مد القصيدة.. بين شاعر اليوم ومواقع التواصل … القصيدة هوية مفتقدة.. هل للشعر شروطه وقواعده

مد القصيدة.. بين شاعر اليوم ومواقع التواصل … القصيدة هوية مفتقدة.. هل للشعر شروطه وقواعده

شاعرات وشعراء

الأحد، ٢٧ ديسمبر ٢٠١٥

لجين اسماعيل

يمثل الشعر موروثا ثقافيا وأدبيا يساهم في تغيير الإنسان وتغيير نظرته للحياة فهل لابد من الشعر؟ وهل يمكننا القول إن الشعر ملكة وموهبة بغض النظر عمّا يحمله الكاتب من مؤهلات وكلمات وعبارات تؤهّله للدخول في غمار الشعر والأدب؟ وهل بات لقب الشاعر والكاتب مستباحاً لأي كان؟! تساؤلات عدّة في رسم الإجابة… لسنا ضد البوح… لكن لا أن نسميه قصيدةً
كثرُ من برزوا في الآونة الأخيرة لِنُفاجأ بأسمائهم تلمع وتسطع… ومواقع التواصل الاجتماعي تسترسل في نشر بعضٍ من كتاباتهم… بالمقابل نجد أشخاصاً يستحقون كل الدعم فكلماتهم وحروفهم تسبق مشاعرهم.. وفي هذا يؤيّد الشاعر سيزيف فكرة التضييق على من يدّعون كتابة الشعر.. لكن ليس لمرحلة خنق المواهب مشيراً إلى دور النشر الإلكتروني الذي يساعد على انتشار البوح الذي يسمى شعراً.. مؤكداً أهمية التمييز بين الشعر والمشاعر. وأضاف: «نحن لسنا ضد البوح.. لكن أن نسمّي البوح قصيدةً.. هذا ليس صحيحاً».
بعض الجهات المعنية بالشعر.. لم تصنع للقصيدة هوية
القصيدة على اختلاف أشكالها تحتاج إلى الدعم لتقوى.. وإن لم تلقه ضَمُرت وتلاشت وهنا لفت الشاعر سيزيف إلى التوجه الذي تتبعه وزارة الثقافة في التقليل من دور القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة وعدم الحفاظ على الجيد والمهم منها… فالوزارة ركزت على قصيدة النثر وأعطتها الأولوية.. وتابع: «يبدو أن الكم الهائل الذي يتقدّم من النصوص النثرية تجبرهم على نشر أي مجموعة عمودية أو مجموعة من شعر التفعيلة بغضّ النظر عن محتواها كدعم للنوعين… وهذا الشيء لا يخدم النوعين.. فكان للمد الأفقي وانتشاره الواسع أثره، فوزارة الثقافة ودور النشر إضافة إلى الصحف والمطبوعات لم تصنع للقصيدة هوية..».

مقوّمات كتابة الشعر
هناك شعراء أسسوا للقصيدة النثرية أشاد الشاعر سيزيف بهم وبمكانتهم الأدبية… وقال: بالمقابل نجد الشعراء الذين تذرّعوا بأن قوة القصيدة النثرية في الكتاب… هم من استولوا على المنابر، فالتوجه القائم على الشعور.. تقود كلماته المشاعر.. والشعر إن لم يكن ذا ذخيرة معرفية إضافة إلى امتلاكه الموسيقا والتناغم في الحروف.. من الصعب أن نسميه شعراً..
ولفت إلى شعراء القصيدة الحرّة الذين تذرّعوا بأن الموسيقا التي يتعاملون معها تمثّل الموسيقا الداخلية الروحية التي لها علاقة بخلجات الشعور وتناغم الأحرف.

كتابة الشعر ثقافة وخبرة
لم يعد شعرنا العربي محصوراً بالقصيدة التقليدية القديمة وإنما توسّعت وتطوّرت.. وفي هذا السياق تحدّث الشاعر سيزيف عن نموذَجي الومضة والهايكو… حيث يمثّل شعر الهايكو نموذج شعر ياباني له قوانينه ما سبب إشكالية للشعراء الذين استخدموا أسلوبه… على حين نجد أن شعر الومضة تكثيف للحالة الشعورية بأقل عدد من الكلمات والذي يحتاج ثقافة وخبرة.
وكان رأي شعراء قصيدة النثر حول اتجاههم واستنادهم إلى قاعدتهم التي تقول: لا نريد أن نقولب أنفسنا في قصيدة التفعيلة.. فنكتب شعر الومضة.
شعر اليوم ما هو إلا أفكار عشوائية متناثرة
بات الشعر أداة نعبر به عن أبسط حالاتنا وأكد الشاعر جهاد بكفلوني ذلك في قوله: «استسهل الناس إطلاق كلمة الشعر على أي كلام يخرج في كثير من الأحيان عن المألوف وإذا أمعنا النظر فيما يسمى شعراً فإننا نعثر على أفكار عشوائية متناثرة كعقد بلا نظام وربما لجأ أصحاب هذه الكلمات الغامضة إلى الاختباء وراء اللاوعي والغيبوبة والذهول واللغة الخاصة بهم ليبرروا ما يفعلونه، فلا ضوابط ولا إيقاع ولامعان ولا خيال…. القارئ أمام دهاليز وتخوم وكهوف تضيع الأبعاد فيها.. ظلمات بعضها فوق بعض.. على حين الشعر وضوح وإشراق وسطوع لذلك لا يمكن لهذه الأفكار الهلامية أن تتزيا بزي الشعر.. وهو منها براء.. براءة الذئب من دم يوسف.
علينا أن نصون الشعر.. ونضفي عليه من أرواحنا
الشعر يتزيّن بكلماته وحروفه… أفكاره وروحانيته… فيتابع الشاعر بكفلوني: «يقول جميل صدقي الزهاوي:
أرى الشعر بعد الوحي أكرم هابط
من الملأ الأعلى إلى الملأ الأدنى
ويقول أيضاً:
إذا الشعر لم يهززك عند سماعه
فليس جديرا أن يقال له شعرا
القصيدة نفحة روضة معطار تشد إليها كل من يمر بجوارها وتدعوه إلى الإبحار في هذا العالم الرائع وقد أقام أجدادنا صرحا شعريا كان غايةً في الجودة والإتقان… وحريٌّ بنا نحن الحفدة أن نصون هذا الصرح وأن نضيف إليه من فكرنا وروحنا ألواناً وأطيافاً جديدة من الفتنة والسحر لا أن نحمل معاول الهدم لنمعن فيه تخريباً وتهديماً باسم الحداثة ومجاراة روح العصر».

