شعراء سورية المعاصرون يحافظون على جمالية قصيدة الشطرين

شعراء سورية المعاصرون يحافظون على جمالية قصيدة الشطرين

شاعرات وشعراء

السبت، ١٩ أكتوبر ٢٠١٣

أخذت قصيدة الشطرين مكانا تاريخيا واستمرارا زمنيا مع سيرورة الحياة ذاتها وذلك لما تمتلكه هذه القصيدة من مكونات شعرية وجماليات تتلاءم مع الإنسان في أي زمان ومكان حيث مرت قصيدة الشطرين بمراحل مختلفة من حيث المستوى والإقناع حتى وصلت إلى عصرنا الراهن الذي تمكن شعراؤه من أن يحافظوا على مستواها ومقوماتها.
فمثلاً يعمل الشاعر طلعت سفر على انتقاء ألفاظ بسيطة تتلاءم مع العصر الراهن وفق موسيقا البحر الكامل فتنساب التعابير مع الصور بطريقة جميلة تندمج فيها الصور المتناسقة مع البنية التركيبية لأبيات القصيدة محاولا أن تكون الصورة مبتكرة دون أن تشبه ما قبلها أو تقترب منها كما قال في قصيدة صهيل الأرق:
طغى..طغى صهيلك في سمع الدجى فأنا.. أجر خيلك نحو الصبح يا أرق يظل خلف جفون الصبح مختبئ.. لكنه في ظلام الليل ينبثق.
ويرى الشاعر الدكتور نزار بني المرجة أن القصة الشعرية التي وردت سابقا عند عمر بن أبي ربيعة وكثيرين من شعراء العصر الإسلامي والأموي جديرة بأن نحافظ على نمطها وأسلوبها فهي تعوض بالتوازن الموضوعي الذي يؤدي إلى قصة شعرية غنية بالعاطفة والحدث والنغم الموسيقي وقد ينجح هذا النمط إلى حد ينافس الأنماط الأخرى من الشعر مهما تضمنت من الصور والابتكارات وهذا ما حاول أن يفعله في قصيدته أحاكي الروح التي يقول فيها..
أحاكي الروح للجسد.. لأن القلب قد سجدا
فلا أرجو لنا بيتا.. ولا أرجو لنا ولدا
هو السر الذي نخشى.. ولا نخير به أحدا
ويصمم الشاعر محمد رجب على الربط بين الحالة الإبداعية الجديدة وبين ما جاء به القدماء فلا ضير من تشابه مطالع القصائد وتقارب الألفاظ شرط أن نبتعد عن تطابق الحالات فلا يمكن أن يتوافق الوقوف على الأطلال مع زمننا المعاصر أو الابتداء بالغزل والانتهاء في موضوع آخر فربط الحديث بالقديم يقتصر على الألفاظ والموسيقا والخروج من مدخل القصيدة إلى عالمها التكويني الذي يصل إلى موضوعها وخاتمته كقوله في قصيدة من أنت..
فكي إزار الصمت والإغواء.. وقفي شفيفا في ضلوع مساء
ورق المنى تشدو بسعف صبابتي.. فأقيم من نخل البهاء سماء.
أما الشاعر مهند صقور فيرى أن قصيدة الشطرين تتلاءم مع الرؤى والعاطفة فمن المفترض أن تؤدي الغرض الحماسي الذي ينشده الشاعر فيستجيب له الآخرون ومن المفترض أن يلتزم الشاعر في البيت الأول من القصيدة بتكرار القافية والروي معا حتى يتسنى له خلق الانسجام العاطفي بين البيت والمتلقي على أن تكون الألفاظ ملائمة للحالة الجديدة التي قد لا تشبه أي حالة سابقة إلا انه تعثر في تقليد بائية الشاعر نزار قباني عندما لجأ إلى معارضته مستخدما البحر والقافية والموضوع لاسيما في مطلع القصيدة كقوله في قصيدة يا دمشقي..
لاتتركيني وحيدا أشتكي الأرقا.. فيا دمشق تعالي نطرد الغسقا
ويا دمشق وضوء الفجر ينفحنا.. فالليث من غضب قد أسرج الشفقا
أما عند الشاعر فرحان الخطيب فالعودة إلى الماضي ضرورة ملحة وكذلك صياغة القصة الشعرية لكن على طريقته الخاصة وبالشكل الذي يسمح له أن يؤدي الحالة النفسية التي تنتابه نظرا لكتابته القصيدة وفق الموهبة الموجودة والمكونة من تراث يعتبر الماضي شيئا خالدا ومجيدا يختلف عن الحاضر الذي يبدو في نسيج قصيدته أقواس الكلام التي اختار لها تفعيلات متساوية في شطرين متناسقين إلى نهاية الموضوع الذي حمل قضية تاريخ مليء بالعزة يقول..
هنا يختفي كلنا بالمضى.. ونرنو إلى لحظة مقبلة
هنا نستضيف الجدود الألى.. تساموا إلى ذروة المرجلة
وكانوا إذا فيلق من غزاة.. تجنى.. أذاقوا العدا حنظلة
واعتبر الشاعر محمد ابراهيم حمدان أن مطلع قصيدة الشطرين يجب أن يحمل تحريضا عاطفيا قبل أن يبتدئ بالموضوع ثم ينتقل حسب ما يريد إلى خلق حماسة في الجانب الآخر عند المتلقي وفق تسلسل منطقي وموسيقا مجلجلة وهذا النوع أثبت نجاحا وحضورا عند شريحة اجتماعية ليست قليلة وتمتلك إرثا شعريا وافرا كقوله في قصيدة وتبقى الشام
