دمشق- الشّام... في شعر (توفيق أحمد).. بقلم: مرهف زينو

دمشق- الشّام... في شعر (توفيق أحمد).. بقلم: مرهف زينو

شاعرات وشعراء

الجمعة، ١٣ فبراير ٢٠١٥

تحضر دمشق – الشام بشكلٍ لافتٍ في أشعار الشاعر (توفيق أحمد)، وعلى وجه التحديد في مجموعة من القصائد في كتاب (الأعمال الشعرية الصادر عن وزارة الثقافة _الهيئة العامة السورية للكتاب)..هي: (وردة لدمشق ص 438)، (وردة أخرى لدمشق ص 458)، (حمامةٌ سألت ص 463)، (دمشق الشام ص 464)، (على سرير يديها ص467)، و(لدمشق الخلود ص 468) و(قدما آدم ص399)و(عندما ص400).
...وإذا كان الاحتفاء بالمكان وتمجيدُهُ؛ والتغّني بجمالياته وعراقته وأهميّته هو إحدى السّمات التي يتّصفُ بها شعرُ شاعرنا (توفيق أحمد)، حيث تزدحم في قصائده المدنُ والأمكنة بكل ما لها وفيها من دلالات ومعانٍ.. حين يستحضر مُدناً من أمثال: (بغداد، صنعاء، طرابلس، بيروت، المعرّة، حمص، السّلميّة...) وغيرها، إلاّ أنّ احتفاءهُ بدمشق وتمجيدهُ لها يكتسب خصوصيةً ودلالاتٍ تَخْرُجُ عن إطار جماليات المكان؛ فهو احتفاءٌ بالتاريخ والهوية والانتماء، وتمجيدٌ للحضارة التي نهضت من أحضان دمشق –الشام.. فهي التي (على سرير يديها خدُّ الزمان ينامُ) وهي التي (يتنهدُ التاريخُ في أضلاعها) وهي (العربيّةُ وجهاً وخافقةً في غوطتيها المجدُ قد ولدا)...
وفي تناوله لـ(دمشق) كواحدة من الموضوعات الرئيسة في شعره، والمحبّبة إلى قلبه؛ تظهر دمشق معشوقَتَهُ الأولى ومحبوبتَهُ الأزليّة التي تسكنه، تماماً كسُكنى الروح في الجسد في تلاقح وعناقٍ لا تنفصمُ عراهما. يقول الشاعر في قصيدة بعنوان (دمشق الشام– الأعمال الشعرية ص 464):
يـا شـامُ كـأسيَ إلا مِـنْكِ فارغـةٌ    سواكِ يا حلوتي كلُّ الكؤوسِ سُــدى
يا وردةَ العمرِ أنتِ الروحُ في جسدي   هل تخفقُ الروحُ إنْ لم تسكنِ الجسدا
لـــمّـا مـــددتُ يدي للــحَــــــوْرِ نـــــــاولني يــــــــداً..  فذاب هــــــوى الـقـلبيـــن واتّحدا 
وفي تغنّيهِ بدمشق وعشقه لها، يحاكي شاعرنا (توفيق أحمد) أشعار العديد من كبار الشعراء الذين سبقوه، والذين تغنوا بدمشق وعروبتها وتاريخها المديد المجيد. الأمر الذي يحيلنا إلى العديد من أمهات القصائد التي نظمها أعلام الشعر في سورية والوطن العربي. يقول الشاعر (خليل مردم) في إحدى روائعه:
أدالَ اللهُ جِـلَّـقَ مـن عـداهــا   وأحسنَ عن أضاحيها عزاها
فكم حملتْ عــنِ الـعربِ الرّزايا   كذاكَ الأمّ تـدفع عــن حِماها
ويقول الشاعر(توفيق أحمد) في قصيدة له بعنوان (حمامةٌ سألتْ الأعمال الشعرية ص 463):
يا شامُ أنتِ الشمسُ منكِ بدا   سيفُ الخلـودِ أضـــاءَ واتَّــقدا
عربــيــةٌ وجـهـاً وخافـقــةً      في غوطتيكِ المجدُ قد ولِـدا
طلعَتْ على الدنيا مُقدّسةً    إلا لها مــا زغـردَ الــشُّــــهدا
كما ويحاكي في القصيدة ذاتها قولَ الشاعر الدمشقيّ الشهير (محمد البزم) في دمشق:
