ظاهرة «الهايكو» في الشعر العربي.. علامة ضعف أم تطور في الأساليب

ظاهرة «الهايكو» في الشعر العربي.. علامة ضعف أم تطور في الأساليب

شاعرات وشعراء

الأحد، ٢٥ يونيو ٢٠١٧

البحث عن الهايكو ليس صعباً، فهو موجود في المطبوعات وعلى جدران الفيس وفي الرسائل الإلكترونية ومعايدات المحبين، هذا الفن الياباني الشهير تحول إلى ظاهرة عند الشعراء رغم وجود ما يسمى بقصيدة الومضة في صعيد الكتابة العربية، ورغم أن الهايكو موغل في الثقافة اليابانية وقد تأسس على قواعد تطورت منذ عام على يد «باشو وبوسون يوسا وشيكي ماساوكا» منذ عام 1644 ومر في مراحل وتطورات كثيرة قبل أن يصل ما نراه اليوم، إلا أنه في الثقافة العربية لم يأخذ من هذا الفن سوى التسمية كما يؤكد النقاد، فهو مكتوب بتقليد وتكرار ظل بعيداً عما أجادت به الثقافة اليابانية لكونها الأم الشرعية لهذا الفن المشحوذ والدقيق الذي يفترض أن يصيب المعنى مثل السهم تماماً.. الإصرار على كتابة هذا النوع بلا تمايزات إبداعية فسره الكثيرون على أنه علامات ضعف عصفت بالشعر، بينما قال آخرون إن هذا اللون عبارة عن مقدمات لانعطافات بالكتابة سيتبلور لاحقاً رغم الهشاشة التي تميزه اليوم، المعروف أن النصوص المكثفة القصيرة قد تصبح خياراً لدى الكتاب بعد اختمار تجاربهم ونضج أساليبهم، لكن ممارستها اليوم من قبل المبتدئين غير الممسكين باللغة جيداً يعدّ أمراً لافتاً.. فهل الظاهرة علامات ضعف أم تطور في الشعر؟.. لنتابع:
الهايكو ملأ الفراغ
الشاعر محمد عضيمة، المدرس في جامعة طوكيو والخبير في هذا اللون من الكتابة، حيث ترجم الكثير من الثقافة اليابانية، يؤكد موضوع الاستسهال الحاصل في كتابة «الهايكو العربي»، لكنه من ناحية أخرى، يرى أن ذلك يمكن أن يقرب الناس من اللغة ويدربهم على تذوق الشعر حتى لو كان ما يكتبونه مجرد هراء.. يقول:
«قصة الهايكو باللغة العربية بسيطة وغير معقدة أبداً، لحسن الحظ هناك استسهال كبير له ولكتابته، وكنت أعرف أن هذا سيحدث، وربما هذا ما قصدته، منذ بداية ترويجي له عبر ديوان الشعر العربي الجديد قبل سبعة عشر عاما حين أصدرت الجزء الأول الخاص بالعراق، قبل ذلك لم يكن هناك شيء يذكر من هذا كله. وما ساعد على هذا الانتشار والاستسهال هو الفضاء الالكتروني المتاح بكرم وأريحية للجميع: من منا لا يبحث عن قارئ، عمن يعترف به؟ فبينما أنت وراء الشاشة الزرقاء أو البيضاء، تتابع، تطالع، تقرأ شيئاً يلمع في ذهنك مشهد فتدونه حالاً على الشاشة بثلاثة أسطر وتسميه هايكو أو قصيدة قصيرة وسرعان ما تجد من يقرأ ويعترف بك. عليك أن تملأ الفراغ القاتل الذي يلفك من جميع الجهات. فشكراً لهذه الصيغة القصيرة، البسيطة جداً، لإنقاذها آلاف الأفراد من الضجر ومنحهم وهم الإمساك بشيء، ولو بقشة، وهم الإنجاز، إنجاز أي شيء، شكراً للهايكو، لهذه التغريدة الخاطفة، لأنها مساحة واسعة جداً للتدرب والتمرين على الكتابة الشعرية الموجزة، البسيطة، الهايكو باللغة العربية هو تنويع بسيط وخفيف الظل على الأشكال الشعرية الموجودة وليس علامة ضعف أو تطور في الشعر، لأن الشعر ليس كتلة واحدة متجانسة وتتقدم كلها إلى الأمام أو تتراجع إلى الخلف، أرى أن انتشار الهايكو بهذا الشكل سيساعد الناس على تذوق اللغة ومفرداتها، وعلى تذوق الشعر الحديث الغامض حتى اليوم. بممارسة الهايكو وانتشاره يزداد عدد الشعراء، وهذا لمصلحة الشعر وليس ضده أياً كانت وجهة نظرك فيما يكتب على أنه هايكو».
غياب النقد يفاقم الكارثة!
الشاعر سرجون كرم، أستاذ مادة الترجمة واللغة العربية في معهد الدراسات الشرقية والآسيوية في معهد العلوم الإسلامية واللغات الشرقية بجامعة بون في ألمانيا، يرى أن النصوص تحمل انعكاساتها الثقافية، وتالياً فإن انتشار الهايكو من دون الإمساك بمقوماته يعدّ دليل ضعف في ظل غياب العامل النقدي.. يقول كرم:
