“جنيف2″ بعد أسبوع الحشر: إستروا عورتي وترقبوا إخوتي

“جنيف2″ بعد أسبوع الحشر: إستروا عورتي وترقبوا إخوتي

مؤتمر جنيف 2

الجمعة، ٣١ يناير ٢٠١٤

تابعت كما معظمكم دونما أملٍ أرتجيه تفاصيل ومجريات مؤتمر “جنيف2″ ، حالة اللاأمل كان لها أسبابها المنطقية ، فوفد العدوان على سوريا ممثلاً بموظفي المعارضة المعينين تعيناً والمنتقين بعناية وخبث لم يتلق بعد أية إشارة للتجاوب ولهذا أعيد اليوم ما كررته مراراً بأن لا كبير أو عظيم أمل يجب أن يعقد ” لاعلى جنيف2 ولا على جنيف10 ” ما لم تتوفر تلك الرغبة الحقيقية الصادقة للحل ، وهذه لن يقدمها أصحابها إلا مجبرين صاغرين ، من الواضح هنا أن على بواسل الجيش السوري فقأ أعين أعداء الوطن بإستكمال مسلسل بطولاتهم وانتصاراتهم ،البطولات التي لولاها ما كان “جنيف2″ ، كذا لن يكون لسوريا بعيداً عنها أن تعرف قادمات “جنيف” . البطولات التي كان لها عظيم الدور في دعم موقف وأداء فريق الوطن ، كما في كشف عورات فريق العدوان .. الوكيل بعد الأصيل .
أي بشرٍ يرفضها أيها البشر ؟!
المبادئ التي تعلن الوطن قاعدةً وأساساً وبنياناً واحداً موحداً سيداً كريماً .. من يرفضها ؟ ، نحن نعلم علم اليقين بأن قبولها لم يك يعني بأي حال من الأحوال نجاح المفاوضات ، ولم يك يعني بأي حال تحقيق معجزة لا تراجع عن الكفر بها من قبل من حاول الوفد السوري الوطني إحراجه لتبني وثيقتها . لكننا نعلم بأن الكون بأسره بات يعلم اليوم علم اليقين بأن الوفد السوري الوطني لم يك في “منترو ” مفاوضاً وحسب ، لكنه كان بارعاً أيضاً في إظهار القديم الجديد من العبقرية السورية في السياسة كما في غيرها ، ، ما فعله الوفد السوري كان للآخرين كما يوم الحشر ، لكن من قام بالحشر هذه المرة مستبقاً يوم الحشر .. كان مجموعةً من البشر نالوا وسام الشرف بتمثيلهم لوطنٍ بات لإسمه وترابه صلات قربى من الدرجة الأولى مع القداسة والألوهية ، وطنٌ لا نغالي إن قلنا أنه بات لمعظم السوريين صلاتهم وقيامهم ومسجدهم و كنيستهم ومعبدهم وأن أرواحهم كما قلوبهم باتت تحفظ عبر سنوات عمر الحرب عن ظهر قلب مفردات القداسة في نشيدي موطني .. وحماة الديار … .
أسبوع الحشر في “مونترو”.
ما كان في “مونترو جنيف2 ” هو حشرٌ لآخرين في زوايا إتهامية لا تقبل الدحض ولا يرتضي معها محامٍ عاقل و شريف مهمة الدفاع عنهم بعد سماع تفاصيل الوطن المدعي على من أجرم بحقه ، وما كان أشد من الحشر هو تسليط أضواء الحقيقة وأنوارها على ملامح وتفاصيل من يقبع في زاوية الحشر ، والتقاط الصور التذكارية للجمع المحشور ، الأصيل منه قبل الوكيل ، وتوثيق اللوائح الإتهامية لهذا الجمع ، الوثائق والصور التي لن ينساها المكان ولا الزمان ولا البشر ، شرقيون كانوا أم غربيون ، سوريون أم أعرابٌ غجر . طروحات الوفد السوري الثلاث المتتالية كانت فرصةً لمن آمن بالوطن دستوراً وقانوناً ناظماً للأعراف والأخلاق والحقوق ، وإن لم تك كذا ، فهي على أقل تقدير أساسٌ متين وقاعدةٌ صلبة لما ذكرت من توصيف … .
