مزارع الجراح تحدٍّ آخر لهجمة الحداثة الباطلة مجموعة شعرية لناصر الخوري

مزارع الجراح تحدٍّ آخر لهجمة الحداثة الباطلة مجموعة شعرية لناصر الخوري

شاعرات وشعراء

الثلاثاء، ٣ فبراير ٢٠١٥

محمد خالد الخضر
بعد كل ما يجري من اندفاع لما يسمى بالشعر وبعد أن أصبحت الساحة مليئة بأولئك الذين يفضلون صرخة روح على صرخة الوطن وبعد أن راح الإعلام يعاني من وجع لا يمكن أن يبرأ منه نظراً لتلك الطحالب التي تنبت هنا وهناك في مرابعه وفي زواياه ظل الصوت الأصيل يثبت وجوده ويهدد بين الحين والآخر بإلقاء عصا موسى التي قد تبتلع الأخضر واليابس وتهلك كل ما حولها.. ولكن حتى عصا موسى هناك من يحاول أن يحجب بينها وبين الواقع وهناك من يحاول أن يلقي حولها بأفاع ولكن لا يمكن لضوء الشمس أن يحجبه أي ضوء آخر.
صوت من الأصوات الهادرة تتبنى الهيئة العامة للكتاب تداعيات وتبعث به إلى الساحة الثقافية بعد غياب طويل ناصر الخوري في مجموعته مزارع الجراح التي جاءت مبشرة بموسمه البهي بعد تلك السنوات القاحلة التي عصفت بثماره وتركت مكنوناته الشعرية وراء غيوم الآن انقشعت وراحت لتترك لبيادر الأمل فرصة الظهور ناصر الخوري يقول في قصيدة /حسبي الله/:
/يا صديقي لا تلم فكري وجهدي
إن نبا السيف وأعياني زندي
ورهنت القلب قرباناً ليرضى
عني الأهل وأصحابي وولدي
ويراعي كم تباهى في يميني
يرسم المجد بعشق وتحد/
في نصه العاطفي واضح أنّ ذكرياته تتداعى ليقارن بين ماضيه وحاضره وبذلك تكون العاطفة جياشة متدفقة لا سابق لها وهي التي تختار الحروف وهي التي تنمق الألفاظ وترتبها مستأذنة بذلك موهبة الشاعر التي من المفترض أن يكون الخيال قد أغناها بثقافات واسعة بعد ذلك العمر وتلك الخبرات.
يحرص ناصر الخوري على البقاء مع الأصالة ويعتمد أوزانها وسلوكها العريق الذي غرس في نفوس الأبناء والأحفاد كل ما هو جميل كان قد فعله آباؤنا وأجدادنا عبر التاريخ إنّه الشعر الأصيل الذي ظل ديوان العرب وسجل محافلهم وذاكرة أمجادهم ودفتر ذكرياتهم وكل تداعيات ألمت بواقعهم الاجتماعي والإنساني..
ثم ظل الخوري في دائرة العفوية ينتقي ما يلائم القارئ من ألفاظ توافق أسلوبه التعبيري الذي يحرص أن يكون ملائماً لاختراق منظومة المكان وعدم التمسك ببيئة معينة تخص مجتمع بعينه.. لأنّ الشعر لا يمكن أن يسيطر عليه زمان وبالتالي يجب أن يخلد لذاكرة الأجيال قدر ما يستطيع الشاعر في كتابته ومحاولته يقول في قصيدة /الأم ملحمة الزمان/:
/عذراً جموع والخلان
إن كان قصَّر في الرثاء بياني
ماذا أقول وفي فؤادي لوعة
حرى تشل حرارة الخفقان
إن لتعتصر المرارة مهجتي
وتثير فيَّ كوامن الأشجان/
ويتميز شعر ناصر الخوري بعاطفة صادقة ألمت بمقومات النص الشعري الذي يدفع به لانتقاء ما يلائم موضوعه كحرف الروي وألف الإطلاق والقافية والبحر دون أن يقع في إشكاليات الأدوات أو النشاز الموسيقي الذي يجبر الشاعر على الجوازات وهذه أشياء غالباً ما يحاول الخوري أن يمتهنها كما جاء في نصه الشعري /حبيبتي أنت/ الذي يقول فيه:
/جفاني الشعر أنغاما وأوزانا
إن لم يكن برؤى عينيك نديانا
لغيرك الشعر ما لانت شوارده
ولا تأود نبض الحرف ريّانا
كأنك الوعد ما هبت نسائمه
إلا ليرشف منك الوحي ظمآنا/
هي أمور قد يطول الحديث عنها ولكن تلك المنظومة الشعرية تدعو للفرح كلما أشرعت سيوفها وجاءت لتبرز هويتها في عتمة الليل.