الشعر خلقٌ وابتكار وإبداع
وأضاف: «تروي كتب الأدب أن الحسن بن هانئ (أبا نواس) طلب من خلف الأحمر وهو أحد أهم رواد الشعر أن يتتلمذ على يديه ليصبح شاعراً، فما كان من خلف إلا أن طلب منه حفظ عشرة آلاف من الشعر.. غاب أبا نواس فترة من الزمن وعاد إلى خلف ليخبره أنه حفظ تلك الأبيات، فطلب إليه أن يزيد عليها عشرة آلاف أخرى.. فاستجاب الحسن بن هانئ للطلب وعاد ليبلغ أستاذه بذلك، فقال له خلف: الآن بوسعك أن تصبح شاعراً.
أنا لا أفهم كيف يقدم أحدهم على كتابة ما يراه شعراً وهو لا يحفظ عشرة أبيات ناهيك عن الحملة الشعواء التي تشن على نحونا العربي ويزعم أصحابها أن زمن النحو قد ولّى وألا حاجة إلى ضبط أواخر الكلمات.
أرأيت تلك الدولة التي لا يحترم فيها الناس قانوناً ولا نظاماً ويكفرون بالأعراف والتقاليد ويستبيحون كل شيء.. كيف يمكن أن يعيش أبناؤها فيها؟
الشعر خلق وابتكار وإبداع لكنه نتاج قريحة متصلة بغيوم الشعر… تلك الغيوم التي تنثال غيثاً عميماً يعفر أرض الخيال بأزهاره الندية وعشبه السندسيّ الأخضر.

الشعر كلام له شروطه وقواعده
الشعر كلام موزون مقفى.. فيقول الشاعر أسامة العلي هناك من يتجاوز هذا التعريف لافتا إلى أن المشكلة برأيه لا تكمن في الوزن عند المبتدئين لكن في كيفية إظهار المشاعر والبوح بها فهناك من لا يجيد توظيف العبارات أبدا ويبتعد عن الوزن فيكون بعيداً كل البعد عن تسمية شاعر الموهبة ويتوضح ذلك عند قراءة أول نصين للمبدع الحقيقي ويمكن اكتشافه تماما كمن يمسك ريشة ويحاول الرسم وهو يافع فيرسم أشياء جميلة مشيراً إلى أن هذا لا بد من تشجيعه ليتطور، أما من يدخل في هذا المجال كهواية ليس بالضرورة أن يصل للمستوى المطلوب فالهواية تختلف عن الموهبة، ربما الموهبة موجودة بالفطرة والمطلوب ممن يريد الكتابة أن يتقن صناعة الشعر وصياغته وزناً وقافية ومعاني جميلة وكل ما عدا ذلك إذا استثنينا الشعر العامي أو الزجل فهو كلام لا يساوي ثمن الحبر والورق الذي كتب به وعليه.

أين النقد الحقيقي للأدب
يتولد ويخلق الشعر غالبا من الأزمات التي نعيشها ويرى مدرس اللغة العربية أسامة حيدر أن الأزمة التي نعيشها تدفع الناس للتوجه للتعبير بطريقة أو بأخرى عن مكنوناتهم.. موضحاً أن شهرة البعض وتفوقهم يعودان إلى غياب النقد الحقيقي للأدب ودعم الإعلام لهم… إضافة إلى شهرتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.. وهذا أمر مخيف… فهناك شعراء كثر تغيّبوا عن الساحة الأدبية، ليس لضعفهم في صياغة اللغة الأدبية، وإنما لوجود شعراء ساعدتهم ظروفهم المحيطة بهم للظهور والشهرة.
وختاماً هل كتابة الشعر ملكة فطرية أم إنها موهبة اقتصرت على البعض… فضاعت جهود الآخرين؟!