«جنيف 2».. ورمال سورية المتحركة

«جنيف 2».. ورمال سورية المتحركة

مؤتمر جنيف 2

الأربعاء، ٢٩ يناير ٢٠١٤

لم يكن يخطر في بال احد من أعضاء الوفد السوري المفاوض إلى جنيف2 انه سيأتي عليه يوم ويجلس ليفاوض أشباه مفاوضين ويتحاور مع مجموعه من الببغاوات السيئة الصوت.
قفلت الساعات السويسرية الفاخرة عقاربها على التوقيت السوري، كل شيء كان معدا بعناية ودقه سويسريه معهودة، القاعات الواسعة الأنيقة، الردهات البللورية الطويلة، المساحات الشاسعة من الحدائق الخضراء البديعة، إعلاميون وصحفيون ووسائل إعلام من شتى بقاع الأرض تحصي أنفاس المؤتمرين من الوفدين، كل بحسبان.
وفد سوري منتقى بعناية شديدة يعرف ما يريد وما لا يريد وما يراد منه وفي المقلب الآخر ما تبقى من مجموعات معارضة خارجية مهزوزة الثقة ومشتتة الأهداف مع ضبابيه في الرؤى المستقبلية لموقفهم من المشاركة.
طبعا لم يكن حال تلك المعارضة السورية ببعيد عن حال من أنشأها ورعاها وجعلها تتبوأ صدارة إعلامه واهتماماته فتركيا المشغولة في مشاكلها الداخلية وشلل أذرعها الخارجية وإنحسار مشروعها الإخواني في سوريا ومصر وتونس وقطر التي بدأت بالتنفيس من الهواء الذي نفخت فيه أو الذي أنفخت نفسها فيه، لا يهم، وفرنسا التائهة في بحر مصطلحاتها المعادية تجاه سوريا التي أغرقت نفسها بها مع إرتفاع الصوت الأوروبي الذي بدأ يتحسس الخطر الإرهابي القادم من الشرق الذي صم أذنيه وأغلق عينيه عنه طويلا مع ازدياد انخراط الشباب الأوروبي في العمل الإرهابي ضد الحكومة السورية بتسهيل من أجهزه الاستخبارات الغربية، والولايات المتحدة التي تتفق مع الروس في محاربة الإسلاميين المتشددين وتختلف معها في كل شيء وتختلف مع السعودية في نظرتها لدعم الإرهابيين في سوريا وتتفق معها في كل شيء، كل ذلك قبل أشهر قليله من انتخابات الكونغرس النصفية، أما السعودية التي أصبحت حالتها تشابه كثيرا حاله وزير خارجيتها الهرم أصبحت تصرفاتها كالثور الهائج المتعب الأعمى البصيرة الذي يهاجم قطعه القماش الحمراء التي يلوح بها مصارع الثيران بدلا من أن يهاجم المصارع نفسه.
موسكو بهدوئها المعتاد و ثقتها بما تحققه من إرساء لعلاقات دوليه أكثر موضوعيه وارتياحها لجهودها في العمل على إحلال السلام والأمن في سوريا ووقف المعارك المستعرة فيها بالإضافة إلى ما أكد عليه وزير الخارجية الروسي أن هدف مؤتمر جنيف الأساسي هو إنشاء جبهة لمكافحه الإرهاب وتطويقه ومنع امتداد شراراته إلى دول المنطقة وهذه أحد أهم النتائج التي تترقبها موسكو من المؤتمر على أعتاب إفتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي وهي ترى في الرئيس السوري بشار الأسد وسوريا أفضل مركز لتشكيل هذه الجبهة ولا يتم ذلك إلا بتشكيل حكومة وطنيه من الحكومة والمعارضة الوطنية التي أعلنت عن وجودها الحقيقي في أكثر من مناسبة ومكان، مع إدراك موسكو أن من تسمى بإسم المعارضة السورية في جنيف2 ليسوا سوى بعض البعض من أطياف المعارضة السورية.
الافتتاح الرسمي الذي حدث في مونترو كان كلاسيكيا جدا لولا كلمه وزير الخارجية السوري وليد المعلم التي كانت أشبه بمرافعة قضائية أمام من نصبوا أنفسهم ملائكة على الأرض ليعيدهم الخطاب المعلم للمعلم إلى حقيقتهم ويرجعهم إلى عالم الأبالسة الذي يليق بهم وهذا ما أثار حفيظتهم وحنقهم حيث وصفت جين بساكي المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية خطاب المعلم بالتصعيدي وهاجمه لوران فابيوس وزير الخارجية الفرنسي واصفا إياه بالخطاب الممتلئ بالمهاترات العدائية أما وفد آل سعود الذي حضر مكرها مؤتمرا حاول جاهدا الحيلولة دون انعقاده فقد جلس هزازّه ليستمع للمعلم وهو يعطيهم دروسا في الأخلاق ويعري عائله مملكتهم ودينها الوهابي المنحرف محولا إياهم في لحظات إلى مخلوقات غير معروفه من القبح والسوداوية في نظرتهم إلى الإنسانية والحضارة والتسامح الديني العدو الأول لعقيدتهم، أما رئيس المعارضين