بين المتعة والواقعية... المونديال يقسم العالم

بين المتعة والواقعية... المونديال يقسم العالم

الأخبار الرياضيــة

الجمعة، ٦ يوليو ٢٠١٨

تغيّرات كبيرة شهدتها كرة القدم العالميّة. إيميه جاكيه غيّر فكر فرنسا في عام 1998، المهاجرون كانوا كلمة السر. المدرسة الألمانيّة بدأت ثورة بعد مونديال 2002، ولحقت بها دول أوروبيّة عدّة. حتى دول أميركا الجنوبية قامت بمراجعة للفلسفة الكرويّة مع ازدياد أعداد اللاعبين المحترفين في القارة العجوز. كرة القدم باتت تُدرَّس، الموهبة تقدّم المتعة، ولكن اليوم حتى اللاعب الموهوب بات مطلوباً منه الانضباط التكتيكي وتعلّم القواعد، وإلّا فلا مكان له بين العشرة الأساسيين، لتنقسم الآراء بين المهارة والانضباط.
مفاجآت كبيرة شَهِدها مونديال روسيا الحالي. المنتخبات المرشحة لرفع الكأس العالمية خرجت من الباب الضيّق. ألمانيا والأرجنتين وبعدهما إسبانيا والبرتغال، فيما لا تقدّم منتخبات مثل إنكلترا والبرازيل المستوى المطلوب. فرنسا عادت لتُقنع، كذلك الأوروغواي والسويد تتعاملان بواقعيّة. كأس العالم تغيّر مع تغيّر الفلسفة الكرويّة في العالم. 
«القيصر» الألماني فرانتس بكنباور يرى أن كأس العالم لن يكون في السنوات المقبلة بطولة مشوّقة، ولن ينتظرها الجمهور كما كان يفعل سابقاً، لانّ المستوى بات ضعيفاً، والجماهير التي كانت تنتظر المونديال كل 4 سنوات، باتت تشاهد لاعبيها كلّ أسبوع مع أنديتهم. وجهة نظر «القيصر» تدعمها وجهات نظر أخرى ترى أنّ كأس أوروبا أفضل من كأس العالم على المستوى الفنّي، وخصوصاً أن المنتخبات الأوروبية اعتادت السيطرة على الأدوار الإقصائيّة في المونديال. 
أما دوري أبطال أوروبا، فهو أيضاً البطولة المفضّلة لعددٍ كبير جدّاً من المشجعين حول العالم. أبرز النجوم يشاركون مع أنديتهم ويُقنِعون، بخلاف ما يحصل في كأس العالم. ليونيل ميسي مع برشلونة في أوروبا، مختلف عن ذاك الذي يرتدي قميص «راقصي التانغو»، فهو يلمع هناك في «كامب نو». 
رونالدو أيضاً توّج نفسه ملكاً لدوري الأبطال، بينما هو أسير المجموعة في البرتغال. المتعة في الساحة الأوروبية حاضرة أكثر منها في كأس العالم، والنجوم مع أنديتهم يُمتعون ويُقنعون، وهو ما لا يحصل مع منتخباتهم في المونديال، حيث الضغوط وعدم الانسجام لدى البعض يقضيان على المتعة. 
وبرأي الكثيرين، المستقبل هنا يصبّ في مصلحة «التشامبيونز ليغ» وكأس أوروبا، فيما تبقى قيمة كأس العالم معنويّة. تجمّع عالمي «ثقافي ـ سياسي ـ رياضي ـ تسويقي»، وتصبح التظاهرة الكرويّة تحت عباءات كثيرة، ولكنها لم تعد تقدّم كرة قدم جميلة كما في ثمانينيّات القرن الماضي وتسعينيّاته، أيّام دييغو أرماندو مارادونا ورونالدو وروبرتو باجيو ولوثار ماتيوس وغيرهم...
وجهة نظر ثانية في العالم اليوم، تفضّل المونديال على جميع البطولات الأخرى، وترى أنّه منذ عام 1998 بات كأس العالم أكثر عدالة. لم يعد هناك منتخب كبير على مستوى كرة القدم في العالم. الأكاديميّات والفلسفات ذلّلت الفوارق، ثنائية ألمانيا والأرجنتين التي ظهرت يوماً في النهائيات العالميّة كُسِرَت، وبات أي منتخب قادر على الذهاب بعيداً، بفعل احتراف لاعبيه، وانتشار المدربين في العالم لنقل تجاربهم وخبراتهم إلى بلدان استثمرت أموالاً طائلة للحصول على خدماتهم.
عدد كبير من الجمهور يفضّل هذا التطوّر، وهذا الجمهور سعيد بالمنافسة، يفرح لوصول السويد وأوستراليا إلى الدور الثاني في مونديال ألمانيا 2006، وتأهل أوكرانيا إلى الدور ربع النهائي في المونديال عينه. تجد هذه الفئة متعة بتأهّل غانا وسلوفاكيا وتشيلي واليابان إلى دور خروج المغلوب في جنوب إفريقيا 2010، ومستوى الجزائر المميّز أمام ألمانيا في 2014. في معظم الأحيان تكون مباريات كاس العالم مُغلقة ومن دون مستوى فنّي عالي، انضباط تكتيكي وتكتّل دفاعي، ولكن عدم تفوّق منتخب على آخر بشكلٍ ساحق هو ما تفضله هذه الفئة من الجمهور، منافسة حقيقيّة بين المنتخبات التي كانت تصنّف صغيرة، مع الأربعة الكبار (ألمانيا، البرازيل، إيطاليا، الأرجنتين) يعطي متعة إضافية لكرة القدم.
إذاً ينقسم العالم اليوم بين وجهتي نظر، واحدة تفضل المتعة والمهارة، وأخرى تفضل المنافسة حتى على حساب المستوى الفني. لكن بين هذا وذاك تبقى صورة كأس العالم كبيرة، فهي التجمّع العالمي المثالي في بلد واحد يستقطب لمدة شهر عالم الرياضة والسياسة والثقافة وحتى التجارة.