قراءة  في بوح نزار بني المرجة

قراءة في بوح نزار بني المرجة

شاعرات وشعراء

الاثنين، ١٨ أغسطس ٢٠١٤

محمد خالد الخضر
تبدو القصيدة عند نزار بني المرجة في مجموعته "بوح" قد أخذت شكلاً جديداً في تكوينه الشعري الذي اعتدنا أن نراه مبنياً على عاطفة, ثم تأتي المكونات الأخرى خلافاً لاعتماده هذه المرة على كثير من الدلالات والإشارات والوسائل التي تشير إلى قلق نفسي دفع الشاعر أن يشارك الموسيقا بالرمز الجارح, الذي يضع المتلقي أمام كثير من التساؤلات المحيرة والباعثة للانكسار أحياناً, بعد متاهات الألم التي وصل إليها إنساننا العربي .. يقول في قصيدة أفراح الحزن القارس :
الفصول مستمرة في التعاقب
والظرف الزماني
يغتال الأصابع والطموحات
أيتها الغيمة الشفقية
الجبل عاشق بنفسجي
وأنت امرأة برتقالية
حذار أن تفقدي التوهج
فيمسي الجبل جثة سوداء
وهي إنذار أرادت أن تبعث به النفس الشاعرة إلى إنساننا العربي حتى لا تتحول كل النتائج إلى لون أسود.
كما لا يخفى على المتبصر أنّ الصورة الشعرية تعتمد على المؤثرات الخارجية بعد نشوء العلاقات الداخلية بني الشاعر وبين الكون, فتأتي الصور استجابة للتجربة الكامنة بين حالات الحضور والغياب, كما لو أنّ الشاعر عاش تداعيات مرت عليه بحلم, تختصر قضايا تأتي في الصورة الشعرية كمادة رئيسية تدل على الخصوبة النفسية عند الشاعر .. يقول في قصيدة تبارك رمح الفضي :
وأراك تحترميه في الطرقات .. خلف غلالة سوداء
أغنية , وألحاناً .. وإيقاعات
ويعبر رمحك الفضي خاصرتي .. فأشعر باللظى والملح
أشعر بالدجى الأسمر .. واستبقي لوقت الجوع والعتمة
حنجرة بلا صوت
وفي واقع الأمر إنّ مسألة اللاوعي في الصورة الشعرية مرتبطة بالفكرة مهما تمكنت من النزوع صوب الإبداع والابتكار, أو قد ترتكز على التصوير الخيالي الذي أصبح مكانه في أعماق الشاعر, ليأتي ذات لحظة بقوة اللاشعور القادمة بأسس الموهبة .. يقول في قصيدة تصحر الأرض قنبلة البرتقال :
ويولد الآن من رحم الوهج جسم جريح
فتنطلق الأغاريد ألف صوت مقاتل .. لألف طفل عنيد
يولد الآن شطران .. شطر جريح .. شطر شهيد
على هذا النحو تبدو الصورة الشعرية لغة إيحائية, تأتي وفق العاطفة الإنسانية المخبوءة في داخل الشاعر, مع الكينونة الخارجية التي يدركها الشاعر بحدثه الإيقاعية الهادئة, دور بنوي يعمل مع باقي المكونات على المساهمة في الخط البياني لألفاظ القصيدة المتحركة مع الحدث, والتي تصل إلى غايتها في رصد الموضوع, وهذا أيضاً ينطبق على سلوكيات شعرية أخرى سلكها الشاعر .. كما جاء في قصيدته سلاما حارة الزيتون وقصيدته أحاكي الروح التي يقول فيها :
زمان الحب يجمعنا .. فليت اليوم .. يصبح غداً ..
هو السر الذي نخشى به أحداً
إلى قوله : إذا ما مت ظمآناً فقولي : اليوم قد ولدت بساتين .. لنا عطشى.. وكنت لها كما بردى
وتتألق الحالة الشعرية عند الشاعر كل ما اقترب من ذاتيته, إلا أنّ هذه الذاتية لابد من وجودها على مكون إنساني, ويمكن أنْ يخص كافة البشر الذين يحملون في نفوسهم خيراً وحباً وطيباً, وبذلك يكون قد اشتغل على وجود رؤية إنسانية شاملة عبر إدراكه الذاتي والحضارة الثقافية الموجودة في خياله وشخصيته كقوله في قصيدة أمي :
أمي التي اختارت طلوع الفجر .. ميقاتاً لصحوتها
أمي التي صبرت وتصبر كل يوم .. وجل فرحتها :
انزياح الليل .. عن وجع الرضيع
وفي كل البنى التي تتكون منها قصائد الشاعر الدكتور نزار بني المرجة تغلب النزعة الإنسانية والوداعة والهدوء وصولاً إلى سمو الإنسان الحضاري, كما أنّه يعنى بالنظام الإيقاعي الذي ينتمي إلى نظام الخليل والأصالة التاريخية المؤدية إلى انتمائه الفكري وعراقة إنسانيته في سلوكه الأدبي والشعري والثقافي.