"جنيف 2": لا مصافحات ... ومفاوضات عن بُعد

مؤتمر جنيف 2

الجمعة، ٢٤ يناير ٢٠١٤

الصالون الفرنسي في قصر الأمم المتحدة. المكان الوحيد الذي سيجمع عند الثانية عشرة بتوقيت بيروت، السوريين معارضة ونظاماً. خطاب افتتاحي للاستماع نصف ساعة إلى الأخضر الإبراهيمي، يليه الخروج من أبواب متعارضة، كي لا يُضطر، أعضاء الوفدين إلى مصافحة لا ينصّ عليها برنامج اليوم.
الإبراهيمي مدعو إلى رياضة طويلة لسبعة أيام، وهي مدة المفاوضات. الديبلوماسي الثمانيني سيكون بحاجة في المسار السوري المعقد الذي بدأ اليوم، إلى أكثر من حنكته، وإلى تمرين على الرحلات المكوكية بين قاعات الأمم المتحدة. إذ لم يكن ممكناً إقناع السوريين بالتفاوض في قاعة واحدة، وسيمضي الإبراهيمي بعد ظهر اليوم، في التنقل بين قاعتي المعارضة والنظام، وحمل العروض، والعروض المضادة.
وعلى عكس ما تذهب إليه توقعات، بأن يجلس الطرفان غداً، في الجولة الثانية من المفاوضات، حول الإبراهيمي في قاعة واحدة، قال مصدر ديبلوماسي في جنيف لـ"السفير"، إن "الحالة النفسية للطرفين السوريين لا يمكن التعويل عليها، والأرجح أن تستمر المفاوضات غير مباشرة وفي قاعات منفصلة، حتى العثور على قواسم مشتركة".
ومن المتوقع أن يرأس هيثم المالح وفد "الائتلاف السوري" إلى "الصالون الفرنسي"، بعدما غادر أحمد الجربا، رئيس "الائتلاف"، جنيف.
ويضم الوفد المعارض إلى المالح، ميشال كيلو، وحسام الحافظ، وهادي البحرة، وبدر جاموس، وريما فليحان، وأحمد الجقل، وأنس العبدة، وعبيدة النحاس، وسهير الأتاسي، ونذير الحكيم. كما يضم مجموعة من الفنيين والمستشارين، وعسكرياً واحداً مقرباً من جمال معروف، قائد "جبهة ثوار سوريا". فيما رفضت المجموعات الأخرى إرسال مبعوثين، بالرغم من ضغوط أميركية مكثفة، على المجلس العسكري للجبهة الجنوبية، والقنيطرة، وريف دمشق، لإيفاد مندوبين، اشترطوا المثول في عداد الوفد داخل القاعة، وتحديد بعض الأسماء المدنية المفاوضة.
وقال ديبلوماسي غربي في جنيف، يشرف على ملف المفاوضات السورية، إن أعضاء الوفد المعارض ليسوا نهائيين، وإن الوفد قد يتعرّض إلى تغييرات، وإن بعضهم قد يخرج من القاعة ليدخل آخرون، ويعكس ذلك ارتباكاً في صفوف المعارضة، حول عمل وفدها.
ويمكث في جنيف ديبلوماسيون وخبراء ينتمون إلى دول المجموعة المصغرة لأصدقاء سوريا الـ11، فيلتقون بهم في فنادق قريبة من قصر الأمم المتحدة، لتزويدهم بالنصائح والإرشادات في العملية التفاوضية.
ويمثل ذلك أهمية بالغة للفرنسيين الذين يجدون أنفسهم مهمّشين وخارج قصر الأمم المتحدة، ما يمنحهم القدرة على مواصلة الإشراف مباشرة على حلفائهم في المعارضة.
وقال مسؤول في "الائتلاف" لـ"السفير" إن مقاعد تركت شاغرة كي تنضم إليها لاحقاً شخصيات من "هيئة التنسيق" أو مستقلة أو شخصيات وطنية، إذا ما وافقت على ذلك.
وخلال الأسبوع الذي انتزع الروس والأميركيون فيه تعهداً من المعارضة والنظام بعدم المغادرة، وصفق الأبواب خلفهم، لن يتحقق أي اختراق سريع، ويغلب التشاؤم على فريق الوساطة الدولية، بحسب ديبلوماسي قريب من المفاوضات، إذ لم يتم حتى الاتفاق على مجرد هدنة إعلامية بين الوفدين المتفاوضين.