من يرفض التجاوب والتعاون لإنقاذ الوطن ؟ كأني بصوت التاريخ ينادي مجيباً .. هو من كان الكفر يغذي خلايا عقله العفن ، وكانت العمالة تغرقه في مستنقعاتها ، وكانت النذالة تلوكه وتبصقه أو تتقيؤه في مجاري صرفها ، وكان الوطن غائباً عن قائمة ولاءاته ، فهناك الطائفية التكفيرية التي يغذيها الثلاثي الاخواني السلفي الوهابي ، وهناك الأحلام الدونكيشوتية لأغلب أفراد الفريق المحشور بهذا المنصب المستقبلي أو ذاك ، وهناك اللعاب الذي يسيل مدراراً من أفواه أعضاء الفريق المحشور أمام مفرداتٍ فيها من الإثارة ما يعجزون عن مقاومته .. كالدولار واليورو والريال والدينار والدرهم ، وهو أيضاً من سأسجل أنا التاريخ للتاريخ ، أنني قد أصبت يوماً بحالة من الجمود والحيرة والضياع ساعة قمت بتدوين أسماء وأقوال وأفعال هذا الفريق المخجل ، و نفسي تسأل نفسي أين عساني أحفظ هذا الكم الهائل من نزف الخيانة وجنون المنطق وكفر الدين وأقوال المجانين و مواقف التائهين ، وإنتماء من لا إنتماء له ؟ … .
تفكروا قليلاً ، هل يصح القول .. أنا وطني وحيادي ؟
حقيقةً .. سأطلب منكم ألا تصدقوا كلمة واحدة مما كتبت ، وألا تقتنعوا بكل ما جاء في مرافعتي المتواضعة العفوية .. قبل أن تتفكروا بعيداً عن أي تأثير ، وبمنتهى التلقائية والتجرد والحيادية “ما أمكن” فكل الحياد ممكن في قاموسي .. لكن كل الحياد ينتحرعلى أعتاب مفردة وطن . فكروا فقط في مسألة الإختلاف مع الوطن ، وإن أراد أحدكم نقاش كيفية توصيف الحالة .. “بالخلاف مع الوطن” ، نقول بأن من يتذرع بخلافه مع القيادة السياسية لوطنه ليدعم أو يدافع عمن يعادي الجيش الوطني لبلاده و يدافع عمن يذبح شركاؤه في الوطن ويعدم جنود جيش الوطن ويدمر دور العبادة و البنى التحتية للوطن و يضع مستقبله ووحدة أراضيه في دائرة الخطر المحدق ، هو لا شك معادٍ للوطن . فأحدنا قد يختلف مع جاره أو قريبه أو صديقه أو أخاه أو أمه أو روح أبيه ، لكنه لا يستطيع ولا يملك أن يستطيع إن كان إنساناً أن يختلف أو يعادي وطنه . أما الشيء أو الكائن الذي كتبنا عنه فهو فقط تلك الحالة الشاذة في معنى الإنتماء إنه الشيء أو الكائن الذي يرفض وضع مصلحة الوطن والمواطن على رأس قائمة الأولويات والأهداف والأحلام والمواقف الشخصية متأثراً بكل أشكال التبعية … .
بين المعلوم والواضح والمفهوم والمتوقع .
كان معلوماً منذ البداية أن حظوظ تفاهم عباقرة السياسة السورية مع ” ثلة تلاميذ روبرت فورد ” التي ائتلفت أو تم إسناد أدوار البطولة لبعضها فيما كان لآخرين أن يكتفوا بأداء أدوار الكومبارس هي حظوظ شبه معدومة .. ، كان واضحاً أيضاً أن المفاوضات سوف تتمحور أصلاً على جوهر “جنيف1″ ، وتجيير وجهة نظر حلف العدوان حول نقل الصلاحيات الرئاسية من خلال الحكومة كاملة الصلاحية ، لصالح الإدعاء بعدم تجاوب الفريق التفاوضي الحكومي الوطني ، وكأن كل ذاك الجمع من ” تلاميذ فورد ” كانوا في لحظة واحدة وبشكل جماعي قد أصيبوا بالصمم ، وكأن بعض الحمير قد التهمت في ذات اللحظة شعير عقول العباقرة . فلا هم سمعوا كل التصريحات والتأكيدات التي جاءت على لسان معظم أفراد القيادة السورية ، بدءًا بالرئيس بشار الأسد ، وصولاً لزعيم الدوبلوماسية السورية الوزير وليد المعلم ، و ليس إنتهاءً بالمسؤول الأول عن الرسائل الإعلامية للدولة الوزير مروان الزعبي . الذين حرصوا جميعاً على تكرار ذات المواقف المبدئية التي لا نقاش فيها ولا جدال فيما يتعلق بالكرامة الوطنية وحق الشعب السوري في تقرير مصيره وإختيار قيادته وممثليه ..
