الشاعر سعيد عقل تجاوز المئة عام ولا تزال روحه تنبض بالحياة

الشاعر سعيد عقل تجاوز المئة عام ولا تزال روحه تنبض بالحياة

شاعرات وشعراء

الأحد، ٢٩ يونيو ٢٠١٤

رغم سنوات عمره التي جاوزت القرن إلا أن روح الشاعر اللبناني الكبير سعيد عقل ما زالت تنبض بالحياة والحرية وبوعي مميز ولا يزال جسده محافظاً على حيويته وخطواته تتجه صوب الجمال بفرح كبير.
وفي بداية عهده مع الحياة لم يخطر ببال سعيد عقل الذي ولد في مدينة زحلة اللبنانية في الرابع من تموز من عام 1912 أنه سيكون شاعرا فكان يرى نفسه مهندسا او مخترعا وهذا ما صرح به لاحقا بأنه يرى ثمة علاقة وثيقة بين الشعر والعلوم فالعلم هو الرئة النظيفة للقصيدة ويجعلها أكثر قدرة على تفسير المعنى والوجود.
ويتميز شعر عقل بأنه يجنح إلى الرومانسية حيناً وإلى الرمزية حيناً آخر وهما المدرستان اللتان كانتا سائدتين في زمان ألقه الشعري في الثلاثينيات والأربعينيات على الخصوص وضمت أعماله الشعرية بعضاً من أجمل شعر الغزل في الشعر العربي المعاصر وهذه يمكن التماسها في ديوان رندلى الذي يعتبر واحداً من أجمل دواوينه فقال في إحدى قصائده.
كنت ببالي فاشتممت الشذا فيه ترى كنت ببال الورود .. في نجمنا أنت وفي مدعى أشواقنا أم في كذاب الوعود.
ولأنه شاعر الحس والرقة الذي يعشق كل جميل وجد في الفيحاء رمزا لهذه الصور البديعة فهي عاصمة الجمال والتاريخ في آن واحد ولم تغب دمشق عن شعره فحظت بجانب وفير من قصائده لأنه رأى فيها مهد الحضارات ومنبت الإبداع والعزة والفخار وأبرز هذه القصائد:
سائليني يا شآم- أحب دمشق- يا شام عاد الصيف- شام يا ذا السيف- قرات مجدك- وبالغار كللت.
وكانت أول قصيدة أبدعها عقل- لدمشق -سائليني ياشآم- عام 1953 والتي ناهز عدد أبياتها سبعين بيتاً فقال فيها:‏‏
سائليني حين عطرت السلام كيف غار الورد واعتل الخزام ..وأنا لو رحت أسترضي الشذا لانثنى لبنان عطراً يا شآم.
والشام في شعر عقل معقل المجد التي ارتقت إلى العلياء واخترقت الفضاء فكانت كالشهب التي لا يدانيها شيء في علوها فقال في قصيدة قرأت مجدك.
قرأت مجدك في قلبي وفي الكتب .. شآم ما المجد أنت المجد لم يغب .. إذا على بردى حور تأهل بي .. أحسست أعلامك اختالت على الشهب.
لقد كان لقصائده في دمشق وقع على قارئي الشعر ومحبيه واتصفت بغنائية وموسيقية عالية ما جعلها محط أنظار الأخوين رحباني اللذين وجدا فيها ضالتهما ليعبرا بدورهما عما تمثله الفيحاء لهما فكانت هذه القصائد تحية منهما في ليالي معرض دمشق منذ الستينيات بصوت سفيرتنا إلى النجوم فيروز كما في قصيدة خذني لعينيك.
شآم أهلك أحبابي وموعدنا .. أواخر صيف آن الكرم يعتصر
نعتق النغمات البيض نرشفها .. يوم الأماسي فلا خمر ولا سهر
شآم يا ابنت ماض حاضر أبدا .. كأنك السيف مجد القول يختصر
ويكرر عقل وصف دمشق بالشهاب المار في السماء في قصيدة ثانية هي شام يا ذا السيف والتي غنتها فيروز بصوتها أيضا فقال:
شام يا ذا السيف لم يغب .. يا كلام المجد في الكتب
قبلك التاريخ في ظلمة .. بعدك استولى على الشهب
وحار كثيرون في تفسير الفرح الذي يسري في شعره والموسيقا التي تميزه فجاوبهم سعيد عقل أنه قبل أن ينظم الشعر يسيطر عليه نغم القصيدة فتوحده الحالة الشعرية مع الكون وهذا يعني أن مادة الشعر وروحه هما الموسيقا كقولة في قصيدة “العينيك”:
من ترى أنت إذا بحت بما .. خبأت عيناك من سر القدر..
حلم أي الجن يا أغنية.. عاش من وعد بها سحر الوتر.
والمرأة في حياة سعيد عقل كانت وما زالت هي التي تتمتع بالنبل والأخلاق وهذه المرأة توحي بالشعر العظيم وتستحق الشعر وحسب رأيه فإن الغزل الذي لا ينطلق من القداسة هو كلام خارج الغزل فالشعر الغزلي له رسالة وليس مجرد أفكار أو كلمات مستوحاة فيكفي أن تكون هي بطلة القصيدة ومجرد كتابته الغزل يعني أنها موجودة أو يفترضها في خياله حيث قال في “زهرة الزهور”:
كن أنت للبيض وكن للسمر.. ما همني حبي أنا يبقى سعيدة به وإن
أشقى ..تحبني أو لا تحب أنت العمر.. أما كفى أني على يديك
أشتات الهية.. بي نية يا حلو أن أغرق في عينيك.
يذكر أن الشاعرعقل مارس الصحافة والتعليم وكتب في مطلع الثلاثينيات في جرائد البرق والمعرض ولسان الحال والجريدة وفي مجلة الصياد وكان له مؤلفات كثيرة أبرزها مسرحية بنت يفتاح والمجدلية وقدموس ورندلى وصدر له كتيب نثري بعنوان “مشكلة النخبة” وكتاب يارا وأجراس الياسمين وكتاب خماسيات وفي عام 1981 صدر لسعيد عقل ديوان شعر باللغة الفرنسية اسمه “الذهب قصائد”.