جنيف2: طهران في قلب العملية التفاوضية رغم غيابها

جنيف2: طهران في قلب العملية التفاوضية رغم غيابها

مؤتمر جنيف 2

السبت، ١ فبراير ٢٠١٤

إن المفاوضات السورية-السورية لم تتمكن الى الآن من التوصل الى نتائج ترقى الى مستوى الأزمة وتطلعات الشعب السوري، إلا أن العقبات مازالت كثيرة، خاصة أن هناك تبايناً واضحاً بين أجندة كل من وفدي الحكومة والمعارضة السورية، فكل منهما يقف على النقيض للآخر ففي الوقت الذي يذهب فيه وفد المعارضة إلى “جنيف2″ لتنفيذ بنود “جنيف”1 وتشكيل حكومة إنتقالية ذات صلاحيات كاملة، يذهب وفد الحكومة السورية مطالباً بأن يكون هدف المؤتمر مكافحة الإرهاب في سوريا.
فالإشكالية الحقيقية هنا تتمثل في إستمرار الصراع المسلح من جهة، وتشابك القوى الإقليمية والدولية من جهة أخرى، أي أن الحل في سورية لم يعد شأناً داخلياً للسوريين وحدهم، بل باتت تشاركهم فيه قوى إقليمية ودولية تتصارع على الأراضي السورية بالوكالة، وهذه الأطراف لها أعداد من المقاتلين المحليين أو من يسمون أنفسهم بالجهاديين، وجميعها قوى باتت تبتعد عن الهدف الأساسي الذي خرج من أجله قسم كبير من الشعب، باحثين عن الحرية والديمقراطية والعيش الآمن.
بينما ترى قوى دولية إستبعاد إيران عن المؤتمر ترى أطراف أخرى بأن التوصل لحل شامل للأزمة السورية لا بد أن يمر عبر إيران كونها تمتلك مفاتيح اللعبة السياسية في سوريا، إلا أن سحب دعوتها الى جنيف2 عن طريق الضغوطات التي مارستها كل من الولايات المتحدة الأمريكية والإئتلاف المعارض الى حد تهديده بعدم الإشتراك في المؤتمر، خيب آمال البعض في التوصل لحل سياسي ينهي هذه الأزمة.
فدول الخليج العربي تقف بكل قوة لدفع رياح التغيير عنها من خلال تحصين نفسها بالمال والأمن والإعلام وحصر الإضطرابات في النطاق السوري والعراقي والمصري والليبي واليمني، والإستعداد لما يمكن ان ينجم عن الفصل الجديد في العلاقات الأميركية – الإيرانية من تشكل للعلاقات الإقليمية وإنعكاساتها على الحلول لأزماتها وفي مقدمتها الأزمة السورية، وعلى الرغم من إن إيران لم تدع الى جنيف2، إلا ان الكلام الأميركي عن دورها في حل الأزمة السورية لا يزال يحمل في جوهره دعوة الى المساهمة في الحل الذي تدرك واشنطن ان بإمكان طهران ان يكون لها فيه دور اساسي في إيجاد التسويات والمخارج، لذلك كان إستبعاد إيران من جنيف2 لفتة أميركية لتهدئة القلق الخليجي المتصاعد حيال الدور الإيراني في المنطقة، لكن ذلك لا يلغي بأي حال من الأحوال الدور الإيراني في المنطقة ولا سيما في سوريا.
فسورية تمثل قاعدة إستراتيجية بالغة الأهمية للنفوذ الإيراني في الجوار العربي المشرقي، حيث توفر نافذة على المتوسط، وطريقاً آمناً إلى لبنان وشريكاً يعتمد عليه، يجعل من إيران طرفاً في الصراع العربي – الإسرائيلي، كما أن التحالف الإيراني–السوري يعتبر ضمانة حيوية للنفوذ الإيراني في العراق، ومن الناحية الأمنية والإستراتيجية، فهي حلقة الردع الأولى للأمن الإيراني، وتساهم في الحفاظ على المصالح الجيوبوليتيكية الإيرانية وإمتصاص تهديدات الدول الخارجية، الولايات المتحدة وإسرائيل على وجه التحديد، ولذا وقفت إيران بحزم إلى جانب سورية لإنهاء أزمتها، لذلك أعلنت منذ بداية الأزمة دعمها الكامل للنظام السوري، وهذا طبيعي ومفهوم في ظل التحالف القائم بين الجانبين منذ أكثر من ثلاثة عقود، وإنطلاقاً من هذه الرؤية تحركت على كل المستويات لدعم النظام السوري في حربه ضد معارضيه وخصومه في الداخل والخارج، بشكل ساهم في الحفاظ على بقاء النظام وتمكينه من تحقيق إنتصارات مهمة في الفترة الأخيرة، وصمود الإقتصاد السوري في مواجهة الضغوط الدولية التي يتعرض لها.
كما أبدت إيران رغبة في التوسط في الحرب الدائرة في سوريا وأيضاً المشاركة في مؤتمر السلام، وفي هذا السياق قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد “إذا كان لدى كل الأطراف رغبة في التوصل إلى حل عملي للأزمة السورية فمن المفروض إشراك إيران في المؤتمر، من جهتها طالبت الحكومة السورية بمشاركة وفد إيراني في مؤتمر السلام حول سوريا، وحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” فإن وزير الخارجية السوري وليد المعلم قال بأنه ليس من المنطقي غياب إيران عن هذا المؤتمر.
