أحمد رامي واحد من الذين أغنوا الثقافة العربية الأصيلة بأدبه وشعره

أحمد رامي واحد من الذين أغنوا الثقافة العربية الأصيلة بأدبه وشعره

شاعرات وشعراء

الأحد، ٨ فبراير ٢٠١٥

نبوغ أسعد
ومن مكتبة الباحث ناظم أنطكلي الذي وضعها ولده شبلي تحت تصرف مجلة الأزمنة اقتطفنا وردة أخرى من بستان الفن والأدب العريق التي تضمنت العديد من الفنانين والأدباء الذين جسّدوا حضارتنا العريقة. إنّه الشاعر أحمد رامي شريك أم كلثوم في رحلة أصيلة خالدة.
لأكثر من نصف قرن خلت أخصب أحمد رامي الحياة الأدبية ورواها من نبع قلبه فأكسبها طعماً خاصاً ومميزاً امتزج برائحة الياسمين مع رجع الأمواج المتحدبة على شواطئ مصر وجنانها.
من جمال عيون العذارى العاشق تفتقت قريحته الشعرية لتجود أعذب الكلمات وأجمل الصور التي تنسكب على آيات من الحب والجمال ينثرها شفافة ناعمة تغمر الوديان والجبال فتطرب لها النفوس العطاش والطيور الحوّم والشجر الباسق تترنم القلوب طرباً وتذوقاً لكلمات تنشر عبق الحياة بجمالها وتفاصيلها الدقيقة..
ولد الشاعر أحمد رامي في آب عام 1892 وترعرع على ضفاف النيل وجنان مصر فتفتحت أزهار شعره في الخامسة عشرة من عمره بدأ يكتب القصائد الوطنية لبلده الحبيب فكانت بدايته الشعرية.
وعندما أكمل دراسته الثانوية سافر إلى فرنسا ليتم دراسته في جامعة السوربون فحصل على دبلوم دراسات عليا وعلى دبلوم أخرى من معهد اللغات الشرقية مما أهله ليشغل الكثير من الوظائف والمناصب بعد تمكنه من اللغة الفرنسية والانكليزية والفارسية.
عاد أحمد رامي إلى مصر ليقدم لها أعذب القصائد الغزلية باللغتين العامية الفصحى ومن منبع واحد فتميزت قصائده ليصبح شاعر الأغنية الأول وكما قال عنها شعراء عصره آنذاك إنّها رسائل من الحب والنغم وتنم عن ثقافة وحس مرهف وعاطفة متدفقة لها أساس متين فيه امتداد للشعراء العذريين في الشعر العربي القديم واستمرار للجذور العربية من حيث الموسيقا واللغة والخيال.
نال أحمد رامي خلال مسيرة حياته شهرة واسعة وخاصة عندما شكل مع أم كلثوم ثنائياً رائعاً أغنى العالم العربي والعالمي بأجمل الأغاني التي صدحت من حنجرة قوية وصوت عذب ممتزجاً مع الألحان الشجية ليصبح غذاء للروح وسكينة للنفس.. فقد كان يغني الشعر ثم ينظمه ويدونه من أجل النوتة الموسيقية فقط.
سئل أحمد رامي ذات مرة لو لم تكن شاعراً ماذا كنت ترغب أن تكون؟
 قال: مغنياً لأنّ الشعر والغناء توءم لا ينفصلان وإن ابتعد أحدهما عن الآخر أصبح الخلل واضحاً بقي الشاعر أحمد رامي قرابة 35 عاماً يعطي لأم كلثوم أعذب القصائد الشعرية ومقامات ومونولوجات وطقطوقات حتى صارت أكثر من مئة أغنية أشهرها كانت عودت عيني.. دليلي احتار.. حيرت قلبي معاك.. أنت الحب.. هجرتك.. أقبل الليل.. جددت حبك.. يا فرحة الأحباب.. بكرا السفر.. معظمها تراوح بين فن الطقطوقة والمونولوج وفن الأوبرا بالإضافة للعديد من القصائد التي قدمها الكثير من الفنانين والفنانات المشاهير وكانت تربطه علاقة طيبة مع كبار الشعراء كالشاعر أحمد شوقي وشاعر النيل حافظ إبراهيم وخليل مطران والكثير من الشعراء الشباب والأدباء ورجال الموسيقا والفن والعلم وقدّم الكثير من الألحان لكبار المشاهير صدر له دواوين شعرية الأول عام 1917 والأخير عام 1965 وترجم خمس عشرة مسرحية حصل على جائزة الدولة التقديرية عام 1963 وترجم رباعيات الخيام عن الفارسية ثم أعدها نظماً وقدّم عدة مسرحيات كان أهمها مسرحية غرام الشعراء التي مثلتها فاطمة رشدي..
لقد رصد أحمد رامي حياته للشعر والألحان وأغنى فيهما التراث المصري والساحات العربية والغنائية التي ازدهرت وتألقت على يد هؤلاء الكبار من الشعراء والملحنين العرب الذين أشعلوا قناديل الساحات بنور ألحانهم وقصائدهم وثقافتهم العربية فصاروا نجوماً تتوهج في السماء.
رحل أحمد رامي عن عالم الفن والألحان والشعر في الرابع من حزيران عام 1981 تاركاً لنا كنزاً ثميناً من التراث والشعر والألحان ليغني المكاتب العربية بموروثه الثقافي الغني بمئات الأغاني والألحان الموسيقية الشرقية العريقة وليبقى فنه متحدياً إلى جانب أمثاله كل موجات الحداثة الباطلة التي نصادفها اليوم والتي تصطدم بالواقع الأصيل الذي يأبى إلا أن يحافظ على شرف التراث ويصونه من كل ما هو غث.
أحمد رامي واحد من أهم الشعراء الذين ساهموا في إغناء الثقافة العربية الأصيلة ورفد الفن العريق إلى جانب الكثيرين من أبناء جيله سيبقى التاريخ شاهداً على مدى صعوبة ما عاناه هؤلاء في مرحلة حاولت الحداثة أن تبسط أجنحتها فظل هؤلاء الإرث الحضاري الأبقى.