هوس مباريات دوري الأبطال والكلاسيكو.. جلسات حماسية تشتعل بصرخات الفوز.. ومشاحنات بنكهة التعصب الأعمى للفرق الرياضية..

هوس مباريات دوري الأبطال والكلاسيكو.. جلسات حماسية تشتعل بصرخات الفوز.. ومشاحنات بنكهة التعصب الأعمى للفرق الرياضية..

الأخبار الرياضيــة

الجمعة، ١٦ ديسمبر ٢٠١٦

لم ينفع التعادل الإيجابي الذي انتهت به مباراة “الديربي” الأخيرة لكرة القدم، أو ما يعرف بـ “الكلاسيكو”، الذي يجمع بين قطبي الكرة الإسبانية نادي الريال ونادي برشلونة؛ في تخفيف حدة التوتر والاندفاع عند مشجعي الفريقين محلياً، فلا تخلو المحادثات قبل “الكلاسيكو” وبعده، أو قبل مباريات دوري الأبطال عموماً وبعدها من صخب وحماس كبيرين عند جمهور يرفع راية التشجيع لأحد الفرق العالمية، ويترجمها برغبة عارمة واندفاع شديد “لتكسير رؤوس” و”تهشيم جماجم” جمهور الفريق المقابل أياً يكن، الجميع يريد أن يحظى بنشوة الانتصار الوهمي وغبطة الفوز المؤقت في أحداث رياضية تبتعد عنا آلاف الكيلومترات، والجميع يمكنه تأويل النتائج وتفسير الأرقام على هواه، فتنتهي المباريات ولا ينتهي في ختامها السجال الدائم والجدل والتنافس بين أفراد الجمهور المشجع، تنافس ملفت يأخذ على المستوى المحلي أشكالاً مختلفة قد تصل للصدام فعلاً عند جمهور واسع عشق كرة القدم منذ زمن بعيد، واعتاد متابعة مبارياتها في مختلف الظروف والأوقات، ومهما اشتدت الأزمات أو تعاقبت المحن.
هوس دائم
ومع تصاعد منافسات دوري أبطال الأندية الأوربية وتحديات فرقه العالمية، يبدو أن هوس متابعة مبارياته المختلفة قد أصبح هاجس جمهور واسع من الشباب السوري بطرق مختلفة إما على القناة الأرضية التي كسرت تجارة الاحتكار والنقل الحصري لهذه المباريات وأعادت الفرح لجمهورها، أو في المقاهي والصالات العامة التي وجد أصحابها من هذه الأحداث فرصاً استثنائية لاستقطاب الزبائن والمشجعين فعرضوا مبارياتها على شاشات خاصة، وجهزوا كل الظروف الملائمة لاستقبال المشجعين وسميت المشروبات والطلبات المختلفة بأسماء المواجهات الكبرى، فتجد أحد المقاهي على سبيل المثال قد وضع على قائمة مشروباته مشروباً خاصاً اسمه “الكلاسيكو”، وتجد آخر قد غير عنوان مقهاه بالكامل لما يتناسب مع هذه المباريات وينسجم مع أجوائها الخاصة، أما الجمهور المتابع وجله من الشباب فيبدو في حالة ترقب دائم لهذه الأحداث، ويعيش معها حالة الانتماء والتوحد والشعور بالتعصب الكبير لهذه الفرق، وربما تألف عبارات كثيرة تسمعها في هذا الخصوص مثل “ريالي للعضم” أو “برشلوني للموت”  وغير تلك التسميات التي تؤكد الانتماء المطلق للنادي لهذا النادي الأجنبي أو ذاك، يؤكد بهاء على سبيل المثال وهو شاب عشريني تعلقه بالنادي الألماني “بايرن ميونخ” ويتحدث عن معرض كبير للصور متوفر لديه يتضمن أهم اللاعبين الذين مروا في تاريخ هذا النادي، إضافة لمقاطع فيديو كثيرة لأهم أهداف النادي وأجملها، كذلك يتوفر لديه علم كبير لناديه معلق في غرفته، ويختم الشاب لمتابعة مباريات الفرق العالمية متعة خاصة ونكهة فريدة، ومثل بهاء الكثير والكثير من الشباب.

