الأعمال الشعرية للراحل عدنان مردم بك تختزل ذاكرة سورية أحبت الأرض والتاريخ

الأعمال الشعرية للراحل عدنان مردم بك تختزل ذاكرة سورية أحبت الأرض والتاريخ

شاعرات وشعراء

الثلاثاء، ٦ يناير ٢٠١٥

اختارت الهيئة العامة السورية للكتاب أن تختتم إصداراتها الشعرية العام الماضي بطباعة ديوان الشاعر الراحل عدنان مردم بك الذي يتضمن مجموعة أعماله الكاملة وهي دواوين “نجوى” و”صفحة ذكرى” و”عبير من دمشق” و”نفحات شامية” و”صور من التاريخ” مضافا إليها ديوانه المخطوط “عالم الليل”.

وخلال قصائد الديوان نجد التزاما بنظام شعر الشطرين وفق أسلوب كلاسيكي ظهرت خلاله خبرة لغوية عالية وقدرة على استخدام الحروف والدلالات دون اللجوء إلى زحافات وعلل حيث ظهر في أغلب القصائد التغني بالطبيعة وجماليات الكون إضافة إلى بعض الحالات الاجتماعية القليلة التي لم تتجاوز البيت والأسرة.

في مجموعة “نجوى” بدا الوصف الجمالي في القصائد واحدا من أهم مقومات النصوص محاولا أن يصل إلى درجة الابتكار كما فعل الشعراء الأقدمون ما جعل العاطفة الشعرية تتراجع أمام الاهتمام بمحسنات الشكل والوصف وتنميق العبارة والتشبيه كقوله في قصيدة عيناكي..

“ضحكت بعينيك الحياة فأرسلت … عيناك من قبس الحياة شهابا
عشيت بمرآه العيون فأطبقت … أجفانها وتفتحت اعجابا”

كما برع الشاعر الراحل بالشعر القصصي الذي تناول خلاله أحداثا تاريخية يريد أن يصل عبرها إلى حكمة اجتماعية يحكم فيها ضمائر البشر فاعتمد التوازن الموضوعي وارتفاع الحدث في خط بياني يعرف طريقه إلى نهاية الموضوع كما في القصة السردية لدى عمر بن أبي ربيعة أو الأخطل الصغير كقوله في قصيدة يوسف وزليخا..

“ليل يكاد به البصي … ر يضل عن جدل الطريق
مستغلق كالغيب في ال … إبهام والصمت العميق
فبدت ليوسف أية … كالشمس في ضاحي الشروق
وأبى عليه وفاؤه ال … كفران في ذمم الصدي”

أما في مجموعة “صفحة ذكرى” تجلت العاطفة لتتفوق المجموعة على سابقتها لأن العاطفة الشعرية تستدعي بحميمية العلاقة بين النص والمتلقي إضافة إلى اهتمامه بالأسس التركيبية لجمال شكل النص الشعري كتوافق البحر والروي وانسجامهما مع الدفق الشعري كما جاء في قصيدة أبي..

“أبي ما ضل سعي النا … س في المجد الذي وهموا
أكان المجد غير أب …ه في الخطب يعتصم
وهل يعدو النعيم حما … ك ما عصفت بي النقم
رأيت الله في عينيك حين رنوت تبتسم”

ويدمج الشاعر العاطفة بالوصف في كتابته للوطن لكنه يغدو تنافسا بين العنصرين في الحدث الدرامي الذي يحركه الشاعر حتى تتراجع العاطفة أمام تفرد الألفاظ وأحرف الروي الغريبة والدالة على الاجتهاد والاهتمام بالموضوع كقوله في قصيدة دمشق..

“بلد كأحلام الشباب جنانه … وأديمه التاريخ للمتأمل
خلع الزمان عليه ثوب مهابة … فغدى يصول من الوقار بجحف”.

ويلتقط الشاعر بعض الصور التي يراها في الحياة الاجتماعية وتأثر بحياة الإنسان محاولا أن يرصد جمالياتها لتظل دليلا على الأشياء التي أحبها لأنها رمز من رموز الحضارة والجمال كقوله في ربوة دمشق..

“وافيتها والشمس مائلة … نحو المغيب ودمعها يجري
عطفت على الدنيا مودعة … في شجو ملتاع وفي ذعر”

كما رصد ظواهر الطبيعة بما فيها من جمال ومؤثرات على حياة الإنسان كالبرق الذي يمتلك جمالا وحضورا ينذر أحيانا بالخوف نظرا للرعد الذي يتبعه لكنه في النتيجة قد سخر لصناعة الخير في الأرض ولمواسم العطاء والبركة وخدمة الإنسان كقوله..

“للبرق دون الأفق أجنحة … في كل ميدان لها سبق
والرعد يجأر كالطعين شجى … تعلو زمامه ويختنق
والأرض في سنة النزيف غفت … لكنما اغفاؤها الفرق”.

ويعرج الشاعر في مجموعته “صور من التاريخ” على الأحداث التي مرت في حياة العرب مستخدما في ذلك اطلاعه ومعرفته بالوقائع التي انتصر فيها العرب وظهرت براعتهم في القتال وحضارتهم وحبهم للكرامة ولانتصار الأخلاق فيصف احداث معركة عين جالوت وتسطير العرب ملاحم البطولة والفداء كقوله..

“ينصرم الماضي حيالك والغدو … وتليد مجدك كالزمان مخلد
سطر الفخار على ثراك ملاحما … تروى على كر الزمان وتنشد”

بدت براعة الشاعر واضحة في الوصف الذي طغى على معظم قصائده وتسرب إلى كافة قصائد المجموعة الأحداث الاجتماعية والسياسية ما يدل على نفس تجنح إلى الوحدة والدعوة لتعاضد المجتمع.

يذكر أن الديوان الذي ضم كل قصائد الشاعر عدنان مردم بك من منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب ويقع في 680 صفحة من القطع الكبير.