخرون انّ جنيف ـ 2 اثبتت انّ هناك ارادة دولية واقليمية في شأن استمرار المفاوضات بين طرفي النزاع، وأن احداً منهما لا يُسمح له بالخروج من قاعة المفاوضات، وإن كانت هذه الارادة الدولية مستعدّة لتحمّل خطاب حادٍّ من هنا وآخر حادٍّ من هناك، او تعطيل جلسة من هنا او تأجيل جلسة من هناك.
ويضيف هؤلاء المراقبون انّ المهم في جنيف ـ 2 هو انعقاده، وأنّ أحداً لم يكن يتوقع ان تؤدّي سبعة ايام من المفاوضات الى إنهاء ازمة دموية بالغة التعقيد مستمرّة منذ ثلاث سنوات. ولكنّ كلّاً من الفريقين المتفاوضين سيعود من جنيف ـ 2 فرحاً بما حققه.
فالائتلاف المعارض الذي شارك بعضه في هذه المفاوضات سيعود الى البعض الآخر المعترض ليقول له: “نحن ذهبنا ولم نقدّم ايّ تنازلات، بل تمسكنا بموقفنا الاساسي وانهمرت علينا موجات التأييد من معظم الدول المشاركة”.
فيما سيعود الوفد الرسمي السوري الى بلاده وهو منتشٍ بما حقّقه من انجازات، أوّلها الرسالة القوية التي وجّهها وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى وزير خارجية الدولة الاكبر في العالم جون كيري “بكلّ ما يعنيه هذا التحدي من عنفوان وثقة بالنفس كادت كثيرٌ من حكومات الدول العربية وغير العربية أن تنساهما”.
والانجاز الثاني الذي يعتبر الوفد السوري انّه قد حققه هو انّه نجح، وعلى مدى ايّام، في تحطيم عزلة اعلامية حاصرت الموقف الرسمي السوري على مدى 3 سنوات، فكانت كل القنوات التلفزيونية العالمية تنقل تصريحات اعضاء الوفد السوري واحداً تلو الآخر، بما في ذلك القنوات الاميركية الاكثر مشاهدة كالـ”سي. إن. إن” و”فوكس نيوز” اللتين أجرتا مقابلتين مع الدكتورة بثينة شعبان المستشارة السياسية والاعلامية للرئيس السوري بشار الاسد، وهو امر يعرف المعنيّون بالتحوّلات السياسية أنّ لقاءات إعلامية بهذا الحجم غالباً ما تمهّد لتغيير في العلاقات السياسية بين الدول.
والانجاز الثالث الذي يعتقد الوفد السوري انّه قد حققه يكمن في أنه سلّط الاضواء على مسألة مكافحة الارهاب متسلّحاّ بوقائع عدّة تشير الى مخاطر إتساع هذا الارهاب على مستوى المنطقة بأسرها، أو حتى داخل الدول الغربية ذاتها التي يعيش مواطنوها هذه الايام مخاوف عودة المتطرفين من ابنائها الى الدول الاوروبية وقد اصبحوا اكثر تدريباً ومقدرة على تنفيذ عمليات ارهابية في عواصم الغرب.
ويضيف المراقبون انّ هذا الانجاز يتّضح اكثر فأكثر حين يُعلن الطرفان الايراني والتركي بعد زيارة رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان لطهران عن اتفاق الطرفين على استراتيجية لمكافحة الارهاب، والذي رافقه إعلان عسكري تركي عن قصف قوافل لتنظيم “داعش”.
على أنّ الاستدارة التركية وغير التركية لاتّخاذ مواقف جديدة من الازمة السورية إنّما تبدأ بالحديث عن مكافحة الارهاب، فطهران الصبور على انقرة تدرك أنّها لا تسعى اليوم الى ان يعلن اردوغان صراحة عن تراجعه عن مطلب تنحّي الرئيس السوري الذي تمسك به على مدى السنوات الثلاث الماضية، ولكنّها تدرك أيضاً انّ اشتراك انقرة معها في الحديث عن مكافحة الارهاب هو الخطوة الاولى في رحلة الاستدارة التركية الطويلة في الموقف من الازمة السورية.
لا بل إنّ الرئيس الاميركي باراك اوباما نفسه قد اشار في خطابه السنوي “حال الأمّة” الى انّه سيدعم المعارضة السورية في مكافحتها للتنظيمات الارهابية، فأسّس بذلك لسياسة تلتقي اليوم مع موسكو لتلتقي غداً مع دمشق، خصوصاً بعد ان اثبتت القيادة السورية أنّها قادرة اكثر من غيرها على خوض حرب ناجحة ضد المنظمات الارهابية.
ولقد أثبتت التجربة اللبنانية أنّ الحروب الداخلية لا يمكن حلّها بمؤتمر واحد، فلقد تطلّبت الحرب في لبنان مؤتمرات عدة، وقد تغيّر المتفاوضون في هذه المؤتمرات الى ان تمّ التوصل الى “اتفاق الطائف”، وبالتالي فإنّ الازمة السورية، وهي الأكثر تعقيداً ودموية من كلّ الازمات المماثلة، تحتاج الى مؤتمرات عدة، وربّما الى تعديل في قواعد المفاوضات نفسها، وربّما في المفاوضين انفسهم.
ومن هنا يؤكّد المراقبون انّ قطار التسوية السورية قد انطلق وأنّ مؤتمر جنيف ـ 2 ليس محصوراً بالعاصمة السويسرية فقط، بل هو مستمرّ في ميونيخ حيث يلتقي الابراهيمي اليوم مع وزيري الخارجية الاميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، وهو انعقد في طهران أيضاً بين اردوغان والقيادة الايرانية، وكذلك ينعقد “جنيف -2″ في الرياض التي تستقبل في هذه الأيّام وفوداً كبيرة مُعلنة وغير مُعلنة من دوَل عربيّة وإقليمية وعالمية مؤثّرة،
وربّما ينعقد أيضاً على الأرض في مناطق جوبر والقدم ويلدا و”الحجر الاسود”، حيث تؤكّد المعلومات الواردة من هناك انّ مصالحات ميدانية تجري بين الجيش السوري وبين المسلحين في تلك الضواحي القريبة من دمشق، ناهيك عن مفاوضات ميدانية أُخرى تجري في أماكن أُخرى من سوريا، وهو ما سبق للرئيس السوري نفسه ان اشار اليه في لقاءات مع وفود لبنانية وعربية ودولية، حين قال: “إننا ذاهبون الى “جنيف ـ 2″ ، وإن كانت نتائج هذا المؤتمر ليست واضحة المعالم، لا بالنسبة الينا ولا بالنسبة الى موسكو وواشنطن ايضاً، ولكنّنا مستمرّون في استراتيجية تقوم على مصالحات ميدانية على الارض مقرونة بتقدّم عسكري، حيث لا تنجح تلك المصالحات”.
ولذلك يحرص المراقبون على القول إنّ الانظار يجب ان تتّجه الى قوس يبدأ في جنيف وينتهي في جوبر القريبة من ساحة العبّاسيين في دمشق.
فهل سينجح “جنيف ـ 3″ حيث فشل “جنيف ـ 2″؟ أم سيكون خطوة ثانية في رحلة الألف ميل الدولية والإقليمية والمحلية؟