الوفد السوري يُحرج الإئتلاف بقبول «جنيف ـ 1» وفقاً للتفسير الروسيّ..سورية تراكم النقاط في جنيف وتربح بضربات الجزاء

الوفد السوري يُحرج الإئتلاف بقبول «جنيف ـ 1» وفقاً للتفسير الروسيّ..سورية تراكم النقاط في جنيف وتربح بضربات الجزاء

مؤتمر جنيف 2

السبت، ٢٥ يناير ٢٠١٤

بعدما اطمأن لحجم إنجازه في جلسة الافتتاح دفاعاً عن عنفوان بلده وعزّتها وكرامتها ومهابة رئيسها، تفرّغ الوفد السوري إلى مؤتمر جنيف لرسم استراتيجيته التفاوضية، بخلفيّتي النجاح في استثمار آخر فرصة متاحة لوضع ركائز حل سياسي جدّي، يدرك الوفد أن طرفه الآخر مجموعة الدول التي أعلنت الحرب على سورية، وليس الوفد الذي جيء به لمواجهته في المؤتمر من جهة، وتسجيل المزيد من مراكمة الانتصارات في صناعة الصورة التي يليق بسورية الدولة العميقة والعريقة الظهور بها، في محطة مفصلية في حياتها بحجم هذا المؤتمر، من جهة أخرى، بينما كان وفد الإئتلاف ملاحقاً بتهم الضعف والعجز والفشل، ونجاح الوفد الرسمي بخطف أضواء جلسة الإفتتاح، في جعلها درساً تأديبياً لأميركا والسعودية والأمم المتحدة عدا تركيا وقطر وفرنسا، وكلّها كانت تنتظر من الإئتلاف أن يجنّبها الإستهداف المباشر، فأصيب الإئتلاف تحت ضغط الخيبة والعجز بعقدة التعويض، فراح يصعّد حيث بدأت المفاوضات وصارت الحاجة للذكاء التفاوضي لكسب صورة الجدّي والحريص والمسؤول من جهة، ورمي الكرة في مرمى الآخر من جهة ثانية، والتفوّق بالمبادرات الإيجابية والصياغات المسؤولة القادرة على نيل رضا وتشجيع الرعاة، وصولاً إما لصناعة رؤوس جسور لتسويات يفترض أنها الهدف الحقيقي للتفاوض والشراكة في المؤتمر، أو كسب الجولة التفاوضية بشهادة الرعاة وتحقيق اختراق على حساب الطرف الآخر الواقع أسير حسابات خاطئة.

