الدكتور محمد سعيد العتيق شاعر التزم الموزون ضد محاولات التغريب

الدكتور محمد سعيد العتيق شاعر التزم الموزون ضد محاولات التغريب

شاعرات وشعراء

الاثنين، ٣٠ يونيو ٢٠١٤

دخل الشعر قادما من بوابة الطب ومن العناية بأرواح البشر إلى العناية بالأحرف والكلمات ليصبح الطبيب الذي اختص فيما يسير داخل شرايين وأوردة الإنسان الدكتور محمد سعيد العتيق شاعرا من الطراز العتيق.
وفي حديث خاص لنشرة سانا الثقافية قال العتيق أنا أحافظ على الأصالة والانتماء بالمنظومة الشعرية التي جاء بها الأوائل منذ العصر الجاهلي حيث كان الشعر العمودي يحمل شرف اللغة العربية والمعنى وصحته وكان الشعر ديوان العرب بجزالة اللفظ واستقامته والإصابة والدقة في التعبير في الوصف والمقاربة في التشبيه.
والقصيدة لدى الشعراء الأوائل كما يراها العتيق حققت التحام أجزاء النظم واتفاقها على تخير لذيذ الوزن ومناسبة المستعار منه للمستعار له ومشاكلة اللفظ والمعنى وشدة اقتضائهما للقافية حتى لا يكون هنالك منافرة بينهما معتبرا أن ما جاء به الأوائل لم يتمكن شعراء الحداثة من تجاوزه.
ويعتقد العتيق أن الشعر العمودي اصطلاح حديث أطلق لتمييزه عن الشعر الحر أو الشعر المنثور وللدلالة على الكلام الموزون المقفى أي أن الأصل في الشعر هو العمودي وكل ما نشأ عنه فروع قد لا تستقيم مع قواعد الشعر.
ويضفي شاعرنا على القصيدة العمودية طابع الأصالة والتراث وسوى ذلك تشويه لتاريخنا العربي الأصيل ومحاولة لدفنه و زرع ما هو مسخ ليفقدونا جوهرنا لجميل بحجة الحداثة ما يجعله يرى في الوضع العربي المتردي الراهن دافعا قويا للوقوف بوجه ما تتعرض له الأمة بدءا من الحرب العالمية القائمة على سورية التي تصب في مسار الهجمة الهمجية بغرض تدمير كل ما هو جميل.
ويرفض العتيق بشدة الموازنة بين الشعر الموزون وشعر النثر فالموزون يحتاج للموهبة والملكة الشعرية و التمكن من اللغة ومعرفة بحور الشعر بتفاصيلها وهذه أمور لا يتمكن منها إلا الراسخون في الشعر واللغة أما النثر فلا يمتلك مقومات الشعر وبالتالي تختلف أدواته وسبل كتابته كما تختلف طرائق تعامل
المتلقي معه.
وما يميز الشعر من وجهة نظر الطبيب الشاعر وجود الإيقاع والموسيقى في الشعر لأن هذا الفن خلق ليتغنى به وحتى يكون للشعر وقعا على القلوب وتأثيرا على المشاعر لا بد له من عنصر الإطراب والغنائية ويصبح الوزن و القافية مكونا أساسيا في الموسيقا.
ويضيف العتيق من أهم السمات التي تميزت بها القصيدة العربية القديمة منذ العصر الجاهلي حتى العصر العباسي هي تلك الطاقة الموسيقية للنص الشعري الذي أحيط بهيبة مقدسة كان السر فيها عائد للوزن الواحد والقافية الواحدة في كل قصيدة والتي يلزم الشاعر نفسه باحترامهما من أول بيت إلى آخر بيت.
وإزاء هذا الحماس للشعر العمودي المرتبط بالأصالة فإن العتيق يرى أن سبب وجود النثر بكثرة بما يسمى شعر هو التقليد الأعمى للغرب و خاصة تلك العلاقة بين رواد هذه التجربة من العرب مع أساتذتهم بالغرب بحجة الانتفاع من تجارب الآخرين بالرغم من اختلاف البيئة الشخصية والفكرية والتاريخية بين العرب والغرب
بداعي محاولة التجديد في الشعر العربي.