الحاضرين للمؤتمر احمد الجربا فقد كان خطابه أشبه بإسترسال وقائع تشوبها الدقة محاولا بلهجة تفتقد الثقة والخطابة وعبارات تنقصها البلاغة مع لكنة سعودية خالصة إلى استجداء عطف المشاركين بطريقه بإزاريه رخيصة مكشوفة حتى اشد المتحمسين لإلقائه الخطاب فوجئ بتدني مستواه الثقافي والأدبي، بل أن الكثيرين ممن استمعوا لخطاب الجربا إنتابتهم قشعريرة باردة وهم يراقبوه وقد أعلن عن نفسه مفوضا من قبل السوريين للجلوس مع عتاة الدبلوماسية وتلامذة الزمن الدبلوماسي السوري الجميل وانه يمني النفس بتحقق هذا الحلم، الكابوس.
الأروقة الخلفية لقاعة الاجتماع والتي غصت بالخبراء الغربيين المعنيين بإدارة مفاوضات المعارضة السورية كانت تشهد مع بداية كل جولة من المحادثات إستنفارا سياسيا ودبلوماسيا غربيا لدعم المعارضة بقيادة السفير الأميركي السابق في سوريا روبرت فورد الذي يعتبر الأب الروحي لما يعرف بالمعارضة الخارجية من إئتلاف ومجلس معارض وكان له دور أساسي ومحوري في تشكيل وفد المعارضة وتدريبه على خوض المفاوضات خاصة مع علمه أن الوفد المفاوض السوري هو من العيار الثقيل دبلوماسيا وسياسيا ووطنيا مما يجعل الخوف من إستدراج المعارضة السورية إلى مطبات ومصائد سياسيه يوقعها فيها الوفد الحكومي السوري الشغل الشاغل له، وبالفعل لم يخيب الوفد الرسمي السوري أمل مشغلي المعارضة السورية فقدم ورقة مبادئ تعتبر بحد ذاتها نقطه إلتقاء جميع السوريين بغض النظر عن اتجاهاتهم السياسية والحزبية وتجمع كل مكونات المجتمع السوري تحت سقف وطن واحد سيد ومستقل هدفه تحرير الأراضي المحتلة يرفض التدخل في شؤونه الداخلية وينبذ العنف والتطرف الديني ويسعى إلى مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله مع نظام سياسي ديمقراطي تعددي يكفل لجميع السوريين الوطنيين العمل السياسي الجاد على أرضيه سياسية وقانونيه صلبه.
ورقه المبادئ المقدمة لا يستطيع أي وطني سوري أن يتجاهل مضمونها ولا أن يتردد في إستعداده لمناقشتها باستثناء وفد المعارضين السوريين المجتمعين في جنيف حيث نزلت هذه الورقة عليهم كالماء البارد وكشفت زيف إدعائهم بالحرية و الديمقراطية والارتهان للآخرين ويسقط ارتباطهم بأجهزة الاستخبارات الغربية والعربية ووضعتهم تحت الأضواء الوطنية فبانت عورتهم وتاهت عقولهم فأسرعوا بالإستنجاد بعرابهم روبرت فورد الذي بدأ يشعر بالرمال السورية المتحركة تسحبه مع مجموعته المفاوضة إلى القاع ولا سبيل للهروب من تلك الرمال المتحركة الذكية إلا الهروب إلى الأمام فأمر المعارضين السوريين برفض ورقة المبادئ تلك بحجه أن النظام يتهرب من تطبيق بنود مؤتمر جنيف1 حسب زعمه وزاد الأمر تعقيدا بموافقة الكونغرس الأميركي على إمداد المعارضة السورية بالسلاح وهذه رسالة واضحة للشريك الروسي الراعي الآخر للمؤتمر قبل أن تكون رسالة سلبية للوفد الحكومي ورسالة دعم سياسية بروائح البارود لوفد المعارضين السوريين مما يضع مؤتمر جنيف2 على حافة الإنهيار و الفشل.
لعب الوفد الحكومي السوري المفاوض المشبع بثقة الشعب والقيادة في سوريا لعبته المفضلة في الاستمتاع بالعمل الدبلوماسي وقام بتجيير الوقائع لمصلحته ونجح في ترويض المكان والزمان ليتحولا مكانا وزمانا سوريين وطنيين بإمتياز وقدم ورقه وطنيه تحول جميع الأطياف السياسية السورية من حكومة ومعارضه وطنيه إلى جبهة سورية موحده ضد الإرهاب والعنف والفكر التكفيري الوهابي السلفي وغربلت تلك الورقة آخر ما علق من أوساخ المؤامرة على سوريا مكرسة مبدأ المشاركة في بناء سوريا القوية أساسا للحوار المستقبلي بين السوريين.
بالتوازي مع انجازات الجيش السوري على إمتداد الأرض السورية كانت الدبلوماسية السورية تتعملق في جنيف مستفيدة من الفضاء الإعلامي العالمي المتاح في جنيف لإيصال رؤية الحكومة السورية إلى العالم بعد سنوات من التعتيم الإعلامي والانحياز الفاضح للمعارضة السورية التي خسرت في جنيف سياسيا وإعلاميا.