جنيف ـ 1
وفقاً لهذه المعادلة كان يوم أمس يوماً للوفد السوري الحكومي بامتياز، بدأ بالجولات التفاوضية غير المباشرة مع الإبراهيمي، حيث قطع الوفد محاولات التوظيف على اتهامه بالتهرب من الإلتزام بـ«جنيف ـ 1»، وقدّم مطالعة لفهمه لبيان جنيف الأول أُسقطت بيد خصومه المحليين والإقليميين والدوليين، حيث ميّز الوفد بين مبادئ جنيف المتفق عليها لجهة أولوية الحل السياسي المبني على الحوار بين السوريين من دون تدخل خارجي، وتفادي الرهان على الحلّ العسكري وما يسبّبه من خراب ودماء واستجلاب للإرهاب، مستعيداً سجل مبادراته الحوارية وتجاوبه مع مبادرات وقف العنف، مقابل عناد وتعنّت وأوهام الفريق الآخر بالقدرة على الحسم العسكري ووضعه شروطاً تعجيزية للحوار والحلّ السياسي، خصوصاً ما يتصل منها بمستقبل الرئاسة، الذي سجّل الوفد موقفه النهائي أنه أمر مبدئي دستوري وسيادي غير مطروح للتفاوض. فالمناصب والمؤسسات تُستلم وتُستولد وفقاً للآليات الدستورية الراهنة أو التي يتم الإتفاق عليها، وليس بالطرق الإنقلابية ولا بالتهديد ولا بالإبتزاز.
أما في ما يخص النقاط الغامضة في بيان جنيف، فقدّم الوفد السوري للإبراهيمي سجل التفسيرات المتناقضة والمتباينة لكل من الطرفين الروسي والأميركي، لتفاهم هو أصلاً تفاهم روسي ـ أميركي، والغموض المقصود هو تفسير وتحديد مصدر عبارة «هيئة الحكم الإنتقالي» الواردة في البيان والتي يتمسّك الآخرون بالتفسير الأميركي لها، ويريدون فرضه تفسيراً وحيداً، بينما يحق لسورية التمسك بالتفسير الروسي، طالما ليس هناك فهم واحد لصنّاع النصّ في مقاصده ومراميه. ووفقاً للتفسير الروسي، الصيغة الواردة هي تسوية ترتّبت على عدم الإتفاق بين المقترحات الفرنسية والأميركية والروسية، فالنصّ الروسيّ كان يدعو لحكومة إئتلافية تحت سلطة الرئيس بشار الأسد ووفقاً لصلاحياته وتحت سقف الدستور الحالي، لحين الإتفاق على دستور جديد يطرح للإستفتاء وتقوم على أساسه الانتخابات، مقابل صرف النظر عن أوهام التسليح والعسكرة واستجلاب المقاتلين وفتح الحدود للإرهاب وحشد الجيوش، وما ينتج عن ذلك من دماء وخراب ودمار وتجذر للإرهاب.
التتمة ص14
ورغم أن الأميركي وكلّ حلفائه لم يوفّروا وسيلة للحرب والعسكرة إلا ولجأوا إليها، وهم يعودون إلى جنيف بعد فشلهم العسكري وليس لترجمة رغبة بيان جنيف بتفادي الحلول والأوهام العسكرية. ومع ذلك تبقى سورية متمسّكة بفرصة جنيف وفقا لهذا المفهوم، بينما كان النص الأميركي، وأكثر منه النصّ الفرنسي، ينطلقان من فهمٍ لتسليم سلطة لهيئة يفوّضها أو يسلّمها الرئيس السلطة، وبسبب الخلاف يومها حذف النص الواضح وصرف النظر عن إيراد صيغة محدّدة، وترك الأمر باعتباره شأناً يقرّره السوريون في حوارهم من دون تدخل خارجي، والوفد يرتضي روح هذا التفسير. وفي حصيلة الجولة سلّم الإبراهيمي بصدقية ودقة ما عرضه الوفد خصوصاً لمّا تساءل: هل المطلوب إطار حكم وفقا للدستور الحالي؟ ولا وجود لغير حكومة تحت سلطات الرئيس في الدستور، أم صيغة دستورية جديدة تولد من الحوار أولاً وتعرض على الإستفتاء تالياً، ويتم إعادة تشكيل المؤسسات على أساسها استناداً لصناديق الإقتراع ؟ وجدد الوفد استعداده لقبول أي من الصيغتين .
تأسيساً على هذه الإستراتيجية التفاوضية ربح الوفد السوري التفوق السياسي، وألحقه بقبول الجلوس في قاعة واحدة مع الوفد المعارض رغم تحفظه على حجم تمثيله الشعبي والسياسي، بل وحتى تمثيله لمكونات المعارضة، وأعاد الوفد تقديم مبادرته للترتيبات الأمنية والإنسانية في حلب
الإئتلاف والإحراج
في المقابل وقع الإئتلاف بالصبيانية عندما تصرف بعنجهية لا تنسجم مع حجم مسؤولية ما يفترض أنه آت لإنجازه، بما يتعلق بمصير شعب ووطن يتعرضان لأخطر التحديات والمصائر، فربط مناقشة التفاوض المباشر والموقف من الترتيبات الأمنية بقبول الوفد الرسمي بـ«جنيف 1». ولما تبلغ من الإبراهيمي هذه الموافقة، اشترط أن تتضمن القبول بالهيئة الإنتقالية للحكم، وحين تبلغ من الإبراهيمي أن الوفد السوري موافق على التفسير الروسي وهم يريدون الموافقة على التفسير الأميركي، والبيان تفاهم روسي ـ أميركي والذين قاموا بصياغته غير متفقين على تفسير واحد، اضطر الإئتلاف بعد مراجعة مرجعياته الدولية والإقليمية التسليم بالهزيمة والقبول، بعدما كان الوفد الرسمي أبدى الإيجابية والمبادرات التي جعلته يربح بالنقاط الجولة الثانية من المؤتمر، ويسجل ضربات الجزاء التي منحت له في مرمى فارغ ترك بلا حراسة، لتفرغ المعنيين به للتلهي باسترضاء الجهات الخارجية .
جلسة اليوم
تنعقد اليوم جلسة التفاوض الأولى بين الوفدين بحضور الأخضر الإبراهيمي وجيفري فيلتمان، وينضم اليوم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بطلب من الوفد السوري الرسمي، وحضور السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد، ليقدّم كل منهما روايته وتفسير حكومته لـ«جنيف ـ 1»، فيما يبدو أنه سيعيد الأمور إلى اعتبار الأمر منوطاً بالتفاوض بين الوفدين السوريين، باعتبار الصيغة المطلوبة هي تشاركيّة في الحكم لتعزيز المواجهة مع الإرهاب، وفقاً لصيغة توافقية يقرّرها السوريون في ما بينهم خارج أي تدخل خارجي.