الشاعر بين نصوصه والارتكاز على الآخر.. وفيق سليطين أنموذجاً

الشاعر بين نصوصه والارتكاز على الآخر.. وفيق سليطين أنموذجاً

شاعرات وشعراء

الاثنين، ٢٩ سبتمبر ٢٠١٤

محمد خالد الخضر
يبدأ كثير من الشعراء قصائدهم أو كتبهم أو مقدماتهم الأدبية بمقاطع شعرية لكتاب أو شعراء غيرهم.. وقد يكون هؤلاء غالباً من الغربيين.. وهذا أمر يبعث الريبة في نفس القارئ في حال كان هذا القارئ يمتلك ذائقة شعرية وتعتمد هذه الذائقة على خليط ثقافات.. وفي النتيجة قد يسبب مثل هذا الأمر شكاً أنّ صاحب الديوان أو الكتاب أو المجموعة يخفي بعض أشياء ضعفه وراء افتتاح نصه بقول لسواه ويفترض هو أنّ صاحب هذا القول أكبر منه ومن القارئ ولكن في واقع الأمر قد يكون هذا التصرف مغلوطاً ولا داعي له ولا مبرر.. وإلا فليأت بمبرر منهجي لما فعله في حال اعترض على ما ذهبت إليه.
وإن شاعراً مثل وفيق سليطين له حضوره الهام وذكره الشعري الذي وصل إلى حد يشفع له إذا قال عن نفسه شاعراً، لقد قرأت مجموعته أوصال أورفيوس والتي تحمل في نصوصها كثيراً من الألق لكنه راح يبدأها بمقولات لسواه ليضرب القارئ على رأسه قبل أن يتعامل مع قصيدته. وإذا قرأنا نصه الذي جاء بعنوان الوقت يفتتحه وفيق بما قاله أدونيس:
(يعطي وقتاً لما يجيء قبل الوقت، لما لا وقت له، يجوهر العارض، ويغسل الماء).
نجد أنّ أدونيس يعتمد في قوله على تهويم وتركيب ألفاظ على هامش وقت ضائع لا معنى له ويريد أن يشير للقارئ إلى أنّ الشعر هو ذاك الحاضر الذي يخترق المنطق ويسخر من المتلقي ويبتعد عن العاطفة ويهزأ بالإنسان ولا يهيم إذا كانت لديه ركائز أم لا.
وفي الوقت عينه تأتي قصيدة وفيق سليطين التي افتتحت بذلك القول مغايرة تماماً لفاتحتها وتعتمد على العاطفة الشعرية والموسيقا والألفاظ المستعارة من الواقع ومن الحراك الإنساني على الأرض يقول:
بيدين خالقتين..
بينهما الغريبة أو جراحي،
بيدين صاغ الله فتنة خلقه بهما..
وأطلق بي مزاميري..
نجد أنّ سليطين تجاوز أستاذه الموما إليه والذي قدسه واستشهد بقوله، فإنّ النص لدى سليطين يمتلك دلالة ومنطقاً واستدلالاً وعاطفة ويدل على موهبة تدافع عن نفسها أمام خلل صاحبها ومثاقفته مع الآخر بشكل مغلوط وتقول لصاحبها اقرأ واتركني بحالي أنا أدلك على الطريق واحذر من الآخر.. وتطرح الموهبة ذاتها على صاحبها سؤالاً ماذا يريد أدونيس من قوله وكيف الوقت سيغسل الماء.. هنا تبدأ حيرة ويبدأ القلق ويحاول صاحب النص أن يلقي بمعانيه إلى المستقبل قد يكون هناك تصالح مع مثل هذه الحالات ولا يبتعد الأمر كثيراً في نص سؤال الموجود في المجموعة ذاتها والذي بدأه بقول لنزيه أبو عفش:
الشاعر حيرة سؤال.. وهبة أحلامه.
برغم أنّ الكلمات الأخيرة من القول جاءت ملائمة لما يريده أبو عفش إلا أنّها لا تتوافق منطقياً مع حيرة السؤال وما يبعث الحيرة هو حضور مثل هذا الكلام في نص سليطين الذي يقول فيه:
وها أنا أعود في رؤى الغريبة
غريبتي
مدينتي أحملها معي..
أسألها.. أسأل عني الجدار.
من يقارن بين القولين يجد التفاوت البنيوي والمعنوي والإنساني عند سليطين وعند أبو عفش والذي يؤشر تماماً إلى تفوق التلميذ على أستاذه في التراكيب والألفاظ والعفوية المنسابة.. وهنا تتزاحم الأفكار والتساؤلات، هل مثل هؤلاء يقعون تحت تأثر معين ليأتوا بمثل هذا الفعل الضار بتربية القصيدة وسلوكها الانتمائي أم إنّ هناك شيئاً ما ضمن الشخصية الشعرية يدفع تلك الشخصية إلى مثل هذه الورطة وهذا الشيء يبقى تفسيره عند الشاعر ذاته.
وإن كان الشاعر في النتيجة يعتبر نفسه أنّه في الطليعة الثقافية وهو قادر على تخطي الغياهب وابتكار الجديد فعليه أن يدرك أنّه قادر على الحضور ولا داعي لأن يتكئ على غيره وإلا ترك الساحة لغيره وأهمل بجانب سواه وهذا أمر خطير.