سعيد يعقوب.. وتساؤلات البنية النفسية للشعر العربي

سعيد يعقوب.. وتساؤلات البنية النفسية للشعر العربي

شاعرات وشعراء

الاثنين، ٨ سبتمبر ٢٠١٤

نبوغ اسعد
مزج الدكتور الباحث الراحل سعيد يعقوب بين دراسته للطب والثقافة والأدب ما جعله مميزاً في عمله كطبيب ومميزاً في عمله في البحث الفكري الذي تناول علم النفس المرتبط بالطب العصبي، فكان عضواً لرابطة العلوم النفسية والعصبية.. وبعد أن حاز على شهادة الطب من جامعة دمشق تمكن من نيل شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعات أميركا.
اهتم الدكتور سعيد يعقوب بالإنسان ومشاعره واعتبره أهم مخلوق على وجه الأرض ما جعله يتعمق بالبحوث العلمية والمستجدات، إضافة إلى فلسفة الجسد والنفس والصراعات المتعددة التي يمر بها الإنسان وأسبابها.
واشتغل الدكتور يعقوب على البنية النفسية للشعر العربي وفق التساؤلات الكثيرة التي طرحها وتساءل كثيراً في غياهب تلك النفس فيقول:
هل النفس البشرية شيء مادي أم هل هي جسم له أبعاد ووزن وحجم وهو تساؤل موجود منذ أن وجد الإنسان، إضافة إلى أنّ العقل البشري جدير عنده بالتأمل للوصول إلى الجوهر الذي سبب باستلزام نشوء الفكر.
ويصل يعقوب إلى أنّ العقل ينبثق عن المادة ويكون محكوماً لها وأنّ كل حاسة تنفصل عن الأخرى وتأخذ دوراً جدلياً مختلفاً، لذلك زود الله الإنسان بالحواس وأهم هذه الحواس الإدراك الذي يسببه العقل كما أنّ الإنسان وفق إدراكه وعقله هو دائم الإبداع وابتكار الفن والاختراع وغير ذلك من الأسس التي تستدعي الحوادث وتستغرق فعل الحواس.
ويتابع الدكتور سعيد بحوثه معتمداً على ما أتى في كتاب الله عز وجل في هذا الخصوص فيقول: إنّ النفس البشرية بالمصطلح القرآني هي قوة عاقلة تتمتها بالفهم والتفكر والمشاعر ولها مراكز لا تقل أهمية أو تفاوت فيما بينها لذلك تحظى بعناية الخالق مستشهداً بتداعيات القلب واللب والفؤاد والبصيرة في تعابير القرآن الكريم وهي مكونات تسري بالبدن وتعبر عن الجوهر.
أما الروح يصعب على الإنسان فهمها إلى هذا اليوم مع تطور الأبحاث إلا من خلال ما دل عليه القرآن الكريم على أنّه اصطلاح يرد في سياق عباراته دون التعبير عن النفس أي تأتي مستقلة في معانيها كما جاءت في سورة يوسف حيث قال تعالى: (ولا تيأسوا من روح الله لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) صدق الله العظيم.
ولا يوجد ما يشير إلى أنّ الروح المقصودة هنا هي النفس التي تسري بالبدن كما يوجد الكثير من الآيات التي يخاطب الله فيها النفس البشرية ويشير بدلالات إليها.
أما الآيات التي تخص الروح فإنّ مجمل إشاراتها يدل على قوة إلهية خاصة فالروح منفصلة عن النفس وهذا ما اشتغل الدكتور سعيد يعقوب على إيضاحه.
فالله يخاطب الإنسان بعقله وقلبه ونفسه التي هي تعقل وتفهم .. ولديها قابلية للاستجابة ما لم يؤثر عليها مدارك أخرى.. ويعبّر الدكتور سعيد عن فكرته بأنّ الشاعر ليس مخترعاً وهذا من أسس الروح التي يعمل على مؤداها، بل هو مكتشف وهذه سمة وخاصة للشعر العميق والصحيح.. فالشاعر يمتلك إمكانية الوصول إلى مرتبة سامية تقربه من النبوة المكتسبة في حال تمكن من الموهبة واتخذ من الرسالات السماوية بوجودها الصحيح معيناً ينهل منه لأنّ لديه درجة من الشفافية والصفاء تقربه من الله، وهذا ما لوحظ في المنهج الصوفي أو العرفاني للفكر الديني والدليل الذي يوضح لنا أنّ شعراء الجاهلية كانوا يتفكرون بهذا وبمضمونه فكثيراً ما جاءت إلينا خلاصات هذه الرؤى عبر أمثال وأحكام وأقوال مأثورة.
لقد قضى الدكتور سعيد يعقوب حياته في دراسة الطب النفسي إلى يوم وفاته وقدّم العديد من الأبحاث والدراسات ومن أهم كتبه الاكتئاب ودراسة في الانقباض النفسي والهستريا ودراسة في آليات التلاؤم النفسي وآفاق النفس البشرية ودراسة في علوم الروحانيات والبارسيكولجيا وطاقات النفس وإبداعاتها.
ودراسة نفسية في قصائد السهروردي الشاعر المتصوف ودراسات في اضطرابات السلوك عند الأطفال والمؤرخين ومقدمة في سيرة الحضارة العربية ودراسة في اضطرابات الشخصية والتفكر والسلوك والقلق.
كما أنّ لديه العديد من المؤلفات بالإنجليزية وهو عضو اتحاد الكتاب العرب- جمعيات الدراسات والبحوث، ويعتبر من أهم الأطباء الذين تمكنوا من التوغل في نفس الإنسان بكل تشعباتها.