المجد مجدك لا سام ولا حام... فليس في الشرق أنساب وأرحام
مري على العروة الوثقى معزية... فعروة الشرق أضغاث وأحلام
يفنى الزمان وتبقى الشام شامخة... فالشام بدأ العلى والمنتهى الشام...
وفي قصيدة الشطرين عمد الشاعر محمود حامد أن يأتي بروي قليل الاستخدام في الشعر العربي محاولا أن يربطه بعلاقة فنية عبر تفعيلات وأنغام البحر الكامل أيضا محاولا أن يتكلم بلسان القنيطرة وهي تكلم قائدا عربيا ترى فيه خالد بن الوليد الذي يطلع الفجر على يديه وهذا ما عبر عنه قائلا في رسالة عاجلة من القنيطرة إلى خالد بن الوليد.
هي دمعة في الياسمين تلوح.. ما كان آه بما تراه تبوح
تشكو أساها للتراب لعله.. يحنو عليها والتراب ذبيح
أنا القنيطرة الأبية رد لي.. يا ابن الوليد الصبح حيث يلوح
وحاول الدكتور أنس بديوي أن يعمل على ابتكار مطلع جديد يبدأ من خلاله بتكثيف الحدث دون أن يتصاعد الخط البياني كأسلوب تقليدي في الشعر على أن يكون المستوى الفني محافظا على حدوده دون أن يقبل تراجعا فقال في قصيدة كبرياء المدى والتي بين من خلالها حالة الوطن بكاملها وحالة سمائه أيضا.
وطن تفور على الرمال جراحه.. وتلوب عطشى في السماء الأنجم
أحدو إلى أرق المواجع قامة.. للحرف يحسو خمرها ما أضرمو
أما عند دولة العباس فتظهر حالة الأنثى واضحة جلية في قصيدة الشطرين بالرغم من أنها اهتمت بالصورة الشعرية وأرادت أن تحيدها إلا أن هذا الأمر لم يشكل تراجعا في عذوبة التلقي لأن الشاعرة تمكنت من تضمين مجزوء الكامل بوحها وما يختلج في وجدانها علما أن هذا النوع من الموسيقا والذي يأتي في إطار المجزوءات الخليلية أكثر صعوبة من الأوزان الأخرى إلا ان الشاعرة لم تتمكن من المحافظة على ذات المستوى في بقية أبيات القصيدة تقول..
من راح يزرع دمعة الوجد.. ومرارة الذكرى على خدي
ويحيلني أملا وأغنية.. ويزفني كحدائق الورد
ويصور الشاعر عز الدين سليمان دمشق بأسلوب إبداعي تشبيهي جديد يرى أن تكون هذه الصورة تحمل كل ما بوسعه أن يقدمه لتدخل في مكوناتها الجمالية حتى تحقق له مأربا شعريا بعيدا عن إشارات النقاد على أن دمشق تحملت غزلا كثيرا وكل ما يقال فيها ليس جديدا لذلك عمد على أنسنة دمشق ثم إخراجها إلى كل آخر يحمل مواصفات تتمكن من أداء مهامها الشعورية يقول في قصيدة الربيع العربي..
دمشق قلب المدى المزروع بالشهب.. أمي على غوطتيها راية وأبي
إني لأبصر وجهي كلما ضحكت.. في مقلتيها أردت وجهي العربي
إن كنت تنشد ما يأتي الربيع به.. عرج على الشام أو عرج إلى حلب
وتعتبر الشاعرة نبوغ أسعد أن قصيدة الشطرين لا يمكن أن تكون في مستوى الابداع إلا إذا تجاوزت ما هو بمرحلتها على الأقل واقتربت مما سبقها أو تجاوزته أيضا إضافة إلى ما يجب أن تحمله من حالات اجتماعية وإنسانية وعاطفية تتمكن من إقناع المتلقي عبر أزمنة وتستشهد في قصيدتها الشهيد..
كأنك قد صعدت إلى السماء.. على جنح جميل من ضياء
يسير الغيم خلفك في دلال.. وتمشي الشمس ترفل بالحياء
تمد الروح في الدنيا وتمضي.. فتجعلها سبيلا للعلاء
وعن رؤيته في شعر الشطرين يرى حسين عبد الرحمن أن الشعر ينبغي أن يتضمن الفلسفة حتى يقدم حالة مرتبطة بوجود الإنسان وأنظمة الحياة التي يعيشها على أن تكون الحالة الشعرية وافرة في النص يقول في قصيدة شهيد الواجب..
نحن نحيا لكي نعيش الضمائر.. فالضمير المرتاح ذكر عاطر
نحن نحيا لكي تسير الأماني.. تهتدي ضفة العلي القادر
نحن سر الوجود لو قادنا الشكر.. وقاد الحياة ضد الكبائر
أما الشاعرة مروة بعاج فلا ترى مانعا من محاكاة القدماء على أن يكون الشعر بعيدا عن الألفاظ القاسية والتي يجب أن تتلاءم مع التقدم السيكيولوجي لحياة الإنسان لأن محاكاة الماضي تخلق جوا شعريا مقنعا وقد يحافظ على ثقافة التراث الشعري وفهم المتلقي لماضيه وماضي الشعر تقول في قصيدة قفا نبك..
قفا نبكي الذي قد كنت فيه.. أرى مبدأ الحنان ومنتهاه
فآه كلما ذكراه عنت.. وآه ليس تحكيها الشفاه.