ونقل مصدر عربي عن لقاء الإبراهيمي بوزير الخارجية السوري وليد المعلم أمس، أن الوزير السوري ذكّره أنه سيلزم فريقه المفاوض بعدم الإدلاء بأي تصريحات صحافية خلال المفاوضات. لكن الإبراهيمي عبر عن عدم قدرته على إقناع الوفد المعارض باحترام أي هدنة إعلامية.
ورغم وجود فريقي الخبراء الروس والأميركيين في الغرف المجاورة لقاعة المفاوضات، للضغط على أحد الطرفين ونجدة الإبراهيمي، إلا أن التوتر بدا يتخلل العلاقات بين الوصيين نفسيهما.
إذ قال مصدر عربي إن جفاء يسود العلاقات بين وفدَي الخبراء، بسبب الهجمات العنيفة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري ضد النظام السوري، والعودة عن اتفاق بعدم الحديث عن تنحية الرئيس الأسد.
وكان كيري أغضب الروس عندما تحدّث أيضاً، عن وجود دول مستعدة للتدخل، وفصل القوات وحماية العلويين وكان التدخل الأميركي في العراق، قد جرى بحجة حماية الأقليات والدفاع عن المسيحية العراقية، التي تعرّضت للتشريد والتهجير والقتل.
وبسبب الهوة السحيقة التي تفصل الطرفين، لن يكون بوسع الوسيط الدولي، لإنقاذ مهمته من الفشل، سوى استعراض مبادئ يمكن للجميع أن يلتقي عليها، لإطالة أمد المفاوضات، وإيجاد أرضية مشتركة لتوليد الثقة بين الطرفين.
ويتجه الإبراهيمي إلى إقناع الطرفين أولاً، بالتوافق على تدابير بناء الثقة التي تتضمن مبادئ معروفة، تتعلق بوقف إطلاق النار، وفتح الطرق أمام المساعدات الغذائية، ورفض الإرهاب، والدولة السورية المدنية الديموقراطية، ثم الانتقال إلى الجانب العملي، والبحث في الاقتراح الذي قدمه الوزير المعلم بشأن حلب، الذي يعد النافذة الوحيدة التي يمكن رؤية قبس من النور من خلالها في العملية التفاوضية.
وتعد ترتيبات حلب الأمنية، بحسب الديبلوماسيين، نقطة يمكن التوافق عليها بين الطرفين، بالرغم من أنها لا تقترب من أي وقف لإطلاق النار إلا من بعيد، باعتبار أنها تفرض عودة المناطق الملتهبة في المدينة إلى سيطرة النظام، ولكن تحت رقابة الشرطة من دون الجيش، بعد خروج المسلحين منها.
وكانت الحكومة السورية بدأت عملية إغلاق ملفات المناطق التي تشكل عوامل ضاغطة حول دمشق، وإجراء تسويات محلية مباشرة مع مسلحي المعارضة في الغوطة، لتسليم أنفسهم.
وتقدمت تلك التسويات، التي تغنيها عن اتفاق لوقف إطلاق النار، يبقي للمسلحين وجوداً وسيطرة غير معلنة، عبر التفاهم مع المسلحين من أبناء المدن والبلدات، لعزل المسلحين القادمين من الخارج.
ونجحت بشكل متفاوت في المعضمية، وفي برزة والزبداني، ومضايا، وتجري مفاوضات في حرستا، والقابون، وغيرها، بعد استكمال حصار تلك المناطق حول دمشق.
ويخشى النظام أن تتحول خطوط وقف إطلاق النار، إلى خطوط تماس وتقسيم، كما يخشى أن يستفيد منها مقاتلو المعارضة، لتحسين أوضاعهم الميدانية، لاسيما في المنطقة الوسطى، وريف دمشق، حيث يتقدم ببطء بفضل عمليات الحصار الطويلة، وتجنب عمليات الاقتحام الواسعة، إلا بعد إنهاك المقاتلين وفصلهم عن البيئة الحاضنة.