«كلّ قصيدة في شكلها ومضمونها انعكاس لحالة ما، هذا الانعكاس يمكن أي يقاس على المستوى الشخصيّ للشاعر، ويمكن أن يقاس على المستوى العامّ إذا ما تمّ النظر إلى الحالة الشعريّة في متّحد ما واستنباط الأطر الثقافيّة والسياسيّة والاجتماعيّة والنفسيّة لهذا المجموع، لا أعتقد أنّ القصيدة العربيّة الحديثة وجدت نفسها في شكل نابع من ذاتها ووعيها الجمعيّ. فمن شعر التفعيلة وحتّى شعر الومضة لا يمكن القول: إنّ هذه الأشكال استنبطتها القصيدة العربيّة، بل كلّها كانت محاولات جديدة مترسّخة لها منبعها في العالم الغربيّ، فحسب المقياس الأكاديمي تمكن دراستها تحت علم الظواهر وليس علم الأصول والمنبع الثقافيّ. في اعتقادي أنّ قصيدة الهايكو أو الومضة التي تتطلّب مجهوداً جباراً – نفسياً وفكرياً – على شحن نصّ صغير بنوافذ على العالم لا تنتهي، هي بالنسبة إلى الحالة الشعريّة في العالم العربيّ دليل ضعف أكثر منه دليل قوّة بغياب العامل النقدي البنّاء، فمن خلالها أصبح عدد الذين يطلقون على أنفسهم لقب «شاعر» هائلاً، مع أنّ مجمل ما يكتبونه يصبّ أحياناً كثيرة في خانة «الخاطرة» الشخصيّة وليس في قصيدة الهايكو. هذه الخواطر لا تنظر إلا إلى نفسها الضيّقة لا إلى العالم. فما يكتب يشبه بعضه بعضاً إلى حدّ كبير، فإمّا هو حالة نفسيّة وإمّا محاولة تقليد لشعراء آخرين غربيّين بالتحديد».
في ذائقة الكتاب الشباب
على صعيد الكتاب الشباب، يبدو الواقع مختلفاً من حيث التحليل والرؤية تجاه هذا الأسلوب في الكتابة، وهو بذلك يعود إلى النص الأدونيسي كي يقتفي أثر التكثيف الذي لم ينجز بشكله الأمثل من قبل الشعراء اللاحقين.. يقول الشاعر زياد الجبيلي:
«قصيدة الومضة في سورية تطور منطقي للمدرسة الأدونيسية ووجهة نظر أدونيس في كتابة الشعر، أي أن تختزل العبارة لأقصى درجة ممكنة وتطبع عقلك على ورقة كربون وتمرره إلى الورق، أنا لا أهاجم أدونيس طبعاً لكنّ هذا ما فعله الأحفاد بكلام الجدّ الأكبر ظانّين أنّهم تلاميذ نجباء، ستقول: قصيدة الومضة هي انزياح وتطور إجباري للشعر، وأقول هي تطورٌ لما بدأه أدونيس نظرياً في كتبه النقدية وطبّقه عملياً لاحقاً في دواوينه، أمّا الهايكو فلم يعد سرّاً فشل من حاول أن يمسك سيفاً ويطير في الهواء على طريقة الساموراي أو النينجا على اعتبار أنّنا وللأسف لم نقرأ جيداً هذا النوع العالي من الشعر وتالياً لم ننتج شعراً جيّداً يوازي الأصل أو حتى يقترب منه، ربما لقلّة الموارد التي وصلتنا من بلاد المنشأ وربما لثقتنا المبالغ بها كالعادة كشعراء ليس لنا مثيل في الموهبة ولا في العبقرية»..
الشاعر أحمد السح، ذهب في اتجاه آخر، فرأى أن الهايكو ليس إلا هروباً يشكل لعبة خطيرة لأنه ابن بيئة مختلفة، يقول أحمد:
«لا يمكن تصنيفه في دائرة التطور الطبيعي، هو حالة فرار يريد فيها الشعراء أن يعبّروا بلغة أو طريقة تجعلهم يقتربون من الحداثة في الشكل، الشكل فقط، لتعود القصيدة تجدّد صراعاتها في كل مرة حول جدلية الشكل والمضمون، الهايكو لعبة خطيرة وهو ابن بيئة وثقافة مختلفة واستجلابه إلى لغة المنطقة لن يجعله جزءاً منها، ماذا لو أن أحد الشعراء فكّر في إحياء الأحجية الشعرية؟ هل سيقبل الشعراء وهل ستنتشر؟ ربما ستنتشر جماهيرياً أكثر كما الحال مع الومضة التي توجد نماذج منها كثيرة في الموروث، وهو ما يحاول التأصيليون دائماً تأكيده كما في كل شيء ليمنحوها هوية.. المهم أن يبتعد الشعراء عن الأصبغة والألبسة المستعارة، ليكتبوا بلغتهم وأفكارهم، وليسمّيها النقاد كما يريدون».
الشاعر أمير عدنان مصطفى، رأى أن الهايكو تحول إلى غطاء في وقت يحاول النص الحديث إيجاد الإطار المناسب.. يقول أمير:
«يبتعد الكاتب عن الثرثرة بغطاء الهايكو أو ما يسمى النص الومضة، قصيدة النثر بالنسبة لي باحة فهي ليست بحاجة لتعريف دعني أنعتها بورقة بيضاء أرسم فوقها طائرتي لأجدف مع السماء.. النص الحديث يعاني لاكتشاف إطار يحده، فالكتابة بحاجة لتجديد لأننا بحاجة لدفتها، أي إنها تستثمر من يحرق حواجز أكثر ويقدم نصاً يجذب الحياة، نصاً يحرض من أجل حياة يخلقها الكاتب!.
سواء كان الهايكو تعبيراً عن مأزق يعصف بالنص الشعري أو كان تطوراً في أساليب الكتابة، فإن ماهية النصوص المكتوبة يمكن أن تحسم الجدل في هذه القضية، سواء تحدثنا عن الهايكو أو الومضة أو غيرها من التقنيات.. يؤكد النقاد أن التجربة مشروعة على أن يتحمل صاحبها مباضع النقد والتشريح!.