حدد فريقك
والملفت أن الانتماء لأحد هذه الفرق بات في أوساط الشباب حالة إلزامية تشبه في بعض الأحيان حاله السؤال عن المنطقة أو المدينة التي تنتمي إليها، ولا ينفع في “شلة” شباب تكون جزءاً منها أن تقف على الحياد دون أن تحدد أحد الفرق لتشجيعها، وهو ما يؤكده هاني الذي تحدث عن إحراج متكرر يضعه فيه أصدقاؤه بسؤالهم المتكرر عن الفريق الذي يشجعه، ويضيف رغم كوني متابعاً ومهتماً بالأحداث الرياضية المختلفة، إلا أنني أفضل تشجيع اللعب الجميل بصرف النظر عن الفريق، في المقابل يشعر هادي بالضغط المستمر والوحدة والانعزال في نهاية معظم المباريات التي تجمع فرق الدوري الإسباني، باعتباره المشجع الوحيد لنادي برشلونة، في حين أن باقي أصدقائه يشجعون النادي الملكي (ريال مدريد) ويضيف أشعر في نهاية المطاف أنني سأصبح خارج هذه “الشلة” لأجد أصحاباً جدداً يتوافقون مع أهوائي الرياضية، ومن الطريف أيضاً أن نتابع تفاعل الجمهور والمشجعين مع هذه النوادي على مواقع التواصل الاجتماعي ونشاهد السجال الذي يحدث باستمرار في نهاية كل مباراة، وكان مثيراً للاهتمام اختبار خاص انتشر منذ مدة على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك يحدد هوية منفذه إن كان مشجعاً مدريدياً أو برشلونياً عبر تحليل شخصيته وإجاباته، ويقدم المصممون لهذا الاختبار نصيحة في نهايته في حال كانت النتيجة عكس الواقع وهي إعادة التفكير في اختيارك، وبالعودة إلى أنشطة التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل مشجعي هذه الأندية، يبدو عمار وهو شاب ثلاثيني مشغولاً بالتغني بهدف راموس الذي سجله في الدقيقة الأخيرة من مباراة الكلاسيكو محرزاً التعادل ضد برشلونة، ويؤكد أن هذا التعادل كان بنكهة الفوز بالنسبة إليه، في حين تظهر منشورات فادي، وهو شاب آخر، رواية مختلفة تتحدث عن حرمان النادي الملكي من الفوز واللعب الممتع الذي قدمه فريق برشلونة ويصبغ على التعادل نكهة الفوز أيضاً، وحال هذين الشابين حال شبان كثر من هواة الأندية العالمية وجماهيرها يعيشون هذه المشاحنات الدائمة.

حلم مفقود
وفي إطار كل ما تقدم من إقبال ملفت للشباب السوري لمتابعة الأحداث الرياضية ونشاطاتها رغم كل ظروف الأزمة ومع تأكيد الكثيرين منهم عزوفهم وعدم متابعتهم أخبار الفرق المحلية ونتائجها بنفس السوية والشوق الذي يبدونه للفرق الأجنبية، يبدو السؤال عن الأسباب النفسية التي تدفع بالشباب باتجاه تشجيع فرق وأحداث رياضية بعيدة عن مجتمعنا مهماً في فهم هذه الظاهرة، وهو ما يتحدث عنه الدكتور غسان منصور أخصائي علم النفس المعرفي (عمليات عقلية) في كلية التربية بدمشق، إذ يوضح أن الاتجاه الذي ينحو إليه الكثير من الشباب السوري في تشجيع الفرق الأجنبية يمكن أن يفهم على المستوى النفسي بأنه في إطار استكمال شيء مفقود من حياتهم لتحقيق حلم قديم بوجود فريق يمثلنا ويكون على مستوى جيد عالمياً، ويكمل: إن النفس الإنسانية تبحث دائماً عن بدائل للتعويض، لذا يجد هؤلاء الشباب ضالتهم في فرق عالمية تلامس حلمهم القديم، لأنه يجب إيجاد بدائل عن تلك المفقودة على المستوى المحلي فيحاولون تحقيق أحلامهم، بطريقة واقعية حسية، وهي حالة أو نوع من التفريغ الانفعالي والانشغال عن الواقع، لكن الحالة الطبيعية أن يكون التشجيع لفرق على المستوى المحلي.

تعبير انفعالي
ويضع الدكتور منصور حالة التشجيع والميل لمتابعة الأحداث الرياضية في المجتمع السوري في إطار التخفيف عن الضغط والأعباء في يومياته وضمن حاجة هامة موجودة عند الإنسان عموماً، ويسعى لإشباعها بشكل دائم، وهي الحاجة إلى الإثارة الحسية والتي تتقاطع مع الحاجة إلى التعبير الانفعالي الجماعي، أو ما يسمى بالعدوى الانفعالية، والتي تساعد الإنسان من التخلص من الكثير من الانفعالات السلبية الضاغطة في حياته اليومية، لذلك غالباً ما نجد أن المشجعين يقومون بالصراخ والقفز والحركات التعبيرية الأخرى عند متابعتهم لهذه الأحداث الرياضية.

حاجة للانتماء
في المقابل يرى اختصاصي علم النفس الدكتور سليمان كاسوحة والمدرس في كلية التربية أن تشجيع الفرق الرياضية يمكن أن يفسر من ناحيتين أولهما المتعة التي تلبي الراحة والتسلية بالنسبة للجمهور والأشخاص المتابعين للأحداث الرياضية ومن ناحية أخرى فإن التشجيع لفريق معين يشبع حاجة الانتماء على المستوى الشخصي وفي نفس الوقت يعكس آلية لا شعورية لموضوع التعصب، فعندما يأخذ شخص ما خطاً في تشجيع ناد معين هذا يقدم مؤشرات نفسية لميوله للحماية أنه مع جماعة معينة تمثل رغباته وأفكاره وهو موضوع يكون جميلاً ويأخذ خصوصية في مجتمعات الشباب التي تكثر فيها “الكروبات” أو ما يصطلح بتسميته بالشلة، ويكمل كاسوحة التشجيع في الحدود الطبيعية هو حالة طبيعية وإيجابية، لكنها قد تأخذ مؤشرات خطرة في بعض الأحيان، مثلاً قد تعكس حالة تعصب خفي في عدم قبول الآخر، كمؤشر على تعصب إذا كان فعلياً وحقيقياً وخارج إطار المزاح، ويختم كاسوحة، التعلق بشخصيات عالمية قد يعكس أيضاً، في مستويات مبكرة عند المشجعين من الأطفال مثلاً، ميلاً لديهم لتحقيق طموحاتهم بأن يصبحوا مثل تلك الشخصيات في المستقبل.

محمد محمود