وباعتبار أن هنالك من يشبه الشعر بالذهب المسبوك فإن ذلك سيجعله يحتاج إلى نقاد بمثابة الصائغين المهرة كما يراهم العتيق فالناقد لا بد أن يكون اكاديميا متعلما وخاصة أن الساحة الأدبية امتلأت بالنقاد غير المؤهلين فاختلط الحابل بالنابل وأصبح الشعر و النقد خطين مستقيمين لا يلتقيان إلا نادرا مما جعله يعتبر النقد الحالي لا يواكب أبدا الحالة الشعرية.
ويعرض العتيق أمثلة لتوءكد وجهة نظره فالنقاد الذين اختلفوا في تحديد ماهية الشعر الحديث مثلما اختلفوا في تسميته فنجد نازك الملائكة تسميه الشعر المعاصر في كتابها “قضايا الشعر المعاصر” أما محمد النويهي فرأى أنه شعر جديد وليس معاصرا وذلك في كتابه “قضية الشعر الجديد” ورفض غالي شكري كلتا التسميتين فرأى أنه شعر حديث نظرا لما تشتمل عليه لفظة الحداثة من شمول لا نجده في كلمتي المعاصر والجديد فالنقاد ساهموا في تفتت مفهوم الشعر والحد من وقدرتها على مواكبة كل جديد في حقل الشعر.
وبحسب العتيق تشارك وزارات الثقافة و التربية في بعض أسباب الابتعاد عن الشعر الموزون من خلال عدم المراقبة على المنشورات والكتب و تسمية النتاجات الأدبية بمسمياتها فقد نجد كتابا لشاعر معروف ولا يوجد في كتابه مقطوعة واحدة موزونة ولا يعلم بحرا من بحور الشعر والعروض.
وقال العتيق إن تراجع الشعر سبب بضعف التمسك في الهوية ضعف التمسك بهوية اللغة العربية و مقوماتها بدءا من المدرسة وانتهاء للجامعة فترى الكثير ممن يدعون أنهم شعراء يخطئون في المقطوعة الواحدة بأخطاء لا تحصى فكيف لمن يجهل اللغة أن يكون شاعرا إضافة إلى ضعف المراقبة للمنتديات الشعرية وعدم خضوعها مباشرة لبرنامج منظم تعنى به وزارة الثقافة أو وزارة الاعلام أو اتحاد كتاب العرب مما يؤدي لوجود أعداد هائلة من الشباب يلقون منتجاتهم دون رقيب أو عتيد.
واستغرب العتيق من محاربة الشعراء الذين يكتبون الموزون وعدم الوقوف بجانبهم والسماح بالانتهاكات الشعرية الطغيان على الساحة مما يجعلنا نفقد شيئا هاما من أصالتنا ومن قدرتنا على البقاء والنهوض بالهمم والثبات على الساحة الثقافية.
وعن رأيه بشعر الشباب قال إنني متفائل بالساحة الثقافية بالرغم من كثرة الغث وقلة الثمين لأن الضد لا يظهر حسنه إلا الضد و من هنا فالبقاء للكلمة التي تبقى في ذهن الاجيال القادمة معربا في الوقت نفسه عن دهشته من كثرة المنتديات و أعداد من يطلقون على أنفسهم شعراء.
ونصح العتيق الشباب بالقراءة وبالتمسك بالموروث الثقافي والشعري و الذي يشكل حالة إنسانية ووطنية عالية معتبرا أن النثر حالة أدبية راقية و ما جبران خليل جبران إلا مثالا على ذلك فلنلتزم اما بالشعر و أصوله أو بالنثر و مقوماته ولكل اسمه فلا تخلط بين الاثنين.
يذكر أن الدكتور محمد سعيد العتيق أضاف إلى اختصاصه في أمراض الدم منظومة أخرى مكونة من الشعر العربي بنوعيه الشطرين والتفعيلة معتبرا أن هذا يشكل مساهمة فعالة في الحفاظ على الهوية العربية حيث ترك الغربة وعاد لحضن الوطن خلال الأزمة ليساهم مع بعض الكتاب في الدفاع عن الهوية السورية وحضارتها كما شارك العتيق في عديد من المهرجانات الأدبية والأنشطة الثقافية في دمشق وعدد من المحافظات.