ما كان متوقعاً أيضاً ، مسألة اللعب على أوتار المفردات والتأويلات والتفسيرات والأولويات ، وهي الحالة التي تنازعها عنوانان إثنان ، وأن الصراع كان على فرض أحد هذين العنوانين أساساً وأرضيةً لإتفاقٍ لا أمل للعقل بإنجازه بين الفريقين المتفاوضين ، الوفد السوري الوطني من جهة ، وداعمي وممولي وسادة “ائتلاف الجربا” من جهة ثانية . العنوان الأول هو قضية المساس بالسيادة و الكرامة الوطنية التي يشكل الرئيس بشار الأسد وجيش الوطن في ظل الحرب العدوانية لسنواتٍ ثلاث على الوطن السوري أهم مرتكزاتها وضمانة حاضرها ومستقبلها .. يخطرني هنا مقالٌ كتبته منذ نحو عامين بعنوان “ما بعد التنحي في الواقع الإفتراضي .. وأتباع اللهو الخفي” وفيه كما اليوم أرد على تساؤل أو إحتجاج البعض على فكرة ضمانات الأوطان وأتوقع فيه سيناريو ما بعد التنحي الذي كان يغازل ويداعب آنذاك عقول أصحابه .
بإختصار شديد نقول بأن السيناريو الذي فرضه العقل والمنطق حينها كان أسوأ بمرات من الواقع المر الذي نعيش اليوم . ولهذا قلنا حينها بأن مقام رئاسة الوطن السوري كان خطاً أحمر ، هكذا هو اليوم ، وهكذا سيبقى .. أنا هنا مع العنوان الراقي الحضاري الديمقراطي الذي يقول : دعوا ما للشعب .. للشعب ، واتركوه يقرر هوية رئيس البلاد وشكل نظامها السياسي ، ولتكن صناديق الإنتخاب هي الحكم والفيصل ، وهذا ما أعلنه لأكثر من مرة الرئيس بشار الأسد .. من هذا المنطلق كان مفهوماً أيضاً دونما دهشة أن حالة الصدام الحتمي واقعةٌ لا محالة ، فيما خص تجاوز وفد ” الائتلاف الآل سعودي ” للخطوط الحمر وإصراره على الإنطلاق من مناقشة مسألة الحكومة الإنتقالية كاملة الصلاحية ، و هي المسألة التي يرفضها السواد الأعظم للشعب السوري لأن فيها مساساً بمقامي الرئاسة والجيش معاً ، حيث أنها مخولة بتسيير وإدارة وتحديد شكل ومصير الجيش والقوى الأمنية ، الأمر الذي لن يتم آنذاك بعيداً عن رغبات ومصالح صهاينة الكون بأسره يهوداً ومتأسلمين . فيما حارب ذات الائتلاف عنوان الحرب على الإرهاب الذي حمله الوفد الوطني السوري إلى “مونترو ” بتفويضٍ من الشعب والرئاسة وتأييدٍ من العقل والمنطق ومشاعر الإنتماء لذرات تراب الوطن الذي يستهدفه هذا الإرهاب … .
تعالوا أخيراً لنعترف ..
لا بد من الإعتراف أخيراً بأن الحالة السورية هي حالة تناقض بعض الحقائق العلمية وتخالف بداهة بعض النظريات الوضعية وتقلب بعض المفاهيم على رؤوس أصحابها ، وتعلن عن تشكيل مدرسة تاريخية جديدة وتؤسس لظاهرةٍ فريدة سوف تكون في المستقبل مقياساً للحكم على غير ظواهر وإعادة تقييمها . هذا الأمر يبدأ من خصوصية الوطن السوري كموقع وأهمية ومركز ثقل كوني باتت قيادات وحكومات العالم أجمع مهتمة بتأمين موطئ قدم لها على خارطته السياسية أو الإقتصادية الإستراتيجية . و هذه الخصوصية ، أي ” الصراع الكوني على سوريا ومعها ” ، تتميز بالإيجابية والسلبية في آنٍ معاً ، وإن نحن إكتفينا اليوم بجانبها السلبي لقلنا أنها كانت لتودي بغير بلدان وغير شعوب وغير جيوش نحو قيعان الجحيم والعدم والفناء ، قد يتمنى أحدكم هنا مقاطعتي ليسألني ” وربما بشيء من التهكم ” ألم يدخل الوطن السوري بوابات الجحيم بعد ؟؟ ، لأجيبه بلا أدنى تردد بنعم ، ولأردف قائلاً : بأن البون جد شاسع بين ولوج بوابات الجحيم وبين إرتماء من يلجها في قيعانها بلا حول ولا قوة و لا نبض ولا أنفاس ولا حياة . والفارق الجوهري هنا أن كل من سعى على مدار نحو أعوامٍ ثلاث للقضاء على سوريا الوطن والوجود قد فشل ، وأن معظمه إستسلم بعد أن أصاب اليأس روحه ، وأن بعضه سقط سريعاً وصريعاً ضحية محاولاته .. هكذا هي البلدان التي لا تشبه في شيء أشباه الدول ، عصية على الكسر ، تعاند الاعاصير ، تهزأ من الأنواء ، تنهض من قلب البراكين ، و تبلسم جراحات الزلازل التي يفترض أن تصيبها في مقتل وتفنيها .. هكذا هي سوريا .. . هكذا كانت ، وهكذا ستبقى ..