ويمكن الشروع بسرعة بالحديث عن الجوانب الإجرائية للترتيبات الأمنية في حلب، مع استبعاد البحث بأي وقف لإطلاق النار بشكل محلي أو شامل، لأنه سيكون مستحيلاً على الوفد المعارض إلزام المقاتلين بوقف النار، بعد انهيار "الجيش الحر"، وتلاشي قدرة "الائتلاف"، الضئيلة أصلاً، على فرض إرادته السياسية على الأطر العسكرية، خصوصاً بعد سيطرة الجهاديين عليها. إذ لا يتوقف هؤلاء عن رفضهم لوقف القتال، خصوصاً تلك المجموعات التي تمولها بشكل مباشر السعودية، للاحتفاظ بأوراق ضاغطة حتى اللحظة الأخيرة، لأنها لم تغادر الرهان على الحسم العسكري، ولاستعادة دفة الحرب، بمجرد سقوط المفاوضات.
وهناك الملف الإنساني الذي يشكل قاعدة صالحة لورقة المفاوضات، ولكن بجرعات صغيرة مع تعديلات في المصطلحات، حيث لن يتم الحديث عن ممرات آمنة، باعتبارها تشكل قانونياً التزاماً يخرجها عن سيطرة النظام ووضعها بشكل غير مباشر في عهدة الاتفاقات الدولية التي تدير تلك العمليات، ومنح الحماية لمن يعمل عليها من المنظمات الدولية.
ويعرض الوفد الحكومي السوري، تسوية حول الإمداد الغذائي، وأن يتولى بنفسه إيصالها ونقلها، نحو المواقع المطلوبة، أو تلك التي يمكن الاتفاق عليها. ولن يمكن مباشرة الحديث عن إطلاق المعتقلين، قبل التوافق على عمليات التبادل بين الطرفين، وهو ما سيكون صعباً مرة أخرى، إذا لم يشارك العسكريون من الجانب المعارض، في المفاوضات، ولا سيما "الجبهة الإسلامية"، التي حاول السفير الأميركي روبرت فورد عبثاً إقناعها بالحضور.
وقال مصدر ديبلوماسي عربي في جنيف، إن العمل يجري على تحديد الملفات الإنسانية لطرحها على النقاش، ووضع لائحة بالمواقع المحاصرة والمدن التي ينبغي إيصال إمداد غذائي إليها، وتشكيل لجان إنسانية، كما قال المصدر الديبلوماسي، تعمل على حل هذه المشاكل.
وأشار مسؤول يعمل على ملف المفاوضات إلى أن الإبراهيمي لن يطرح قضية الحكومة الانتقالية، ولا أي بند يتصل بنقل الصلاحيات الرئاسية في المرحلة الحالية من المفاوضات.
ومن شأن الدخول في صلب "جنيف 1"، أن يؤدي إلى تفجير العملية برمتها، بسبب تعارض قراءة الطرفين للإعلان الصادر في حزيران من العام 2012. إذ لن يقبل الوفد الحكومي السوري المفاوض، أي بند يمس المؤسسات السورية القائمة من أعلى الهرم إلى أدناه. وأقصى ما يمكن أن يطرحه النظام السوري، هو اقتراح الحكومة الموسعة، شريطة أن يبدأ الحوار حولها في دمشق، وليس في جنيف.
وكان الجربا قد أعاد صياغة المطالب التي ستطرح كمقدمة في المفاوضات اليوم. وقال في مؤتمر صحافي إن المدخل إلى المفاوضات "يمر عبر إقرار الطرفين لبيان جنيف 1 وتنفيذه، وبعدها ينتقل الحديث إلى سحب الجيش من المدن، وإطلاق المعتقلين، ووقف إطلاق النار، وفتح الطرق أمام الإمدادات الغذائية، وهي سلة متكاملة".
وكان وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، قد طلب في اجتماع ليلة أمس الأول، من قيادة "الائتلاف" في مونترو، التركيز في الاجتماعات والمؤتمرات الصحافية، على رفض الحديث في جنيف، إلا بدءاً من تشكيل الحكومة الانتقالية. وقال مصدر في جنيف، إن داود أوغلو طلب منهم تشديد الحملة على النظام السوري، وتكرار أن "داعش" و"النصرة" هما صنيعتا النظام السوري، وهو ما لم يتوقف الجربا عنه.