فالسؤال الذي طرح نفسه بقوّة، داخل الدوائر السياسية والديبلوماسية الغربية والعربية، هل من الممكن إيجاد حل سياسي لسوريا من دون مشاركة إيران؟
من دون أدنى شك، إن إعلان وقف إطلاق النار في سوريا أو الإنتقال إلى مرحلة جديدة بدون مشاركة إيران يعد أمراً مستحيلاً وإذا كانت مباحثات “جنيف2″ تهدف إلى وضع نهاية للحرب وإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، فمن غير الواضح تحقيق هذا الهدف دون مشاركة إيران الحليفة رقم واحد لسوريا في هذه المباحثات، وبالتالي فإن وجود إيران خارج دائرة المباحثات، يقضي على كل الحوافز من أجل بذل الجهود لنجاح إجتماع جنيف2 حول سوريا.
بتقديري حل مثل هذه المشكلة المعقدة سوف يكون صعباً وغير كافياً من خلال مؤتمر واحد، ولا يمكن تسميته إلا خطوة هامة في هذا الإتجاه، فالمعارضة السورية تحاول كسب الإعتراف والشرعية من المجتمع الدولي، ولكن يبدو أن هذا الأمر شبه مستحيل في ظل حالة التجزئة التي تعيشها، وهذا أمر يدركه زعماء المعارضة السورية تماماً، كما أن المعارضة ليست موحدة، فهناك عدد من الجماعات المعارضة حيث يوجد خلافات كبيرة وخطيرة في صفوف كل جماعة على حدى، كما أن الإعتماد على الرعاة الخارجيين المتنوعين يزيدهم ويعمق الإنشقاقات فيما بينهم، يمكن أيضاً إعتبار عدم وجود قوة إقليمية قوية مثل إيران في هذه المفاوضات واحدة من سلبيات هذا المؤتمر، أما كل من المملكة العربية السعودية وإسرائيل فهي كما معروف تقع تحت تأثير الغرب، في حين أن تركيا تحاول التصرف بشكل مستقل والعمل بكل الإتجاهات من أجل دعم المعارضة لإسقاط النظام، فضلاً عن إستئناف المساعدات الأمريكية لصالح أحد الأطراف المتنازعة في سوريا، كل هذا يزيد التأثير السلبي على هذه المفاوضات ويزيد من تعقيد المشكلة بين الطرفين.
وبموازاة ذلك يمكنني القول إن عامل غياب إيران عن المؤتمر شكل صعوبات كبيرة في المفاوضات السورية-السورية، ومهما كان فعلى الجميع أن يدركوا أن أحد مفاتيح حل الأزمة السورية موجود في يد إيران، وبالتالي فإن أي مفاوضات من دونها محكوم عليها بالفشل، لذا يجب على المجتمع الدولي أن يأخذ هذا بعين الإعتبار كون إيران تعتبر من إحدى الدول المؤثرة والفاعلة في المنطقة ولا يمكن أن تتجاهل دورها وخاصة في سوريا.
وفي سياق متصل إن سبيل حل الأزمة السورية عند الإدارة الأمريكية أن تبقى أزمة ليتم استخدامها في التهديدات والتحذيرات من الارهاب وبناء تحالفات سياسية جديدة وإعطاء إسرائيل الوقت الكافي لكي تختبر الحقائق على الأرض، وهنا يمكنني القول، إن سياسة اللاحسم التي تمارسها واشنطن، تعكس سياسة مقصودة منها لإغراق الجميع في الوحول التي صنعتها أيدي اللاعبين الدوليين والإقليميين وغير الإقليميين داخل سوريا، غير أن المشكلة الرئيسية تكمن في أنها تأتي على حساب الشعب السوري، ولعلنا في هذا البلد العزيز والغالي على قلوبنا لم ندرك أهمية الأمن وحتمية الأمان ومعنى الأمن والإستقرار، إلا من خلال هذه المرحلة الذي إنتشر فيها الإنفلات والفوضى ثم تحول الى صراع ومواجهات مسلحة إمتدت لمحافظات مختلفة من القطر، دفعت بالسكان الآمنون في أحيائهم وحاراتهم ثمن الصراع وسددوا فاتورة الحساب من دمائهم وأموالهم وممتلكاتهم.
وأخيراً أنهي مقالتي بالقول إن مؤتمر “جنيف 2” قد يكون آخر فرصة لإنقاذ سوريا والمنطقة بأكملها من الفوضى والمذهبية والطائفية وحروب الآخرين عليها، وحفظ الدولة والمؤسسات، ومنع إلتحاقها بـالسيناريو العراقي، والأهم حقن الدم السوري ووقف عمليات الخراب والتدمير والقتل وحماية التراث والمقدرات الوطنية من السلب والنهب، ومن أجل أن ينجح المؤتمر في تحقيق مآربه، يجب إشراك كافة الأطراف المحلية “جميع الأطياف السورية” والإقليمية والدولية في فعالياتها ومقرراته، حتى لا تخرج سوريا من حرب إلى حرب، ومن ثورة إلى فوضى ودمار وخراب وبالتالي إيصال سورية الى بر الأمان، والحفاظ على وحدة سورية وتعددية مجتمعها، وتحقيق الطموحات المشروعة للشعب السوري.