قضايا مصيرية حول الشعر وتحولاته

قضايا مصيرية حول الشعر وتحولاته

شاعرات وشعراء

السبت، ٤ أبريل ٢٠١٥

محمد خالد الخضر
بعد أن درجت عادة وصول أصحاب الكلمة الانكشارية إلى المنابر مستسهلين الحركة الالتوائية، والانعطافية والتي تؤدي إلى وصول بسيط سهل مع كأس أو غير ذلك.. صار هؤلاء يسمون ما يقولونه شعراً ولكون هذا الشعر جاء بلا شكل ولا لون ولا طعم وهو في حل من الحركة الإعرابية بدؤوا يسمونه شعراً حديثاً.. قد وجد ليفهم معناه بعد مئة عام وهذا تصغير للمتلقي وتحقير لذائقته الشعرية.
كما أن هناك أمراً جديراً بالذكر.. أن الشعر الذي بدأ يسلب غيره الحقوق والمعطيات والذي يتكئ أحيانا على شيء من موهبة أو عفوية أو بساطة هو الآخر دخل في حيز المهزلة لأنه لم يتمكن من الحركة الإنسانية التي تصل إلى مستوى الشعر ولاسيما أن كافة أنواع الخلل تنخر في مكوناته وهذا ما قرأته في أهم الصحف الأدبية والثقافية الصادرة في وطننا الحبيب سورية.. فكيف لي أن أحترم قصيدة وهي منهوكة بالإقواء والقصم والتعب التعبيري.
ومن هذا وذاك نجد أن وسائل الإعلام المرئية راحت تنفش ريشها وتمد يدها إلى هؤلاء ليضربوا بأبياتهم المكسورة والمنهوكة على رأس القصيدة ورأس من يحب الشعر.. وفي الوقت عينه تفعل المجاملة والمؤانسة والمواحدة والمعاشرة والملاطفة فعلها فتزهو النساء المتشاعرات منهن.. وتطرح نفسها معتبرة أن لها كل هذه الحقوق والمتطلبات وعلى العالم الاجتماعي أن يزغرد لها، وإن هو لم يفعل فغضب الله كله سينهال على رأسه.. وإنّ أقرب مثال على ذلك أذكره تماماً عندما عاتبتني إحدى النساء وقالت : أستاذ لماذا لا تيسر أموري وتدفع بي إلى الأمام فجميعهم يعترفون بي ويقرؤون شعري جيداً إلا أنك لم تتمكن من قراءتي حتى اليوم.
قلت للشاعرة الواعدة : هذا لأنني لا أطمح منك بشيء ولا أرغب بشيء أيضاً ثم قالت: ألم تر مقابلاتي التلفزيونية والإذاعية ألم تسمعني على المنابر ؟.
فأجبتها : إن هؤلاء سيلقون بك إلى التهلكة.. وسترين إلى أي منقلب تنقلبين.
فلماذا لا يلتفت أصحاب الشأن إلى طرائق إعداد البرامج والصفحات الثقافية؟ ولماذا لا يرحمون هذا الوطن الذي حبل ذات يوم فأنجب بعض الشعراء المارقين ؟.. لأنهم صالوا وجالوا ضمن دوائر التصفيق والتلفيق.. فكيف سنفرق بين الشعر وبين الشعير إذا كنا قد وصلنا في تقييم الكلمة والشعور إلى هذا الدرك الحقير؟.
وأكثر ما ألقي به اللوم على أصحابنا النقاد الذين ينظر إليهم الوطن متسربلاً بالعاطفة والحنان متوقعاً منهم أن يقولوا كلمة الحق إلى أن ضل بعضهم الطريق وامتهن اللعب البهلواني متأملاً بوليمة تبلُّ رمقه في شقة ما أو شارع ما أو تحت ظل شجيرة خضراء تجاورها أعمدة الضوء وبساتين الدفلى.. فالنقاد راحوا يبحثون عن مخارج للنساء ولأصحاب الشأن من دون أي معيار ومقياس وإن كانت هناك قراءات أو دراسات نقدية فهي قليلة جداً وبريئة من الساحة الثقافية التي تغص بالديوك والدجاجات الشمطاء وتنهزم منسحبة في الدقيقة ألف مرة لأن سيوف الشعر منكسرة على جدرانها، وبحور الخليل أصبحت عفنة والجرح يتوسع وليس هناك من مجيب مهما أرهقتنا الظروف.
وأكاد أجزم أن كافة الوسائل الإعلامية بتشعباتها وأنواعها ومن يعمل بها لا يعرفون في هذه المنظومة إلا اسمها الذي يتجلى بعدم الثقافة والمعرفة وبالتقصير في المواجهة وقول الحقيقة.. الآن.. فحسب تحتاج سورية من هم على غاية في الصدق وغاية في الاحترام والتقدير حتى يمكن الدخول إلى منظومة الشعر والثقافة لأنها صاحبة الفضل في تكوين البنية الشخصية للإنسان، أو تساهم في ذلك فأيُّ شعر هذا الذي تصنعه كأس خمر أو طاولة سكر أو هدية أو حتى صحيفة أو دورية مخترقة ثقافياً، فتيقنوا يا أولي الألباب واعلموا أن خيانة الضمير وخيانة المشاعر أشياء قد تؤدي إلى خيانات أخرى.. فاكتبوا وعوا.. واعلموا أن التاريخ بالمرصاد.. فلا مال يأتي بالشعر.. ولا السيقان.. ولا أحمر الشفاه.. ولا غير ذلك.
تعال أيها المتلقي واقرأ معي هذه الأبيات للشاعر الدكتور جهاد بكفلوني عساك تتصالح مع الشعر:
ماذا دهانيَ قالَ الشِّعرُ مكتئبا.... وغابَ يمسحُ دمعاً جفَّ منسكبا
كالعنكبوتِ حبيساً رهنَ زاويةٍ.... أغفو وأصحو على النسيانِ مغتربا؟
ما بالُ كأسيَ لا تغري بنكهتها.... أين السلافُ التي عتّقتُها حقبا
رعيّتي بايعت غيري ممزّقةً.... تاجي الذي زانَها خلْداً بما وهبا
نعشي مشيتُ به وحدي أشيّعني....ولستُ مستجدياً فنّاً ولا أدبا
فلتكتبوا إن مررتُم فوق شاهدتي:.... مَن ضيّعَ الشّعرَ يوماً ضيّعَ العرَبا

اللهم اشهد أني قد بلغت.