عبير الديب بين الألق والتمرد

عبير الديب بين الألق والتمرد

شاعرات وشعراء

الأربعاء، ٢٧ أغسطس ٢٠١٤


محمد خالد الخضر

تقول الشاعرة عبير الديب في مقدمة قصيدتها قديسي :

عيناك كتابان سماويان صديقي
وأنا طاعنة في الإلحاد
وقدري أهوال
يتخطى كل مجون الأصنام
شفتاي أنا لص محترف
يتخفى خلف البسمات
وألوان الطيف..
وقد تكتمل القصيدة التي تجعلها عبير الديب متماسكة في تسلسل موضوعي واحد لا يمكن أن يتجزأ, يتعامل مع الحدث عبر خط بياني يدل على موضوع يذهب إلى إرادة ما .. وفي هذه الإرادة تتماسك عبير الديب كثيراً أمام عواطفها لتطرزها وتخرج بها أنيقة متآلفة.. محملة بالأشواق ومحملة بالصور .. تصوّر المشهد لكن وفق المخزون الثقافي الذي تختزنه والذي تستعير أدواته من خيالها ليأتي النص كما تشاء له أن يكون.
وفي هذا وذاك تعمل عبير الديب على إنشاء نمط تتفرد به ويخصها ويعبر عن صوتها, وهذا ما تجلى معنا في مطالع القصائد وفي افتتاحيات الأناشيد, فهي دائما تدل على أنّ هناك شيئاً ما مضى لكنه لم ينتهِ, وتدل دائما على الاستمرار, وهذا الاستمرار يجب أن يتطور, وتحاول أن تبدل المفردات فلا تقف عند ألفاظ معينة برغم أنّ التفعيلات العروضية التي تستخدمها عبير قد تكون متشابهة إلى حد كبير في معظم قصائدها. تقول في قصيدتها من مذكرات سمكة للزينة..
وتركت جميع بحار الكون
وجئت إليك سمكة للزينة
وقبلت بجدران زجاجك
وقليلاً من ماء كلامك كي أبحر
وبحفنة حب كغذاء
فنجد أنّ النص يتوافق موسيقياً مع سابقه, إلا أنّ الموسيقا التي تشكل جرساً واحداً ونغماً شفافاً متشابهاً لا يعمل على فرض الألفاظ وعلى تطابقها, فتحاول بنجاح أن تختلف من موضوع لآخر باستعارة الألفاظ والدلالات وتكوين هيكل بنيوي لصورة أخرى.
وعندما تتداعى الفكرة وتحاول أن تخترق الموسيقا فهي تعتمد لها نغماً آخر قد لا يضر بالأذن وإن ابتعد عن النغمة الخليلية وجرسها الموسيقي, وهذا قد يتكرر في أكثر من قصيدة وفي أكثر من اهتمام.
وفي مسيرتها الشعرية لا تغفل عبير الديب الواقع الاجتماعي فهو أيضاً صاحب جرح اجتماعي وجرح إنساني يفعل بالشاعر كما يفعل الحب والوطن وكما تفعل الطبيعة والهموم, وتعمد برغم ألفاظها الأنثوية وشفافيتها الأخاذة على السخرية من واقع أليم بات دور البندقية والبارود فيه أكبر شأناً من الأدوار الأخرى.. تقول في قصيدتها وتحضر البارود..
وتحضر البارود
في عنق البنادق
غير أن ذوي البنادق مازالوا نياما
والطفلة ... الغضب المسجى.. في بنادقهم ترطب طلقها .. صمتت على أمل .. انتظار أصابع قد غاب عنها الطلق.
وتحتفل النصوص الشعرية بشخصية متوافقة مع نصها وبعاطفة متوافقة مع نغمها وموضوعها الذي يبدأ وينتهي في فكرة واحدة.