رفعتْ على حرمِ الخلودِ بنودا   ومضتْ تُحلّقُ في الإباءِ صُعودا
حيث يقول الشاعر(توفيق أحمد) بأسلوب يكادُ يفوق قصيدة (البزم) جمالاً وروعةً ودقّةً في التصوير:
كلُّ النّسورِ طوتْ جوانِحَها    والشّامُ جانِحُها مضى صُعُدا
أنتِ الوفيّةُ،حسْبُنــا أمــــلاً  أنَّ السّحابَ وفى بما وعـــدا
المجـدُ كـحّلهـا بمِـرْودِهِ    أَكْرِمْ بكُحــلٍ شــرّفَ الأبـــدا
... ص463
وكان من الطبيعي أن يتطرق الشاعر إلى ذكر جبل (قاسيون) الأشّم، صِنوِ دمشقَ وتاجِ عزّتها وفخارها، والشاهدِ الأبديِّ على حضارتها وشموخها، حيث يردُ ذكرُ (قاسيون) في أكثر من موقع وقصيدة يستلهمُ الشاعر فيها إرثَ من سبقوه، ويُضيف إليهِ من براعته وفَرادته الخاصّة. فعلى خطى الشاعر (خليل خوري) يسير (توفيق أحمد)، ويذهب إلى ما هو أبعدُ في عشقه لقاسيون ودمشق وعناقهما الأبدي. يقول الشاعر(خليل خوري) في رائعته الشهيرة:
من قاسيونَ أُطلُّ يا وطني    فأرى دمشقَ تُعانقُ السّحبا
أمّا شاعرنا (توفيق أحمد) فيغرّد في واحدة من روائعه عن دمشق قائلاً في قصيدة (على سرير يديها- الأعمال الشعرية ص467) – يُذكرُ أنّ هذه القصيدة قُدِّمتْ مُغنّاة بصوت الفنانة (شذا حايك) ومن ألحان الموسيقار (سهيل عرفة) وهي موجودةٌ في أرشيفِ مكتبةِ الأشرطة الإذاعية ومكتبة الأشرطة التلفزيونية وعدد كبير من التلفزيونات والإذاعات الخاصة - يقول (توفيق أحمد):
للّــه...هــذي الــشّـــآمُ   حُـسْـــنٌ وأهــــلٌ كـــرامُ
عــلـى ســريــرِ يــديها    خـدُّ الـزّمــانِ يــنــــامُ
فــيهـــا تُـصلّي المعالــي    وقــاســيــونُ الإمـــامُ
من ذا رأى الوردَ يمشـي   وفـــي يــديـــهِ حســــامُ
مَـنْ سيْفُــهُ ِمـــنْ دمشــقٍ   على المــــــدى لا يُضامُ
ويقولُ الشاعر (توفيق أحمد) في واحدةٍ من ومضاته الشعرية ونثريّاتِهِ البديعة التي حملت
 عنوان (قدما آدم– الأعمال الشعريّة ص 399):
أتمنّى أنْ تعرفَ كلُّ نساءِ العالم
أنّ أجملَ عِطرٍ
هو الذي ينطلقُ من الياسمينِ
الذي يملأُ حواكيرَ دمشق
وأتمنّى أن يعرفَ كلّ الآباء
أنّ قدميْ آدم
ما تزالان محفورتين على صخرةٍ
فوقَ جبلِ قاسيون
الذي يحتضنْ دمشقَ بذراعيه.
ولبردى ونميره، ولغوطة دمشقَ وخضرتها مكانهما في قلب الشاعر حيث يقول في مقطوعةٍ أخرى بعنوان (عندما) (الأعمال الشعرية "ص400")
عندما تعشقُ امرأةٌ رجلاً
تُهديه تفاحةً من أشجارِ غوطةِ دمشق
وعندما يعشقُ رجلٌ امرأةً
يغسلُ خصلاتِ شعرها
بزجاجةٍ من ماءِ نهر بردى
هو عشقٌ فريدٌ لدمشقَ وتماهٍ مع هويّتها وجمالها وأبديتها من خلال مجموعة من القصائد قدّمها الشاعر ببراعةٍ وتصويرٍ فريدين، ولغة بسيطةٍ موحية، فاستحقتْ هذه القصائد المتميّزة أن تنضمّ إلى باقةِ روائع القصائد من (الدمشقيَّات) و(الشّآميات) التي قالها ورددها كبار الشعراء العرب حبّاً بدمشقَ وعشقاً لها.