شعر الزجل.. صناعة سورية باميتاز تلقاه الاخرون وطوروه

شعر الزجل.. صناعة سورية باميتاز تلقاه الاخرون وطوروه

شاعرات وشعراء

الخميس، ٢٩ أغسطس ٢٠١٣

حظي شعر الزجل بمكانة متميزة لدى أبناء الريف السوري ليتخطى كونه فنا أو هواية إلى صميم الحياة اليومية متغلغلا في أدق تفاصيلها راويا تراثا وتقاليد وعادات ويوميات اجتماعية بقوالب شعرية غنائية.
ويرى أبناء الريف السوري أن الزجل نشأ بين ظهرانيهم مفندين كل النظريات الأخرى التي تنسبه لبيئات ومواطن أخرى ويقدمون الدليل تلو الدليل مستعينين بالشواهد التاريخية على أن هذا الفن هو صناعة ريفية سورية بامتياز تلقاه الآخرون فيما بعد مطورين ومغيرين.
ويشير الباحث التاريخي أسامة حسون إلى أن نشأة شعر الزجل كانت في منطقة القلمون بريف دمشق بالدرجة الأولى ويرتبط ذلك بكون هذه المنطقة معقل اللغة الآرامية التي تحدث بها السيد المسيح في العالم والتي لا يزال سكان عدد من بلداتها ينطقون بها مبينا أن أول من كتب في الزجل هو مار أفرام السرياني في القرن الرابع الميلادي والذي ينظر إليه كرائد للقصيدة والترنيمة الدينية.
ويعتبر حسون أن انتشار لغة الضاد بين سكان بلاد الشام خلق اختلاطا بين اللغتين الآرامية والعربية ما أدى لاحقا إلى تعريب الشعر الديني وتأثره بالشعر العربي خاصة في موضوع القافية.
ويلفت حسون إلى بعض المصطلحات التي لا تزال مستخدمة في شعر الزجل والتي يعود بعضها إلى أصول سريانية أو آرامية كما أن أوزان الزجل مأخوذة عن الألحان السريانية ولاسيما ما يعرف بالمعنى وهو من الأناشيد والمزامير السريانية فيما أن كلمة دلعونا أصلها سرياني وهي نداء لطلب العون.
ويثبت الكاتب أنطوان بطرس الخويري في كتابه "تاريخ شعر الزجل اللبناني" هذه النظرية معتبرا أن الشعر الزجلي اللبناني منبثق من الشعر السرياني القديم والموسيقا السريانية الكنسية مشيرا إلى أن الزجل بدأ في لبنان على ألسنة الموارنة الذين توطنوا فيه وكما هو معروف فإن الموارنة سكنوا جبل لبنان قادمين من شمال ووسط سورية منذ قرون.
ويشير الخويري إلى أن الشعر الزجلي اتخذ مقاييسه من الشعر السرياني أي التزام الإيقاع والخضوع للحن والنغم ولكنه لما ترجم إلى العربية اعتمد وحدة القافية والقياس العددي والسماعي المبني على المقاطع اللفظية أو التهجية أساساً لوحدة القياس وليس على العروض والتفاعيل وهي أوزان الشعر العربي.
ويفند الخويري مقولة أن الشعر الزجلي أتى من الموشحات الأندلسية مؤكدا أن أباه المباشر هو الشعر السرياني القديم ومن الموسيقا والالحان الكنسية السريانية وزنا وايقاعا والتي ظهرت مع الراهب برديصان الذي ولد في الشمال السوري وأبدع الاغاني والاناشيد السريانية على الايقاع والنغم والمقاطع اللفظية.
ويقر فؤاد حيدر رئيس جمعية شعراء الزجل في سورية باحتمال كون القلمون مهد شعر الزجل ولكنه يرى أن حصر انتشار شعر الزجل في منطقة القلمون بريف دمشق مجافاة للواقع لأن أهالي منطقة وادي بردى وقرى جبل الشيخ مولعون بهذا الفن ويحظى شاعر الزجل لديهم بمكانة رفيعة.
ويبين حيدر أن ظهور الزجل في الريف يعود إلى ارتباطه بالحياة الريفية ومعيشة الفلاحين اليومية حيث كانوا يغنون الأشعار لتخفيف عناء العمل في الحقول ولاستنهاض الهمم ويسمرون حول بيوتهم ليظهر كل من ينظم الشعر مقدرته أمام أبناء قريته.
ويعيد حيدر التشابه الكبير بين شعر الزجل في سورية ولبنان إلى تطابق العادات والثقافة والحياة اليومية في ريف البلدين ويظهر ذلك في تشابه اللهجات في كليهما والذي يتجلى في اللغة المستخدمة والتعابير والمصطلحات المستخدمة التي تعبر عن ذات البيئة.
ويستعرض حيدر ألوان الزجل التي تضم العتابا والميجانا وأبو الزلف والشروقي والروزانا والندب والمعنى مشيرا إلى أن أوزان هذه الألوان تختلف كليا عن أوزان الشعر الفصيح المقفى.
ويعتبر حيدر أن روح شعر الزجل ذات طابع اجتماعي وتركز على نقد ظواهر الحياة اليومية لأبناء الريف مشيرا إلى أن ازدهار الزجل في لبنان في العقود الماضية وانتشاره بشكل أوسع مما هو عليه في سورية عائد للاهتمام المتزايد بالزجل كفن وتغلغله في أكثر من مجال بما فيها السياسي.
وينتقد رئيس جمعية شعراء الزجل انتقال بعض ممارسي هذا الفن من مجاله الأصيل إلى توظيفه في الهجاء والقدح أحيانا مشيرا إلى أن هذا التوجه الغريب عن الزجل لا ينقص من مكانته كأسلوب فني تراثي يعكس روح البيئة الشامية وتفاصيلها العفوية الصادقة.
ويعزو حيدر إقبال الناس على الزجل الى كون استيعاب اللهجة المحكية أسهل من القصيدة باللغة الفصحى التي تحتوي على كم كبير من الألفاظ والكلمات الصعبة مؤكدا أن قصيدة الزجل تحمل أفكاراً عميقة وقد تكون لدى شاعر الزجل أعمق من الفكرة عند الشاعر الفصيح.
ويطالب حيدر بزيادة الاهتمام بشعر الزجل كأحد مكونات التراث السوري الشعبي والذي يستمد وجوده من صلب الهوية السورية التاريخية التي كرسها الامتزاج بين عدة ثقافات على أرض سورية.